صلاة العيدين الفطر والأضحى
والعيد مشتق من العود لتكرره كل عام وقيل لعود السرور بعوده.وجمعه أعياد. والأصل في صلاته قبل الإجماع مع الأخبار الآتية قوله تعالى {فصل لربك وانحر} أراد به صلاة الأضحى والذبح. وأول عيد صلاه صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ولم يتركها فهي سنة لقوله صلى الله عليه وسلم للسائل عن الصلاة "خمس صلوات كتبهن الله تعالى على عباده". قال له هل علي غيرها قال "لا إلا أن تطوع".
فهي سنة مؤكدة لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها ، وقيل فرض كفاية نظرا إلى أنها من شعائر الإسلام ولأنها يتوالى فيها التكبير فأشبهت صلاة الجنازة. وأجمع المسلمون على أنها ليست فرض عين. وتشرع جماعة لفعله صلى الله عليه وسلم وهي أفضل في حق غير الحاج بمنى من تركها بالإجماع أما هو فلا يسن له صلاتها جماعة وتسن له منفردا. و تشرع أيضا للمنفرد والعبد والمرأة والمسافر والخنثى والصغير، فلا تتوقف على شروط الجمعة من اعتبار الجماعة والعدد وغيرهما. ويسن الاجتماع لها في موضع واحد ويكره تعدده بلا حاجة وللإمام المنع منه. ووقتها ما بين طلوع الشمس وزوالها يوم العيد لأن مبنى الصلوات التي تشرع فيها الجماعة على عدم الاشتراك في الأوقات فمتى خرج وقت صلاة دخل وقت صلاة أخرى.
وهذه الصلاة منسوبة إلى اليوم واليوم يدخل بطلوع الفجر وهذا اليوم ليس فيه وقت خال عن صلاة تشرع لها الجماعة. وأما كون آخر وقتها الزوال فمتفق عليه لأنه يدخل به وقت صلاة أخرى، وسيأتي أنهم لو شهدوا يوم الثلاثين بعد الزوال وعدلوا بعد المغرب أنها تصلى من الغد أداء. ويسن تأخيرها لترتفع الشمس كرمح أي كقدره للاتباع وللخروج من الخلاف، وإن للشافعية وجها اختاره السبكي وغيره أنه إنما يدخل وقتها بالارتفاع ففعلها قبل الارتفاع مكروه كراهة تنزيه لذلك لا أنه من أوقات الكراهة المنهي عنه لقول الرافعي في باب الاستسقاء ومعلوم أن أوقات الكراهة غير داخلة في وقت صلاة العيد.
وهي ركعتان بالإجماع وللأدلة الآتية وحكمها في الأركان والشرائط والسنن كسائر الصلوات. يحرم بهما بنية صلاة عيد الفطر أو الأضحى كما في أصل الروضة. وهذا أقلها وأكملها أن يأتي بعد تكبيرة الإحرام بدعاء الافتتاح كسائر الصلوات ثم سبع تكبيرات لما رواه الترمذي وحسنه أنه صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الثانية خمسا قبل القراءة. وتكبيرة الإحرام ليست من السبعة.
ويقف ندبا بين كل ثنتين منهما كآية معتدلة لا طويلة ولا قصيرة، ويهلل أي يقول لا إله إلا الله ، ويكبر أي يقول الله أكبر، ويمجد أي يعظم الله روى ذلك البيهقي عن ابن مسعود قولا وفعلا. ويحسن في ذلك كما ذكره الجمهور أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لأنه لائق بالحال وهي الباقيات الصالحات في قول ابن عباس وجماعة ولو زاد على ذلك جاز كما في البويطي. قال ابن الصباغ ولو قال ما اعتاده الناس وهو الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا، لكان حسنا.
ولا يأتي به بعد التكبيرة السابعة ولا بعد الخامسة ولا قبل الأولى من السبع جزما ولا قبل الأولى من الخمس. ثم بعد التكبيرة الأخيرة، يتعوذ ،لأنه لاستفتاح القراءة ، ويقرأ الفاتحة كغيرها من الصلوات وسيأتي ما يقرأ بعدها. ويكبر في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمسا بالصفة السابقة قبل التعوذ والقراءة، للخبر المتقدم ويجهر ويرفع يديه ندبا في الجميع أي السبع والخمس كغيرها من تكبيرات الصلاة. ويسن أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بين كل تكبيرتين كما في تكبيرة الإحرام. ولو شك في عدد التكبيرات أخذ بالأقل كما في عدد الركعات ولو كبر ثمانيا وشك هل نوى الإحرام في واحدة منها استأنف الصلاة لأن الأصل عدم ذلك أو شك في أيها أحرم جعلها الأخيرة وأعادهن احتياطا.
