الحَمدُ للهِ رَبِ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا مُحَمَّدٍ الطاهِرِ الأمين وعلى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن اتبَعَهُم بإحسانٍ إلى يَومِ الدّين. يَقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلْ (يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّآ أَرسَلنَكَ شَاهِدًا وَمُبَشِرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بإِذنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) سورة الأحزاب / 45.
تُطِلُ عَلينا في الثاني عشر مِن رَبيعٍ الأول من كُلِ سَنَة ذِكرَى عَطِرَة ألا وَهيَ ذِكرَى مَولِدِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ رَسولِ الله صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلَم، وكانت وِلاَدَتُهُ يَومَ الإثنينِ مِن عَامِ الفيل في شهرِ ربيعٍ الأول.
إخوة الإيمان إنَّ ظُهورَ النبيَّ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَليهِ وَسَلَمَ من أَكبَرِ النِعَمِ علينا وَلإِن كُنَا نَشكُرُ اللهَ تعالى على نِعَمِهِ الظَاهِرَةِ والبَاطِنَة فَإِنَ مِنهَا الشُكْرَ العَظيم على نِعمَةِ إِرسالِ النبيّ مُحَمَّد الذي هَدَانَا اللهُ بِبِعثَتِهِ وَوَفَقَنا لاتِبَاعِ شَرعِهِ وَسُنَتِه. وَمِنْ أسَاليبِ الشُكرِ التي سَلَكَها المُسلِمُونَ في تَعظيمِ قَدرِ نَبِيِّهِم الكَريم عَمَلُ المَولِدِ الشَريف، وهو اجتماعُهُم وَقِراءَةِ مَا تَيَسَرَ مِنَ القُرءانِ الكَريم وَأشياءَ مِنَ الأخبَارِ الوَارِدَةِ عَن أَمرِ وِلاَدَةِ النَبيّ وَإنشَادِ المدَائحِ المُحَرِكَةِ لِلقُلُوب للاستِعدَادِ للآخرة ثُمَ مَدُ سِمَاطٍ فَيأكُلُونَ وَيَنصَرِفُون، فقد قالَ عن هذا عُلَماءُ الأُمَة إنَهُ بِدعَةٌ حَسَنَةْ إِذ إِنَّ البِدعَةَ قِسمَان: بِدعَةُ هُدى وبِدعَةُ ضَلاَلَة.
قَالَ رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلم "مَن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً فلَه أجرها وأجرُ مَن عَمِلَ بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ ومَن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ" رواه مسلم.
فَبِدعَةَ الضَلاَلَة هِيَ التي اُحدِثَت عَلى خِلاَفِ شَريعَةِ النَبي صلى اللهُ عَليهِ وسلم وأما ما أُحدِثَ على وِفَاقِهَا فَليسَ ضَلاَلَة وَيُمَيّزُ البِدعةَ الحَسَنَة مِنَ البِدعَةِ السيّئَة أهلُ العِلمِ فَمَا استحسَنَهُ العُلَماءُ فهوَ حَسَنٌ عِندَ الله وما استقبَحوهُ فَهُوَ قَبيحٌ عِندَ الله وَإِنَّ إِقامَةَ الاحتِفَالِ بِذِكرى مَولِدِ الرسولِ صلى اللهُ عَليهِ وَسَلَم حَدَثَ بَعد القُرونِ الثلاثة حَيثُ عَمِلَ المَلِكُ المُظَفَّر حاكِمُ إِربِل أحَدِ المُلُوكِ الأَفاضِلِ احتِفالاً عَظيمًا أظهَرَ بِهِ الفَرَحَ والبَهجَة بِوِلاَدَةِ خَيرِ الكائِناتِ وَسَيِّدِهِم سيدُنا مُحَمَّد عَليهِ الصلاةُ والسلام وَقَد أَقَرَهُ العُلماءُ مِن فُقَهاءً وَمُحَدِّثينَ على ذَلِك وقَبِلُوهُ واستحسنوه لأَنَّ ذَلِكَ ليسَ فيهِ مُخالَفَةٌ للشريعة بل هُذا مما يُوافِقُ الَشريعة وَهُو مِنَ البِدَعِ الحَسَنَةِ التي لَم يُنكِرها عُلَماءُ الأُمَة ثُمَ لا زَالَ أَهلُ الإسلامِ مِن سائِرِ الأقطَارِ في المُدُنِ الكِبَار يَعمَلُونَ المَولِدِ وَيَتَصدَقُونَ في لَياليهِ بأنواعِ الصَدَقَات.
قَالَ ابنُ كَثيرٍ في تاريخِهِ: كَانَ المَلِكُ المُظَفَرُ يَعمَلُ المولدَ الشَريف في رَبيعٍ الأول وَيَحتَفِلُ بِهِ احتِفالاً هَائِلاً وَكَانَ شَهمًا بَطَلاً عَالِمَا عَادِلاً رَحِمَهُ الله وأكرَمَ مَثواه. وَهُنا تَجدُرُ الإشَارَةُ لِلتَنَبُهِ مِنْ كَثيرٍ مِنَ الكُتُبِ التي تُطبَعُ باسمِ المَولِدِ وهي مَكذوبَةٌ على مَن نُسِبَت إِليه كَكِتَابِ "مَولِدِ العروس" لابنِ الجَوزيّ فقد قِيلَ في هذا الكتاب أَنَّ اللهَ قَبَضَ قَبضَةً مِنْ نُورِ وَجهِهِ وَقَال كُوني مُحَمَّدًا فكانت مُحَمَّدًا فهذا من الأباطيلِ المدسوسة واللهُ سبحانَهُ وَتَعَالى لَيسَ كَمِثلِهِ شَئ ليسَ النور بمعنى الضوء بل هو النورُ بمعنى الهادي.
فاحتَفِلوا إِخوةَ الإيمان بِذكرى ولادَتِهِ صلى اللهُ عَليهِ وَسَلم وأَظهِروا الفَرَحَ والبَهجَةَ بِذَلِك والحَقُوا بِمَجَالِسِ العِلمِ التي يُدَّرِسُ فيها أهلُ الحَقِّ لِتَهتدوا بِهَديهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام.