ما الحكمة في كون الأنبياء رعوا الغنم؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال "ما بعث الله نبيّا إلاّ رعى الغنم فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. فنَقُولُ إِنَّ كُلَّ الأَنْبِيَاءِ رَعَوُا الْغَنَمَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَّخِذُوا ذَلِكَ مِهْنَةً لَهُمْ.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري (كتاب الإجارة 4/441) "قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادا من غيرها. وفي ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء" اهـ.