ولو صلى خلف من يكبر ستا أو ثلاثا مثلا تابعه ولم يزد عليها ندبا فيهما سواء اعتقد إمامه ذلك أم لا لخبر: إنما جعل الإمام ليؤتم به، حتى لو ترك إمامه التكبيرات لم يأت بها كما صرح به الجيلي. ولسن أي التكبيرات المذكورات فرضا ولا بعضا بل من الهيئات كالتعوذ ودعاء الافتتاح فلا يسجد لتركهن عمدا ولا سهوا وإن كان الترك لكلهن أو بعضهن مكروها. ويكبر في قضاء صلاة العيد مطلقا لأنه من هيئاتها كما مر كما اقتضاه كلام المجموع خلافا لما نقله ابن الرفعة عن العجلي وتبعه ابن المقري. ولو نسيها فتذكرها قبل الركوع وشرع في القراءة ولو لم يتم الفاتحة فاتت ، في المذهب الجديد للإمام الشافعي ، أي لم يتداركها ، فلو عاد لم تبطل صلاته بخلاف ما لو تذكرها في الركوع أو بعده وعاد إلى القيام ليكبر فإن صلاته تبطل إن كان عالما متعمدا والجهل كالنسيان والعمد أولى.
ولو تركها وتعوذ ولم يقرأ كبر بخلاف ما لو تعوذ قبل الاستفتاح لا يأتي به كما مر لأنه بعد التعوذ لا يكون مفتتحا. وفي المذهب القديم يكبر ما لم يركع لبقاء محله وهو القيام وعلى هذا لو تذكره في أثناء الفاتحة قطعها وكبر ثم استأنف القراءة أو بعد فراغها كبر وندب إعادة الفاتحة ولو أدرك الإمام راكعا لم يكبر جزما. ويقرأ بعد الفاتحة جهرا في الركعة الأولى ق وفي الثانية اقتربت بكمالهما كما ثبت في صحيح مسلم وإن لم يرض المأمومون بالتطويل. ولو قرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية ، كانت سنة أيضا كما في الروضة لثبوته أيضا في صحيح مسلم.
قال الأذرعي لكن الذي نص عليه الشافعي والأصحاب الأول. ويسن بعدهما خطبتان للجماعة تأسيا به صلى الله عليه وسلم وبخلفائه الراشدين ولا فرق في الجماعة بين المسافرين وغيرهم. ويأتي بهما وإن خرج الوقت فلو اقتصر على خطبة فقط لم يكف ولو قدم الخطبة على الصلاة لم يعتد بها على الصواب في الروضة. وأركانهما وسننهما كهي في الجمعة أي كأركانهما وسننهما، وفي المجموع والروضة أن الشروط كالقيام فيهما والستر والطهارة لا تعتبر فيهما وهو المعتمد لكن يعتبر في أداء السنة الإسماع والسماع وكون الخطبة عربية ويسن الجلوس قبلهما للاستراحة قال الخوارزمي قدر الأذان. وعلى عدم اعتبار الشروط يستحب أن يأتي بها. ويعلمهم ندبا في كل عيد أحكامه ففي عيد الفطر يعلمهم أحكام الفطرة بكسر الفاء كما في المجموع وبضمها كما قاله ابن الصلاح كابن أبي الدم وهي من اصطلاح الفقهاء اسم لما يخرج مولدة لا عربية ولا معربة وكأنها من الفطرة أي الخلقة.
وفي عيد الأضحى يعلمهم أحكام الأضحية للإتباع في بعضها في خبر الصحيحين ولأن ذلك لائق بالحال. ويفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات ولاء إفرادا والخطبة الثانية بسبع ولاء إفرادا تشبيها للخطبتين بصلاة العيد فإن الركعة الأولى تشتمل على تسع تكبيرات فإن فيها سبع تكبيرات وتكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع والركعة الثانية على سبع تكبيرات فإن فيها خمس تكبيرات وتكبيرة القيام وتكبيرة الركوع والولاء سنة في التكبيرات وكذا الإفراد. فلو تخلل ذكر بين كل تكبيرتين أو قرن بين كل تكبيرتين جاز. والتكبيرات المذكورة مقدمة للخطبة لا منها.
