الآية: ويوم نبعث في كل أمة شهيدا
يقولُ الله تبارَك وتعالى ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89} إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {90}﴾ سورة النحل.
إنَّ الله يُخبِرُنا بأنهُ يبعثُ على كلِّ أُمَّةٍ ﴿شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ يعنِي نَبِيَّهَم لأنه كانَ يبعَثُ أنبياءَ الأمَمِ فيهِم منهُم ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾ يا محمّد ﴿شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء﴾ على أُمَّتِك ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا﴾ أي بيانـًا بليغًا ﴿لّكُلِّ شَىْءٍ﴾ أي مِنْ أمورِ الدّين أما في الأحكامِ المنصوصَةِ فظاهر، وكذا فيما ثبَتَ في السنَّةِ والإجماع أو بقولِ الصَّحابَةِ أو بالقياس لأنَّ مَرجِعَ الكلِّ إلى الكِتاب حيثُ أمرَنا فيهِ باتّباعِ رسولِهِ عليهِ السَّلام وطاعَتِهِ بقولِهِ ﴿ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ {54}﴾ سورة النور وحثَّنا على الإجماعِ فيهِ بقولِهِ ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ {115}﴾ سورة النساء، وقد رَضِيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِهِ باتّباعِ أصحابِهِ وقد اجتَهدوا وقاسوا ووطّؤوا طُرَقَ الاجتِهادِ والقِياس مع أنه أمرَنا به بقولِهِ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ {2}﴾ سورة الحشر فكانت السنَّةُ والإجماع وقولُ الصَّحابِيّ والقِياس مُستَنِدَةً إلى تِبيانِ الكتابِ فتبيَّنَ أنه كانَ تِبيَانـًا لكلِّ شىء ﴿ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ أي وَدِلالَةً إلى الحقّ ورَحمَةً لهم وبِشَارَةً لهم بالجنَّة. ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ أي بالتسوِيةِ في الحقوقِ فيما بينكم وتركِ الظُّلمِ وإيصالِ كلِّ ذي حقّ إلى حقّهِ، ﴿وَالإِحْسَانِ﴾ أي إلى مَنْ أساءَ إليكم، ﴿وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾ أي وإعطاءِ ذي القَرابَةِ وهو صِلَةُ الرَّحِم، ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء﴾ أي عنِ الذُّنوبِ المُفرِطَةِ في القُبحِ ﴿وَالْمُنكَرِ﴾ أي ما تُنكِرُهُ العقول ﴿وَالْبَغْيِ﴾ أي طَلَبِ التَّطاوُلِ بالظُّلمِ والكِبْر، ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي تتَّعِظونَ بِمواعِظِ الله، وهذهِ الآيةُ سَبَبُ إسلامِ عثمانَ بنِ مَظعون فإنه قال (ما كنتُ أسلمتُ إلا حياءً منه عليه السّلام لكثرَةِ ما كانَ يَعرِضُ عليَّ الإسلام ولَم يستقرَّ الإيمانُ في قلبي حتى نزلَت هذهِ الآية وأنا عندَهُ فاستقرَّ الإيمانُ في قلبي، فقرأتها على الوليدِ بنِ المغيرَة فقال: والله إنَّ له لَحلاوَة وإن عليهِ لطلاوَة وإنَّ أعلاهُ لَمُثمر وإنَّ أسفَلَهُ لَمُغدِق وما هو بقولِ البشَر)، أرادَ بقولِهِ (وإنَّ أسفلُهُ لَمُغدِق) أنه كثيرُ المعاني فيهِ ما يحتاجُ الناسُ لأمرِ دينِهِم ودُنياهُم، وقال أبو جهل (إنَّ إلـٰهَهُ ليأمرُ بِمكارِمِ الأخلاق)، وهي أجمَعُ ءايةٍ في القرءانِ للخيرِ والشرّ، ولِهذا يقرؤها كلُّ خطيبٍ على المِنبر في ءاخرِ كلِّ خُطبَة لِتكونَ عِظَةً جامِعَةً لكلِّ مأمورٍ ومَنهِيّ.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وأصلح ذات بيننا وألف بينَ قلوبِنا واجعلنا هُداةً مهديين غير ضالّين ولا مُضِلّين واستر عوراتِنا يا أرحم الراحمين