الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه الطيبين.
أما بعد:
فإن الدنيا لم تخلق للبقاء ولم تكن دار إقامة، وإنما جعلت للتزود منها إلى الآخرة والتهيؤ للعرض على الله، وقد ءاذنت بالانصرام وولّت، وكان حقًا على كل عالم وطالب علم أن يشيع أشراطها وعلاماتها ويبثّ الأخبار الواردة فيها بين الناس مرة بعد أخرى، لعلّ العباد ينتهون عن الذنوب وتلين منهم القلوب ويفيقون من غفلتهم ويغتنمون المهلة التي أعطاهم الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا.
قال تعالى {ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]. وقال عز وجل {ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ} [القمر:1]. وقال سبحانه وتعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ} [الشورى:17-18]. {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد:18]. وفي آية أخرى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [الزخرف:66]. وقد جعل الله عز وجل للساعة علامات تدلّ على قربها وانتهاء هذه الحياة الدنيا، ولا أحد يعلم متى تقوم القيامة على التحديد إلا الله وحده لا شريك له جل جلاله وتعالى سلطانه، وهي من الغيب الذي استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدًا حتى الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قال تعالى {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]. كما قال عز وجل {يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187]. وقال تعالى {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام:59].
وقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم (مفاتيح الغيب خمس) ثم قرأ الآية {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]. فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم جميع الغيب قال الله {قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:188].
قال العلماء رحمهم الله: والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها تنبيه الناس من رقدتهم وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم وانقطعوا عن الدنيا واستعدوا للساعة الموعود بها، والله أعلم، وتلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا وانقضائها. ولكن الله جل ثناؤه أخبر رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بعلامات تدل على قرب وقوعها، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بهذه العلامات وذكّرهم بالقيامة وقربها.
ولقد ءامن الصحابة رضي الله عنهم وصدّقوا بكل ما أخبرهم عنه عليه الصلاة والسلام إيمانًا منهم وتصديقًا بالغيب. ونحن اليوم نرى صدق ما أخبر به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عيانًا بيانًا أمام أعيننا يحدث ذلك تصديقًا لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل عنه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ} [النجم:3-4]. ولم تتحرك وتخشع منا القلوب، ولم تذرف منا الأعين وتدمع، ولم ننته عن الغيّ واقتراف الآثام، فنشكو حالنا إلى الله تعالى وإنا لله وإنا إليه راجعون وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ونعيش مع أحاديث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم نوردها كما هي مع توضيح بعض المفردات والألفاظ أو ما نحتاج إلى بيان حسب الطاقة والإمكان وتوفيق الله عز وجل. وعلينا أن نعلم ابتداءً أن علامات الساعة تنقسم إلى قسمين: علامات صغرى وعلامات كبرى، فأما الصغرى فهي التي منها ما حصل وانقضى ومنها ما نعيشها الآن وكانت فيمن قبلنا وستكون إلى قرب القيامة حيث تكون العلامات الكبرى التي منها: الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك من العلامات العظام التي تؤذن بانقضاء الدنيا.
فمن العلامات الصغرى زوال جبال عن مراسيها وكثرة الزلازل وكثرة الأمراض التي ما كان يعرفها الناس سابقا وكثرة الدجالين وخطباء السوء وادعاء أناس النبوة وتغير أحوال الهواء في الصيف يصير كأنه في الشتاء وفي الشتاء يصير كأنه في الصيف وكذلك قلة العلم وكثرة الجهل بعلم الدين وكثرة القتل والظلم وتقارب الزمان وتقارب الأسواق وتداعي الأمم على أمة محمد كتداعيهم على قصعة الطعام يحيطون بهم من كل صوب. وهذا كله حصل.