SunnaOnline | سنة اون لاين إسلاميات الخــطب والـــدروس الدخان
الدخان
قال الله تعالى {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفوا العذاب قليلًا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}. الدخان 10-16
{فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} ارتقب معناه انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين، قاله قتادة رواه البخاري. وفي الدخان أقوال ثلاثة:
الأول: أنه من أشراط الساعة لم يجيء بعد، وأنه يمكث في الأرض أربعين يومًا يملأ ما بين السماء والأرض، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم، ويضيق أنفاسهم، وممن قال إن الدخان لم يأت بعد إنما يجيء قبل قيام الساعة: علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وابن أبي مليكة وغيرهم.
روى مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذاكرون قالوا نذكر الساعة قال "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".
قال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة "لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال" هذا الحديث يؤيد قول من قال إن الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام، وأنه لم يأت بعد، وإنما يكون قريبًا من قيام الساعة، وقد سبق في كتاب بدء الخلق قول من قال هذا، وإنكار ابن مسعود عليه، وأنه قال: إنما هو عبارة عما نال قريشًا من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان، وقد وافق ابن مسعود جماعة، وقال بالقول الآخر حذيفة وابن عمر والحسن، ورواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يمكث في الأرض أربعين يومًا، ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين هذه الآثار. وأما الدابة المذكورة في هذا الحديث فهي المذكورة في قوله تعالى {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض} قال المفسرون: هي دابة عظيمة تخرج من صدع في الصفا. وعن ابن عمرو بن العاص أنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال. ا.هـ
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "بادروا بالأعمال ستا الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم". قال هشام: خاصة أحدكم الموت، وخويصة تصغير خاصة. وقال قتادة: أمر العامة القيامة، كذا ذكره عنهما عبد بن حميد.
القول الثاني: أن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانًا، قاله ابن مسعود. قال: وقد كشفه الله عنهم، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم. والحديث عنه بهذا في صحيحي البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والنسائي وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا وأن الدخان مضى جماعة من السلف: كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير.
ولفظ البخاري عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة - باب بالكوفة - فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم - أي أن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم، وهذا مناسب لما اشتهر من أن لا أدري نصف العلم، ولأن القول فيما لا يعلم قسم من التكلف - فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} ص 86. وإن قريشًا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة - السنة القحط والجدب - حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام – وفي رواية للبخاري فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف - وقوله "حصت" بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه - ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان - وفي رواية للبخاري: من الجوع - فجاءه أبو سفيان فقال يا محمد جئت تأمرنا بصلة الرحم - وفي رواية للبخاري إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم - وإن قومك قد هلكوا فادع الله فقرأ {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفوا العذاب قليلًا إنكم عائدون}، أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}، و {فسوف يكون لزامًا} لقمان 77، يوم بدر، {ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} الروم 1-3 والروم قد مضى.
وفي رواية للبخاري: فلما أصابتهم الرفاهية - أي التوسع والراحة - عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال يعني يوم بدر. قال ابن مسعود رضي الله عنه: فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام. قال أبو عبد الله وزاد أسباط عن منصور فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعًا وشكا الناس كثرة المطر قال "اللهم حوالينا ولا علينا" فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم. قال العيني قوله خمس أي خمس علامات قد مضين أي وقعن [ الأولى ] - الدخان قال تعالى {يوم تأتي السماء بدخان مبين}. [ الثانية ] - القمر قال الله تعالى {اقتربت الساعة وانشق القمر}، [الثالثة ] - الروم قال الله تعالى {الم غلبت الروم}، [الرابعة ] - البطشة قال الله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى}، وهو القتل الذي وقع يوم بدر ] الخامسة ] - اللزام {فسوف يكون لزامًا}، قيل هو القحط وقيل هو التصاق القتلى بعضهم ببعض في بدر، وقيل هو الأسر فيه وقد أسر سبعون قرشيا فيه. قال النووي: والمراد به قوله سبحانه وتعالى {فسوف يكون لزامًا} أي: يكون عذابهم لازمًا، قالوا: وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر، وهي البطشة الكبرى. وقال الترمذي اللزام يوم بدر. وقد ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره أنه القتل الذي أصابهم ببدر، روي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك. قال القرطبي فعلى هذا تكون البطشة واللزام واحدًا، وعن الحسن: اللزام يوم القيامة وعنه أنه الموت وقيل يكون ذنبكم عذابًا لازمًا لكم كذا في العمدة. قال أبو عبيدة: والدخان الجدب. وقيل سمي دخانًا ليبس الأرض منه حين يرتفع منها كالدخان.
القول الثالث: إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة، قاله عبد الرحمن الأعرج. {يغشى الناس هذا عذاب أليم}، {يغشى الناس} في موضع الصفة للدخان، فإن كان قد مضى على ما قال ابن مسعود فهو خاص بالمشركين من أهل مكة، وإن كان من أشراط الساعة فهو عام على ما تقدم. أي يحيطهم ويتغشاهم ويعميهم. {هذا عذاب أليم} أي يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا. وقيل: أي يقول الناس لذلك الدخان {هذا عذاب أليم}. {ربنا اكشف عنا العذاب} أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم. {إنا مؤمنون} أي مصدقون بنبيك {أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين} كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولًا بين الرسالة والنذارة {ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} ومع هذا تولوا عنه أي أعرضوا وما وافقوه بل كذبوه {وقالوا معلم مجنون} أي يعلمه القرآن، بشر مجنون {إنا كاشفوا العذاب قليلًا إنكم عائدون} أي وقتًا قليلًا، وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليلًا، أي في زمان قليل ليعلم أنهم لا يفون بقولهم، بل يعودون إلى الكفر بعد كشفه، قاله ابن مسعود. فلما كشف ذلك عنهم أي الجوع باستسقاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم عادوا إلى تكذيبه. ومن قال: إن الدخان منتظر قال: أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية من آيات قيام الساعة. ثم من قضي عليه بالكفر يستمر على كفره. وقيل: معنى {إنكم عائدون} أي إلى كفركم فعادوا إليه وقيل: معنى {إنكم عائدون} إلينا، أي مبعوثون بعد الموت. وقيل: المعنى {إنكم عائدون} إلى نار جهنم إن لم تؤمنوا. {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} فسر ذلك ابن مسعود رضي الله عنه بيوم بدر وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسيره الدخان بما تقدم وروي أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما من رواية العوفي عنه وعن أبي بن كعب رضي الله عنه وهو محتمل والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضًا قال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن مسعود رضي الله عنه: البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة وهذا إسناد صحيح عنه وبه يقول الحسن البصري وعكرمة في أصح الروايتين عنه والله أعلم.