www.sunnaonline.org

حديث: أسلمت على ما أسلفت

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيّين والمرسلين وءال كلٍّ والصالحين وسلامُ الله عليهم أجمعين أما بعدُ

فقد جاء في الحديثِ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ قال له إنّي كنتُ أفعلُ كذا وكذا قبلَ أن أُسلِم فقال لهُ النّبيُ صلى الله عليه وسلم "أَسْلَمتَ على ما أَسْلَفْتَ" رواه مسلم. هذا الحديثُ مَعناهُ الأعمالُ التي كنتَ تَعمَلُها ولا تحتَاجُ إلى نِيّةٍ تُحسبُ لكَ معَ عمَلِكَ الذي تَعمَلُه بعدَ الإسلام، بعضُ الناسِ وهم كفّارٌ يُكرمُون الضّيفَ ويُغِيثُونَ الملهُوفينَ هؤلاء إن أسلَمُوا يُكتَبُ لهم حسنَاتهُم التي يَعمَلُونهَا بعدَ إسلامِهم وأعمالُ الخَير التي كانوا يَعمَلونهَا وهم على الكفر كالصّدقة وقِرى الضّيفِ وإغَاثةِ الملهُوفِ والإحسَانِ إلى الأرامِل، أما إن لم يُسلِم فمَهمَا كانَ يَرحَمُ المسَاكِين ويُغيثُ الملهُوفِينَ ويَعطِفُ على الأيتام فليسَ له شَىءٌ، الله لا يَقبَلُ منَ الكافرِ أيَّ حسنةٍ.

ولهذا الحديثِ تَفسِيرٌ ءاخرُ وهو أحسَنُ وهو أنكَ أسلَمتَ على ما أسلَفتَ أي أنكَ أنتَ منَ الأوّلِ كنتَ متعَوِّدًا أن تَقرِى الضّيفَ وتَقضِى حاجَاتِ المَلهُوف وتُغِيثُه وتَصِلُ الرّحِم، الآنَ أيضًا تَفعَلُ مِثلَ ذلكَ ويكونُ لكَ ثَواب، هذا التّفسيرُ أَحسَن. الذي يفعَلُ الخيرَ وهو كافرٌ لمّا يُسلِم يَزدادُ، هذا معناه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلامِ إِذَا فَقُهُوا" رواه أحمد في مسنده ومتفق عليه [البخاري ومسلم]. وقوله "فَقُهُوا" بضم القاف على المشهور وحكى كسرها، أي: صاروا فقهاء عالمين بالأحكام الشرعية الفقهية. 

الذينَ يكونونَ في حالِ الجاهِليةِ خيارَ الناسِ معَ كُفرِهم يرحمُون اليتيمَ ويَكسُونَ العَاري ويُطعِمونَ الجائعَ ويَقرُونَ الضّيفَ هؤلاء إذا أسلَمُوا يكونونَ خِيارَ النّاس، أي يزدَادُون بالعَملِ الصّالح.
رجلٌ كان يُقالُ له عبدُ الله بنُ جُدعان مِن عَشِيرةِ أبي بكرٍ الصّدّيقِ رضيَ الله عنه كان يَقرِي الضّيفَ ويُغيثُ الملهُوفينَ ويَصِلُ الرّحِم حتى إنهُ كانَ يَعمَلُ الطّعامَ ويَضعُه أمامَ بَيتِه على الشّارع حتى يأكلَ منه المسافرونَ مِن دونِ أن يَنـزِلوا، الرّاكبُ من دونِ أن يَنـزلَ يَأكلُ ويمضِي،جعَلَ الطّعامَ على جِفَانٍ عَالِيةٍ.  عائشةُ رضيَ الله عنها سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت:إن ابنَ عمّي (قالت ابنَ عمّي لأنّه مِن عشِيرتها) عبدَ الله بنَ جُدعان كان يَقرى الضّيف ويَصلُ الرّحِم ويفعلُ ويفعلُ فهل ينفَعُه ذلك، قال "لا، إنّه لم يقُل يومًا ربّ اغفرْ لي خَطِيئَتي يومَ الدّين" مَعناهُ ما كانَ يؤمِنُ بالآخِرة،كان يَعبُد الوثَن.عرَبُ الجَاهِليّةِ كانوا يقولونَ الإنسانُ مَتى ما ماتَ وصَارَ تُرابًا لا عَودَةَ لهُ، يُنكِرونَ البَعثَ. الرسولُ عليه الصلاة والسلام قال "إنّه لم يقُل يومًا ربِّ اغفِر لي خطِيئتي يومَ الدّين" معناهُ ما كانَ يؤمِنُ بالآخِرة.

