ما معنى ما ورد عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس؟
روى البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَأَوْصَاهُمْ بِثَلاثٍ قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا].
وفي رواية [فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْءانُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاخْتِلاَفَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُومُوا].
اعلم أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معصوم من الكذب، ومن تغيير شىء من الأحكام الشَّرعيَّة في حال صحَّته، وحال مرضه، ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه، وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، وليس معصومًا من الأمراض، والأسقام العارضة للأجسام ونحوها، ممَّا لا نقص فيه لمنـزلته، ولا فساد لما تمهد من شريعته.
وكان النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- همَّ بالكتاب حين ظهر له أنَّه مصلحة، أو أُوحي إليه بذلك، ثمَّ ظهر أنَّ المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأوَّل. وأمَّا كلام عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فقد اتَّفق العلماء المتكلِّمون في شرح الحديث على أنَّه من دلائل فقه عمر وفضائله، ودقيق نظره، لأنَّه خشي أن يكتب -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أموراًً بما عجزوا عنها، واستحقُّوا العقوبة عليها، لأنَّها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب اللَّه، لقوله تعالى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىءٍ} [الأنعام: 38]. وقوله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فعلم أنَّ الله أكمل دينه، فأمن الضَّلال على الأمَّة، وأراد التَّرفيه على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان عمر أفقه من ابن عبَّاس، وموافقه.
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقيُّ في أواخر كتابه (دلائل النُّبوَّة) باب ما جاء في همه بأن يكتب لأصحابه كتابا حين اشتد به الوجع يوم الخميس ثم بدا له اعتمادا على ما وعده الله تعالى من حفظ دينه وإظهار أمره صلى الله عليه وسلم "إنَّما قصد عمر التَّخفيف على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين غلبه الوجع، ولو كان مراده -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم، ولا لغيره لقوله تعالى{بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه"، إلى أن قال "وفي ترك رسول الله الإنكار عليه فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه".اهـ. قال الخطَّابيُّ "ولا يجوز أن يُحمل قول عمر على أنَّه توهَّم الغلط على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو ظنَّ به غير ذلك ممَّا لا يليق به بحال".اهـ
ودل أمره صلى الله عليه وسلم لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف. وقال القاضي عياض [وقوله: أهجر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هكذا هو في (صحيح مسلم) وغيره: أهجر، على الاستفهام]. وهو: أصحُّ من رواية من روى هجر، ويهجر، لأنَّ هذا كلَّه لا يصحُّ منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنَّ معنى هجر: هذى، وإنَّما جاء هذا من قائله استفهاماً للإنكار على من قال: لا تكتبوا أي: لا تتركوا أمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه، لأنَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يهجر.
وقول عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: حسبنا كتاب اللَّه، ردٌّ على من نازعه، لا على أمر النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واللَّه أعلم. وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ] معناه: دعوني من النِّزاع واللَّغط الَّذي شرعتم فيه، فالَّذي أنا فيه من مراقبة اللَّه، والتَّأهُّب للقائه، والفكر في ذلك ونحوه، أفضل ممَّا أنتم فيه.