www.sunnaonline.org

المعراج

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ. وأشهد أن لا إله إلا الله ربّ الكائنات المنزّه عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الستّ كسائر المبتدعات، وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه.

الصّلاة والسّلام عليك سيّدي يا محمّد يا خير الكائنات
الصّلاة والسّلام عليك سيّدي يا محمّد يا مؤيّدًا بالمعجزات
الصّلاة والسّلام عليك سيدي يا محمد يا رسول الله
يا من انشقّ لك القمر وانقاد لك الشجّر وسلّم عليك الحجر
يا محمّد يا قرّة عيني وحبّ قلبي وروحي وفؤادي يا محمّد
بَلَغَ العُلا بِكَمالِه
كَشَفَ الدُجى بجمالِهِ
حَسُنَتْ جميعُ خِصالِهِ
صلّوا عليه وءالِهِ

أحبّك يا رسول الله، أدركني يا رسول الله، اللهمّ عطّف قلبه علينا وداوِنا بنظرة منه يا أرحم الراحمين يا الله.

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير الفعّال لِما يريد القائل في محكم كتابه {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}. فالعالم مخلوق لله، العالم العلويّ، السموات السبع، والجنة، والعرش هذا يُقال له العالم العلوي هو مخلوق لله، والعالم السفليّ مخلوق لله، الأراضون السبع وجهنم والفرش هذا يقال له العالم السفليّ هو مخلوق لله، فربّنا تبارك وتعالى هو مالك الملك يفعل ما يريد لا يعجزه شىء ولا يحتاج إلى شىء وليس كمثله شىء وهو السميع البصير. فليس بعزيز على الله ربّ العالمين أن يؤيّد حبيبه محمّدًا، أن يكرم حبيبه محمّدًا، أن يخصّ حبيبه محمّدًا بمعجزة الإسراء والمعراج. فكان إسراؤه صلّى الله عليه وسلّم من مكّة المكرّمة للأقصى الشريف، ومعراجه إلى السموات العلا.

فما معنى المعراج؟

المعراج إخوة الإيمان مرقاة شبه السلّم، فعرج بها النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى السماء، وهذه المرقاة درجة منها من فضّة والأخرى من ذهب، ثم استفتح جبريل باب السماء فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بُعث إليه؟ أي طلب للعروج؟ فليس سؤال الملك عن سيّدنا محمّد بقوله: وقد بعث إليه، لأنه لم يكن علم ببعثته بل كان أمر مَبْعَثِهِ قد اشتهر في الملأ الأعلى.

فرأى صلوات ربِّي وسلامه عليه في السماء الأولى ءادم أبا البشر الذي كان جميل الخلقة، لم يكن قردًا ولا يشبه القرود.

وفي الثانية رأى عيسى ويحيى.

وفي الثالثة رأى يوسف، قال عليه الصلاة والسلام في وصفه يوسف: "قد أعطي شطر الحسن" يعني نصف الجمال الذي وزّع بين البشر.

وفي الرابعة رأى إدريس.

وفي الخامسة رأى هارون.

وفي السادسة رأى موسى.

وفي السابعة رأى إبراهيم وكان يشبه سيّدنا محمّدًا من حيث الخلقة.

ثم رأى سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة وبها من الحسن ما لا يستطيع أحد من خلق الله أن يصفه من حسن هذه الشجرة، وجدَها يغْشاها فراش من ذهب، أوراقها كآذان الفِيلة وثمارها كالقلال، أصلها في السماء السادسة وتمتدّ إلى السماء السابعة وإلى ما فوق ذلك.

أما رؤية النبيّ لربه ليلة المعراج، فقد روى الطبراني في المعجم الأوسط بإسناد قويّ كما قال الحافظ ابن حجر عن ابن عباس رضي الله عنهما [رأى محمّد ربّه مرتين]. والمراد أنه رءاه بقلبه. أما قول الغزالي في إحياء علوم الدين [الصّحيح أنّ النبي لم يَرَ ربّه ليلة المعراج] أنه لم يرَه بعينه إذ لم يثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال رأيته بعيني، ولا أن أحدًا من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم قال: رءاه بعيني رأسه. فالله تعالى أزَال عن قلب حبيبه ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم الحجَاب فرأى الله تعالى بقلبه أي جعل الله له قوّة الرؤيا والنظر بقلبه فرأى الرسول ربّه بقلبه ولم يره بعينه، لأنّ الله لا يُرى في الدنيا بالعين، ولو كان يراه أحد بالعين لكان رءاه سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام [إنّكم لن ترَوْا ربكم حتى تموتوا]. كما يُفهم ذلك أيضًا من قوله تعالى لسيّدنا موسى {لَنْ تَرَانِي}.

ورأى صلّى الله عليه وسلّم العرش وهو أعظم المخلوقات حجمًا لا أحد يعلم مساحة العرش إلا الله، وحول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [ما السموات السبع في جنب الكرسيِّ إلا كحلقةٍ في أرض فلاة وفضلُ العرش على الكرسيِّ كفضلِ الفلاة على الحلْقة]. وقال مصباح التوحيد سيّدنا عليّ رضي الله عنه [إنّ الله خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتّخذه مكانًا لذاته].

فيكفُر من يعتقد أنّ الله تعالى جالس على العرش لأنه عزّ وجلّ ليس كمثله شىء، ولأنه سبحانه وتعالى موجود بلا مكان ومنزّه عن الجلوس. فاحذر أخي المسلم من بعض الكتب التي حشيت تحريفًا وتخريفًا وافتروا فيها على دين الله وشبّهوا الله تعالى بخلقه، واعلم أنّ عِلْمَ الدين يؤخذ بالتلقي من العلماء أو مِمّن سمع من العلماء وليس بالمطالعة بالكتب من غير تلقٍّ لأنه يخشى من الفهم الغلط، فكيف بالكتب التي وضع فيها التحريف؟

فنسأل الله تعالى أن يعيد علينا هذه الذكرى العظيمة الطيبة العطرة ونحن ثابتون على عقيدة التنزيه وقد تحرّر الأقصى وكل شبر عربي محتل.
هذا وأستغفر الله لي ولكم


الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ. وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ ولا مكانَ لهُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُهُ، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله، أما بعد عباد الله:

فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير، واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ، يقول الله تعالى في محكم التنزيل {إِنَّ اللهَ وَملائكتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.

اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نسألك باسمك العظيم الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وبأسمائك الحسنى، وبحرمة القرءان العظيم، وبالأنبياء والمرسلين، نسألك بحبك لنبيك محمد أن تغفر لنا ذنوبنا يا ربنا. اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا دينا إلا قضيته ولا كربا إلا فرّجته ولا حَاجة لنا في هذه الدّنيا أنتَ راضٍ عنها إلا قضيتها لنا يا ربّ العالمين.

ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف. عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغيِ يعظكُم لعلّكم تذكرون، وأقم الصّلاة.


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : منـاسبات إسـلامية
الزيارات : 5117
التاريخ : 24/6/2011