ماذا نقول لمن يحرم نسيان حرف من القرءان ؟
اعلم رحمكَ اللهُ أنّ الله لم يجعَل في الدّينِ مِن حَرج، قال الله تعالى {ومَا جَعلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِنْ حَرَج}، وإنّ مما يجبُ التّحذيرُ مِنهُ قَولُ بَعضِهم إنّ نِسيانَ القُرءانِ حتى لو نَسِيَ الشّخصُ حَرفًا واحدًا مِنه بَعدَ أن حَفِظَهُ يَكونُ عَاصِيًا بنِسيَانِه ذَلك، وهَذا يُؤدّي ببَعضِ النّاسِ إلى الخَوفِ مِنْ حِفظِ القُرءانِ لأنّ أكثَرَ النّاسِ يَنسَونَ. والحديثُ الذي يعتَمِدُونَ علَيهِ في ذلكَ غَيرُ صَحيحٍ وهوَ ما رَواه أبو داودَ: عُرِضَت عَليَّ أُجُورُ أُمّتي حتى القَذَاةُ يُخرِجُهَا الرّجُلُ مِنَ المسجِد،وعُرِضَت علَيّ ذنُوبُ أُمّتي فلَم أَر ذَنبًا أَعظَمَ مِنْ سُورةٍ مِنَ القُرءانِ أو ءايَةٍ أُوتِيَها رَجُلٌ ثم نَسِيَها.
ومِنَ الدّليلِ على عدَمِ صِحّتِه أنّه يَلزَمُ الحرَجُ على مُقتَضَاهُ، فإنّهُ لا يخلُو الحفَظةُ للقُرءانِ غَالبًا مِنْ نِسيانِ شَىءٍ مِنهُ والله لم يجعَل في الدّينِ مِن حَرجٍ. وقَد أَبعَد بعضُ الناس في الشُّذوذِ فَقال: يَدخُلُ في مَعصِيةِ نِسيَانِه بمجَرّد النُقصَانِ عن الحالِ التي كانَ عَليها في الحِفظِ.
هَذا وقَد أوّلَ بَعضُ مَن أَورَدَ هَذا الحديثَ بِأنّ مَعناهُ تَركُ العَمَلِ بِه.