هوَ هذا عبدُ بنُ جُدعان في أوّلِ أمرِه كانَ فاتِكًا شِرّيرًا، أبوه تَبرّأ منه، قالَ لهُ أمَام العشيرةِ أنتَ لستَ ابني، نَفاه فكَرِهَ الحياةَ، قال بعدَ أن تبرّأ مِني أبي وعرفَ قومُنا ذلكَ الحياةُ لاتَطِيبُ لي فذهَب إلى بعضِ جِبالِ مَكّة يَطلُب الموتَ لتَلسعَه حَيّةٌ مثَلا في بعضِ الجبالِ فيَموت، فوجَد شَقّا في جَبلٍ فدخَلَهُ على ظنّ أنّه قد تَلسَعُه حيّةٌ فيموتُ فوجَد ثُعبانًا كبيرًا ظنَّهُ ثُعبانًا حقيقِيا وهو في الحقيقةِ ليسَ كذلكَ هو صورةُ ثعبان كَبيرٍ كلُّه ذهبٌ وعينَاه جوهَرتان،ورأَى كَومَ ذهَبٍ وكَومَ فضّةٍ ورأى رِجالا طِوالا على سُررٍ وهم منَ العَرب القُدماء، فوجَد عند رؤوسهم لوحًا من فضّةٍ مكتُوبًا فيه تاريخُهم، ومِن جملَة ما فيه أبياتُ شِعر منها هذا البيتُ:

صَاحِ هَل رَيْتَ أو سمِعتَ بِرَاعٍ ردَّ في الضَّرعِ ما جَرى في الحِلابِ

هؤلاء كأنّهُم كانُوا هارِبينَ مِن مَلِكٍ قَصدَ بلادَهم وكانوا لا يستطِيعُونَ دَفعَه فأخذوا ما أخَذوا من المالِ والذّهَب ودخَلُوا هذا الشَّقّ ليَعيشُوا فيه إلى أنْ يموتُوا أو يأتيَ الفرَج، يُشبِهُونَ أهلَ الكَهفِ في بعضِ الصِّفاتِ، أجسَادُهم كانت مِن حيثُ الظّاهرِ كمَا هيَ لكن لو جَسّهَا شخصٌ لصَارت كالرَّماد، ويمكِن هُم دَهنُوا أجسادَهم بالحَنُوطِ قَبلَ أن يموتُوا، الحَنُوطُ شَىءٌ يُرَكَّبُ، أَمْلاحٌ، الحَنُوطُ نَوعانِ، نَوعٌ لتَطْيِيبِ الرّائحَةِ فقَط وهذَا يُسَنّ أن يُوضَع للمَيّتِ المسلم، لأنّ بعضَ المَوتَى تَكونُ فِيهِم رائِحَةٌ كريهَةٌ إمّا مِن جُرحٍ في جِسمه كالذي أصَابَتهُ الآكِلَة، لأنّ الآكِلةَ مَن أُصِيبَ بها تصِيرُ رائِحَتُه كَريهَةً أَهلُه لا يُطِيقُونَه، والنّوعُ الآخَرُ مِنَ الحَنُوطِ لدَفعِ سُرعَةِ بِلَى الجِسم.

الشَّقُ غارٌ صَغِيرٌ لا يُنتَبهُ إليهِ إلا بالتأمُّلِ، ولا يُقصَدُ لدُخولِه عَادةً،النّاسُ إن نَظرُوا إليهِ يقولونَ هذا مَأوى بعضِ الوحُوشِ والحيَّات.ثم هؤلاءِ الذينَ وُجِدوا في هذا الكهفِ يَحتَمِلُ أن يَكونُوا منَ المسلمِينَ، ومعنى كلامِهم الذي وُجدَ مكتُوبًا على اللّوحِ أنّنَا لا نَعُودُ إلى الحَالةِ التي كُنّا فيها كما أنّ الحلِيبَ لا يَعودُ إلى الضّرعِ بعدَما خَرجَ منه، أصابهمُ اليأسُ مِن شِدّة ما حَصلَ لهم منَ الاضطِراب. وقد قالَ أحَدُهم:

قَد يَجمَعُ المالَ غَيرُ ءاكِلِه ويَأكُلُ المالَ غَيرُ مَن جمَعهْ

هَذا يَنطَبِقُ علَيهِم. ثمّ إنّ عبدَ اللهِ بنَ جُدعان ذهَب إلى قومهِ وصارَ يُوزّعُ عَليهِم مِنَ الذّهَب فجَعلُوهُ سَيّدًا لهم، بعدَ هذَا صارَ يتَكرَّمُ على النّاسِ ويُعطِي أَقرباءَه،عمِلَ عَملا كثيرًا مِن عَملِ الخَيرِ والإحسانِ إلى الناسِ، لكن لا يَنفَعُه لأنّهُ فعَلهُ ليَمدَحَه الناسُ وهوَ لا يؤمنُ بالآخرةِ لذلكَ قالَ الرسولُ "لا يَنفَعُه". أمّا المؤمنُ فكُلُّ حَسنةٍ يَعمَلُها تكونُ مُوافقةً للشّرعِ مَع نِيّةِ التّقرّبِ إلى اللهِ أي ليسَ فيها رياءٌ ولا سُمعةٌ مَهما كانت صَغيرةً فهيَ عندَ الله كبيرةٌ، أمّا مَن لا يُنـزّهُ الله عن مُشابهَةِ خَلقِه فلا يَنفَعُه شَىءٌ مِن أعمَالهِ في الآخرةِ.


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : القـــرءان والحــديـث
الزيارات : 4973
التاريخ : 28/4/2011