الآية: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون
قال الله تعالى {ونحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِنكُم ولكِنْ لا تُبصِرُون}، مَعنَاه الشّخصُ الذي يكونُ في حَالةِ الموتِ لمّا تَصِلُ الرُّوحُ إلى الحُلقُوم الله تعالى أَقربُ إلى هذا العَبدِ منَ الناس الذينَ حَولَهُ، ليسَ قُربًا حِسِّيًّا إنما قُربٌ مَعنَوِيٌّ، قُربٌ بمعنى العِلم والإحاطَةِ، هَذا قُربُ اللهِ مِن هذا الشّخصِ المحتَضَر الذي وصَلَت رُوحُه إلى حُلقُومِه، معناه أنا أعلَمُ به، بكُلّ أحوالِه أنا أعلَمُ به، يومَ القيامة يَنـزِلُ مَلائكةٌ كَثِيرُونَ على خِلافِ العَادةِ، في الدنيا يَنـزلُ كَثير، لكُلّ إنسانٍ ملائكةٌ يَنـزلونَ العَصر فيَبقَونَ معَ الإنسانِ إلى الفَجر، إلى صلاةِ الصُّبح، ثم الآخَرونَ يَنزلون عندَ صلاةِ الصّبحِ فيَبقَونَ معَ الإنسانِ إلى العَصر،ويوجَدُ غَيرُ هؤلاءِ يَدُورُونَ في الأرضِ يتَتبّعُونَ مجَالسَ الذّكرِ، هؤلاء غيرُ الذينَ يَعمَلُونَ بالنّبات، أما يومَ القيامة فينزلونَ عَددٌ كثيرٌ أضعافَ أضعَافِ ما كانوا ينزلونَ في الدنيا، يُحيطُونَ بالإنسِ والجنّ بِسَبعِ صُفوف، لا أحدَ يَستَطيع أن يختَرِقَ هَذهِ الصّفُوفَ إلا بسُلطان أي إلا بإذنٍ منَ الله، عن هذا جاءت الآيةُ {وجاء ربُّك والمَلَكُ صفًّا صَفّا} بعدَ أن ذُكرت ءايةٌ فيها أن الأرضَ تُدكُّ دكّا {كلا إذا دُكّت الأرضُ دَكّا دَكّا} جاءت هذه الآيةُ {وجاء ربُّك} معناه جاءت قُدرتُه أي أمور عظِيمَةٌ تدُلُّ على قُدرَةِ اللهِ العظِيمَة.
القرءانُ فِتنةٌ على مَن فَسّرَهُ علَى غَيرِ وجْههِ، ورَحمةٌ وسَعادةٌ على مَن فسَّره على وجْهِه،أهلُ السُّنّةِ فسَّروهُ على وجْههِ فسَعِدوا بالقرءان. الإنسانُ يَعلَمُ مِن نَفسِه القَليلَ مما وضَعَهُ اللهُ فيهِ، أمّا اللهُ يَعلَمُ كلَّ مَا في الإنسان. الملائكةُ الذينَ يعمَلُونَ بالنّباتِ أكثَرُ عَددًا منَ الذينَ يَكُونونَ معَ النّاسِ،هؤلاء لهم وظِيفةٌ بالنّباتِ الذي تُنبِتُه الأرضُ . مِن جُملة ما يحدُثُ يومَ القِيامةِ مِنَ الأمور العظِيمةِ أنّ الملائكةَ يجُرّونَ قِطعةً مِن جهَنّم بسَبعِينَ ألفَ سِلسلةٍ إلى حيثُ يَراها الناسُ،هذا شَىءٌ مِن أَهوالِ يَومِ القِيامة،ثم هناكَ الأرضُ التي كانَ الإنسانُ يَعمَلُ علَيها الحسنات والمعَاصِي،كلُّ قِطعةٍ اللهُ تَعالى يَأتي بها فتَشهَد، فتَنطِقُ، فلانٌ عمِلَ عَليَّ كذا وكذا منَ حسَناتٍ ومِن معَاصِي، قِطعةٌ منَ الأرض التي كانَ يَعِيشُ عليها في الدُّنيا تَشهَدُ علَيهِ، أمّا المعاصِي التي تابَ مِنها لا تَشهَدُ علَيهِ بها،هذِه مِن جملَةِ الأمُورِ العظِيمَةِ، وهَذا يكونُ بعدَما اندَكّتِ الأرضُ ولم يَبقَ علَيها وادٍ ولا جَبل، الأرضُ الجديدةُ تصِيرُ كالفِضّة البيضاءَ،الناسُ يُعادُونَ إليها، بعدَ ذلكَ يؤتى بقِطعةٍ منَ الأرضِ التي بُدّلت فتَشهد بما فعَله هذا الإنسانُ مِن خَيرٍ أو شَرّ،بالنّسبة لهذا وبالنّسبة لهذا،هذِه مِن ءاياتِ قُدرةِ الله {وجَاء ربّك} معناه هَذا. معناهُ الله يُظهِرُ ذلكَ اليوم أُمُورًا عِظامًا تَبهَرُ العُقول.
لو كانتِ الدّنيا دارَ جزَاء ما جَاعَ نَبي ولا وليّ ولا عطِشَ ولا مَرِضَ ولا أُصِيبَ بشَىءٍ منَ الأذَى،لكنْ كثِيرٌ منَ الأنبياءِ قُتِلُوا وهُم كُرمَاءُ على خَالقِهم. العَاقِلُ مَن عمِلَ لما بعدَ الموت ولم يَغترَّ بالدُّنيا.