SunnaOnline | سنة اون لاين إسلاميات الخــطب والـــدروس العقل السليم شاهد الشرع
العقل السليم شاهد الشرع
إن من أعظم النعم التي أكرمنا الله بها هي نعمة العقل، العقل الذي أعطانا الله إياه، لنمتاز به عن الحيوان الأعجم، والصخر ِالصَلب، فبالعقل يميزُ الإنسان، وبالعقل يكلَّف المرء المسلم، وبه يَعرِفُ خالقه جلَ جلاله ذَلكمُ العقل الذي يميزُ به بين الخير والشر، والهدى والضلالة، إذا استعملهُ الإنسان سببًا في سلوك طريق الهدى، والبعد عن موارد الردى العقل الذي يُعدُّ نعمة عظمى، امتنَ الله بها علينا، قال الله تعالى {قُلْ هُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23]، ومن تأملَ حكمة الله تبارك وتعالى في أن يكون الطفل الوليد بلا عقل لأدركَ أثرَ هذه النعمة عليه حينما يوهب شيئًا بعدما مُنِع منه، ليكون الإحساسُ به أشدّ وقعًا، وأجدى نفعًا، قال تعالى {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
فالعقل ضرورة كبرى من هذه الضرورات، مرهونةٌ بإيجاد ومنع، فالإيجادُ إنما يكونُ من خلال استعماله في طاعة الله سبحانه واعتقاد دين الإسلام به، والمنعُ إنما يكون من خلال سَدِ كل ذريعةٍ مفضية إلى إفسادِ هذا العقل أو تعطيله عن الإتصال بأسباب الهداية، فلأجلِ ذا حُرِّمَ كل ما من شأنه أن يكونَ سببًا في زواله أو تضيعه، كشراب المسكرات والمخدرات ونحوها، ثم إنّ العقل البشري الذي يستطيع أن يؤدي وظيفته على أكملِ وجه، هو ذلكم العقل الذي تجردَ عن الهوى، وخَلصَ من التقليدِ الأعمى، فلم يتأثر بالآراء والأفكار المنحرفة التي تدفعهُ للوقوع في الزيغ والضلال، كما أنهُ لم يُعطّل قواهُ باتباع أعمى، فينجرّ به على انحراف ذريعٍ وزيغ مزيفٍ. هذا هو العقلُ السليم، وأما الذين كبّلوا عقولهم، وعطلوها عن موارد الخير والحكمة والنهل الصافي فهم الذين قال الله عنهم {إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 22]. ولأجل ذلكَ كان جواب أمثال هؤلاء يومَ القيامة، {وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ} [الملك: 10، 11]. وماجاءت به الكُتبُ المنزّلة وما أخبرَ به الرُسل الكرام لا يخالف العقل السليم ولا يعارضُهُ بل كل ما جاءَ في الشرع موافقٌ للعقل السليم، فاعتقادنا أنّ الله تعالى يستحيلُ عليه الشريك والشبيهُ والمثيل والمكان وكُل صفاتِ الخلق هو مما يَشهدُ به العقل والفكرُ الصحيح، والإيقان بوجود الله تعالى وأنه خالق كل شيء يشهدُ لذلك العقل السليم، فالعقلُ السليم يشهد أنهُ ما من ضربةٍ إلا ولها ضاربٍ وما من كتابةٍ إلا ولها كاتب وهذا العالم بما فيه من غرائبَ وعجائبَ ونظام ومخلوقات لابد له من خالقِ وهو الله العظيم الذي خلقَ جميع الخلائق بقدرتهِ والعقل يشهدُ بالحس أن هذه الخلائق لها بداية، فالواحد منا يعرفُ أن له وقتٌ وجِدَ فيه كان قبله معدوم الوجود وأنّ المعدوم بالأصل لايمنعُ أن يعود إلى حالةِ العدم بعد الوجود فكان من ضرورة العقل أن يُقال العبد المخلوق له بداية ونهاية، والله تعالى الخالق القدير لا بداية لوجوده ولا نهاية لوجوده، هكذا يشهدُ العقل السليم والفطرة، فالمسلمون إعتقادهُم أنّ العقل شاهدٌ للشرع إذ أنّ الشرع لم يأتي إلا بمجوزاتِ العقول ومع ذلكَ هناك أحكامٌ شرعية نعتقدها ونطبقها ولا نُدْخِلُ فيها عقولنا وآراءنا لأننّا نجزمُ أنّ فيها الحكمة والمصلحة وإن لم تظهر لنا هذه الحكم ومن هنا يرددُ الناس المقولةَ التى تنسب إلى الإمام علي كرم الله وجه (لو كان الدين بالرأي لكانَ مسحُ الخُفِ من أسفلِه لامن أعلاه) لأن الخُفَ وهو ما يُلبَسُ في الرِجل لو أرادَ الشخصُ أن يمَسحَ عليه بشروط مُقررة في الشرع يكونُ من الأعلى ولو عمدِنا للفكرِ لكانَّ من الأسفل حيثُ يتأثرُ بالمشي، فلا دَخل للعقل في الدخول في مثلِ هذا.
وينبغي في هذه العجالة المختصره أن أنبِهَ القُراء أنّ العقل صفةٌ راسخةٌ في البشر ولا يجوزُ أن يوصفَ الله تعالى بها كما يتسرعُ ولا يتورع بعض من يسمونهم كُتاباً إسلامين وينسبونَ هذه اللفظةَ الخاصةَ بالخلق إلى الله تعالى وهذا مذكورٌ في كُتب سيد قطب الذي يصف الله تعالى بـــ (العقل المدبر) وهذا مخالف لأصول الشريعة التي منها أن الله لا يوصفُ بصفات البشر عملاً بالآية القرآنية {ليس كمثله شيء} ومخالف للغة العرب التي لا يمكن فيها إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى.