اعلم أنه تجب الزكاة في النقد أي الذهب والفضة المضروب من ذلك وغيره. وأما غير الذهب والفضة من الأثمان فلا زكاة فيه عند الإمام الشافعي ومالك وأحمد رضي الله عنهم، وتجب عند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فهذه العملة المستعملة في هذا العصر لا تجب فيها الزكاة عند الشافعي ومالك وأحمد وتجب عند أبي حنيفة لأنها تروج رواج الذهب والفضة. ا
فمن أخذ بمذاهب الأئمة الثلاثة فلم يزك هذه العملة التي لا يستعملها في التجارة فلا يعترض عليه، ومَن أخذ بمذهب أبي حنيفة فزكاها أخذ بالاحتياط. فإن اعترض معترض على الأئمة المذكورين، قيل له: ليس لك أن تنكر، فأن مذاهبهم تلحظ أن الله تبارك وتعالى ما ذكر في ءاية براءة وعيداَ إلا فيمن منع زكاة الذهب والفضة، قال الله تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (سورة التوبة/ 34)، والله كان عالماً في الأزل بأنه تكون أثمان من الذهب والفضة وغيرهما. فكيف يعترضُ على الأئمة المذكورين ومأخذهم هذا النص، فليس للحنفي أن يعترض على مذهب الأئمة المذكورين، ولا للشافعي والمالكي والحنبلي أن ينكروا على الحنفي. ا
أما مَن قلّب هذه العملة الورقية في البيع والشراء لغرض الربح فهذا تجارة، فيقوِّم ما عنده ءاخر الحول فمان بلغ قيمته بأحد النقدين نصابأ أخرج زكاة التجارة.ا ومذهب الحنفية أن الفلوس إن كانت أثماناً رائجة أو سلعأ للتجارة ففيها زكاة، كذا في الشَّرَنبلالِيّة (1). اوفي الفتاوى الهندية (2) "وأما الفلوس فلا زكاة فيها إذا لم تكن للتجارة، وإن كانت للتجارة فإن بلغت مائتين وجبت الزكاة، كذا في المحيط" ا. هـ. ا
أما غير الحنفية فقد قال المالكية كما في الشرح الكبير على مختصر خليل (3) ما نصّه "وأشعر اقتصاره على الورِقِ - أي الفضة- والذهب أنه لا زكاة في الفلوس النحاس، وهو المذهب" ا. هـاا
وفي كتاب فتح العليّ المالك (4) على مذهب الإمام مالك ما نصه: ما قولكم في الكاغَد الذي فيه خَتم السلطان ويتعامل به كالدراهم والدنانير هل يزكى زكاة العين أو العَرَض أو لا زكاة فيها؟ فأجبت بما نصّه "الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمّد رسول الله، لا زكاة فيها لانحصارها (5) في النَّعم وأصناف مخصوصة من الحبوب والثمار والذهب والفضة، ومنها قيمة عَرْض المُدير وثمن عرض المحتكر، والمذكور ليس داخلاً في شىء منها، ويقرَّبُ لك ذلك أن الفلوس النحاس المختومة بختم السلطان والمتعامل بها لا زكاة في عينها لخروجها عن ذلك، قال في المدونَة: ومن حال الحول على فلوس عنده قيمتها مائتا درهم فلا زكاة عليه فيها إلا أن يكون مديراً فيقوّمها كالعروض. انتهى; وفي الطراز بعد أن ذكر عن أبي حنيفة والشافعي وجوب الزكاة في عينها واتفاقهما على تعلقها بقيمتها وعن الشافعي قولين في إخراج عينها قال: والمذهب أنها لا تجب في عينها إذ لا خلاف أنه لا يعتبر وزنها ولا عددها وإنما المعتبر قيمتها، فلو وجبت في عينها لاعْتُبِرَ النصاب من عينها ومبلغها- لا من قيمتها، كما في عين الوَرِقِ والذهب والحبوب والثمار، فلما انقطع تعلّقها بعينها جرت على حكـم جنسها من النحاس والحديد وشبهه، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وءاله وسلم" ا. هـ عبارة فتح العليّ المالك. ا
ومذهب الحنابلة كذلك، ففي شرح المنتهى (6) "الفلوس ولو رائجة عروض، والعُروض تجب الزكاة في قيمتها إذا بلغت نصاباً إذا ملكت بنيّة التجارة مع الاستصحاب إلى تمام الحول، أما لو ملكها لا بنيّة التجارة ثم نواها فلا تصير لها" ا هـا
ومذاهب الشافعية كمذهب الحنابلة والمالكية أنه لا تجب الزكاة في عين العملة الورقية، نصّ على ذلك الشيخ محمد الأنبابيّ الذي كان يسمى الشافعي الصغير نقل ذلك عنه صاحب كتاب موهبة ذي الفضل، وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري تولى مشيخة الأزهر مرتين.ا
--------------------------
ا(1) ردّ المحتار على الدّر المختار (2/ 32). ا
ا(2) الفتاوى الهندية (1/ 179). ا
ا(3) انظر هامش حاشية الدسوقي (1/ 418). ا
ا(4) فتح العليّ المالك على مذهب الإمام مالك (1/ 164). ا
ا(5) أي لانحصار الزكاة. ا
ا(6) شرح منتهى الإرادات (1/ 401).ا
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | الصيــــام والزكــاة |
الزيارات : | 9068 |
التاريخ : | 16/7/2010 |
|