SunnaOnline | سنة اون لاين إسلاميات ســـــير وتــــــراجم العارف بالله داود الطائي
العارف بالله داود الطائي
هو من أكابر القوم الأعيان وأشياخ الطريق أهل العرفان، مولانا الكبير، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العارف الشهير، خليفة الحسن البصري الإمام أبو سليمان داود بن نصير الطَّائِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ رضي الله عنه.
مولده وُلِدَ بَعْدَ المائَةِ بِسَنَوَاتٍ.
رواياته رَوَى عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الفقْهِ وَالرَّأْيِ، بَرَعَ فِي العِلْمِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَلَزِمَ الصَّمْتَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: رَأَيتُ دَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَفصَحِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِم بِالعَرَبِيَّةِ، يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيْلَةً سَوْدَاءَ.
كان داود ممن شغل نفسه بالعلم ودرس الفقه وغيرَه من العلوم ثم اختار بعد ذلك العُزلة، وءاثر الانفراد والخلوة، ولزم العبادة، واجتهد فيها إلى ءاخر عمره. قال أبو سليمان الداراني: ورث داود الطائي من أمه دارًا فكان ينتقل في بيوت الدار كلما تخرّب بيت من الدار انتقل منه إلى ءاخر ولم يعمره، حتى أتى على عامة بيوت الدار. قال: وورث من أبيه دنانير فكان يتقوت بها حتى كُفّن بآخرها.
وَعَنْ حَفْصٍ الجُعْفِيِّ، قَالَ: وَرِثَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ مِنْ أُمِّهِ أَرْبَعَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَكَثَ يَتَقَوَّتُ بِهَا ثَلاَثِيْنَ عَاماً، فَلَمَّا نَفِدَتْ، جَعَلَ يَنْقُضُ سُقُوفَ الدُّوَيْرَةِ، فَيَبِيْعُهَا.
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: عَاشَ دَاوُدُ عِشْرِيْنَ سَنَةً بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَعِيْدٍ، قَالَتْ: كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ جِدَارٌ قَصِيْرٌ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ حَنِيْنَه عَامَّةَ اللَّيْلِ، لاَ يَهْدَأُ، وَرُبَّمَا تَرَنَّمَ فِي السَّحَرِ بِالقُرْآنِ، فَأَرَى أَنَّ جَمِيْعَ النَّعِيْمِ قَدْ جُمِعَ فِي تَرَنُّمِهِ، وَكَانَ لاَ يُسرجُ عَلَيْهِ.
زهده وورعه
قال عبدالله بن صالح بن مسلم العجلي: دخلت على داود الطائي في مرضه الذي مات فيه وليس في بيته إلا دن مقير يكون فيه خبز يابس ومطهرة ولبنة كبيرة على التراب يجعلها وسادة وهي مخدته. وقد ورد في حلية الأولياء أن محمد بن بشر قال: دخلت على داود الطائي المسجد فصليت معه المغرب، ثم أخذ بيدي فدخلت معه البيت، فقام الى دن له كبير فأخذ رغيفًا منه يابسًا فغمسه في الماء ثم قال: ادن فكل، قلت بارك الله لك، فأفطر، فقلت: يا أبا سليمان لو أخذت شيئًا من ملح، قال: فسكت ساعة ثم قال: إن نفسي تنازعني ملحًا ولا ذاق داود ملحًا ما دام في الدنيا، قال: فما ذاقه حتى مات رحمه الله.
وقد ورد في صفة الصفوة عن حماد بن أبي حنيفة قال: قالت مولاة لداود الطائي: ياداود لو طبخت لك دسمًا قال: فافعلي فطبخت له شحمًا ثم جاءته به، فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم قال: اذهبي به إليهم، فقالت له: فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء، قال: إني إذا أكلته كان في الحش، وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخورًا.
حدث رجل من أهل داود الطائي قال: قلت له يومًا يا أبا سليمان قد عرفت الرحم التي بيننا فأوصني، قال: فدمعت عيناه ثم قال: يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، إني لأقول لك هذا وما أعلم أحدًا أشد تضييعًا مني لذلك. ثم قام وتركني.
صام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله وكان خرازًا وكان يحمل غداءه معه، ويتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون أنه صائم.
من أقواله
قال داود مرة: إن كنت لا أشرب إلا باردًا ولا ءاكل إلا طيبًا ولا ألبس إلا لينًا فما أبقيت لآخرتي؟!
قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي.
قَالَ: اتَّقِ الله، وَبِرَّ وَالِدَيكَ، وَيْحَكَ! صُمِ الدُّنْيَا، وَاجْعَلْ فِطْرَكَ المَوْتَ، وَاجْتَنِبِ النَّاسَ غَيْرَ تَارِكٍ لِجَمَاعَتِهِم.
وَعَنْهُ قَالَ: كَفَى بِاليَقِيْنِ زُهداً، وَكَفَى بِالعِلْمِ عِبَادَةً، وَكَفَى بِالعِبَادَةِ شُغُلاً.
وورد في صفة الصفوة عن داود الطائي قال: ما أخرج الله عبدا مِن ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه بلا مال، وأعزّه بلا عشيرة ، وآنسه بلا بَشَر.
وورد في حلية الاولياء أن داود الطائي خرج في جنازة بالكوفة قال فقعد داود ناحية وهي تدفن فجاء الناس فقعدوا قريبًا منه فقال: من خاف الوعيد قصر عليه البعيد ومن طال أمله ضعف عمله وكل ما هو آت قريب.
وفاته
مَنَاقِبُ دَاوُدَ كَثِيْرَةٌ، كَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جِنَازَتِه، حَتَّى قِيْلَ: بَاتَ النَّاسُ ثَلاَثَ لَيَالٍ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوْتَهُم شُهُوْدُهُ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.