فرع: قال أئمة الشافعية: الخطب المشروعة عشر: خطبة الجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء وأربع في الحج وكلها بعد الصلاة إلا خطبتي الجمعة وعرفة فقبلها وكل منها ثنتان إلا الثلاثة الباقية في الحج ففرادى. ويندب الغسل لعيد فطر أو أضحى قياسا على الجمعة. ولا فرق بين من يحضر الصلاة وبين غيره لأنه يوم زينة فسن الغسل له بخلاف غسل الجمعة. ويدخل وقته بنصف الليل وإن كان المستحب فعله بعد الفجر. وقيل يجوز في جميع الليل. وفي قول يدخل وقته بالفجر كالجمعة. وفرق الأول بتأخير الصلاة هناك وتقديمها هنا. ويندب الطيب أي التطيب الذكر بأحسن ما يجد عنده من الطيب. ويندب التزين بأحسن ثيابه وبإزالة الظفر والريح الكريهة كالجمعة لكن الجمعة السنة فيها لبس البياض. ولا فرق في ذلك بين الخارج للصلاة وغيره كما مر في الغسل، نعم مريد الأضحية لا يزيل شعره ولا ظفره حتى يضحي. وفعلها أي صلاة العيد بالمسجد عند اتساعه كالمسجد الحرام أفضل لشرف المسجد على غيره. وقيل فعلها بالصحراء أفضل لأنها أرفق بالراكب وغيره إلا لعذر كمطر ونحوه فالمسجد أفضل. ومحل الخلاف غير المسجد الحرام أما هو فهو أفضل قطعا اقتداء بالصحابة فمن بعدهم والمعنى فيه فضيلة البقعة ومشاهدة الكعبة. قال الرافعي وألحق الصيدلاني بالمسجد الحرام بيت المقدس قال الأذرعي وهو الصواب للفضل والسعة المفرطة ا.هـ وهذا هو الظاهر وإن مال في المجموع إلى خلافه. وألحق ابن الأستاذ مسجد المدينة بمسجد مكة وهو الظاهر أيضا لأنه اتسع الآن ومن لم يلحقه به فذاك قبل إتساعه.
ويستخلف الإمام ندبا إذا خرج إلى الصحراء من يصلي في المسجد بالضعفة كالشيوخ والمرضى ومن معهم من الأقوياء ويخطب لهم، لأن عليا رضي الله تعالى عنه استخلف أبا مسعود الأنصاري في ذلك رواه الشافعي بإسناد صحيح. ويذهب ندبا مصلي العيد لصلاتها إماما كان أو غيره في طريق ويرجع منها في طريق أخرى للاتباع رواه البخاري. ويخص الذهاب بأطولهما وذكر في حكمه ذلك وجوه أوجهها أنه كان يذهب في أطولهما تكثيرا للأجر ويرجع في أقصرهما وقيل يخالف بينهما لتشهد له الطريقان وقيل ليتبرك به أهلهما وقيل ليستفتى فيهما وقيل ليتصدق على فقرائهما وقيل غير ذلك. ويسن ذلك في سائر العبادات كالحج وعيادة المريض كما ذكر النووي في رياضه. ويبكر الناس للحضور للعيد ندبا بعد صلاتهم الصبح كما نص عليه الشافعي والأصحاب ليحصل لهم القرب من الإمام وفضيلة انتظار الصلاة.
قال ابن شهبة هذا إن خرجوا إلى الصحراء فإن صلوا في المسجد مكثوا فيه إذا صلوا الفجر فيما يظهر. ويحضر الإمام متأخرا عنهم وقت صلاته للاتباع رواه الشيخان ولأن انتظارهم إياه أليق.
ويعجل الحضور في الأضحى بحيث يصليها في أول الوقت الفاضل ويؤخره في عيد الفطر قليلا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك عمرو بن حزم رواه البيهقي وليتسع الوقت قبل صلاة الفطر لتفريق الفطرة وبعد صلاة الأضحى للتضحية.
قال الرافعي في الشرح : ويأكل في عيد الفطر قبل الصلاة ، والأفضل كون المأكول تمرا وترا فإن لم يأكل ما ذكر في بيته ففي الطريق أو المصلى إن تيسر. ويمسك عن الأكل في عيد الأضحى حتى يصلي للاتباع وليتميز عيد الفطر عما قبله الذي كان الأكل فيه حراما ، بخلافه قبل صلاة عيد الأضحى، والشرب كالأكل، ويكره له ترك ذلك كما نقله في المجموع عن نص الأم. ويذهب للعيد ماشيا كالجمعة بسكينة لما مر فيها ولا بأس بركوب العاجز للعذر والراجع منها ولو قادرا ما لم يتأذ به أحد لانقضاء العبادة فهو مخير بين المشي والركوب.
ولا يكره النفل قبلها بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام والله أعلم لانتفاء الأسباب المقتضية للكراهة فخرج بقبلها بعدها.وفيه تفصيل فإن كان يسمع الخطبة كره له كما مر وإلا فلا ويبعد ارتفاع الشمس قبله فإنه وقت كراهة وقد تقدم حكمه في بابه، وبغير الإمام فيكره له النفل قبلها وبعدها، لاشتغاله بغير الأهم ولمخالفته فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ويسن إحياء ليلتي العيد بالعبادة من صلاة وغيرها من العبادات لخبر من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب رواه الدارقطني موقوفا قال في المجموع وأسانيده ضعيفة ومع ذلك استحبوا الإحياء لأن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. قيل والمراد بموت القلوب شغفها بحب الدنيا وقيل غير ذلك.
وقال في مغني المحتاج : ويحصل الإحياء بمعظم الليل كالمبيت بمنى وقيل بساعة منه وعن ابن عباس رضي الله عنهما بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة. والدعاء فيهما وفي ليلة الجمعة وليلتي أول رجب ونصف شعبان مستجاب فيستحب كما صرح به في أصل الروضة.