الحديث: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟، قال صلى الله عليه وسلم [أمسك عليكَ لسانكَ وليَسعْـكَ بَيتـُك وابكِ على خطيئتكَ]. رواه أبو عيسى الترمذي (279 هـ.) في سننه وقال هذا حديث حسن.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم [أمسك عليك لسانك] فهي نصيحة منه صلّى الله عليه وسلّم بتقليل الإنسان كلامه إلا في ما فيه خير، إذ اللسان نعمة يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، وفي الحديث [ليسَ البيان كثرة الكلام ولكن البيان إصابة الحق] رواه ابن حبان، وفي حديث البخاري [إنّ العبدَ ليتكلم بالكلمة من سَـخط الله لا يُـلقي لها بالاً يَـهوي بِها في جهنم] ومن الجهل العميم قول بعض الناس "تكلموا فالكلام ليس عليه جمرك"، يفهمون منه ليس على الإنسان في كلامه حساب ولا عقاب، وهذا عكس قول الله تعالى {ما يَـلفظ من قول إلا لدَيه رقيب عتيد} (ق 18).
وليُعلم أن الإيمان وإن كان محله القلب إلا أن الإنسان قد يخرج من الإسلام بكلمة يقولها بلسانه كما هو نص حديث البخاري المذكور وكما هو نص كتاب الله تعالى {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة 65)، ومثال ذلك أن من أسباب الحدث الأصغر ما هو في غير أعضاء الوضوء كالبول مثلاً، ومع ذلك فإنه لا تصح صلاة من اكتفى بغسل محل خروج البول إلا أن يتوضأ، ومثال ثان هو أن الطهارة الحسية لها نواقض، فكذلك الطهارة المعنوية لها نواقض.
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه وقف عند الصفا في مكة وأمسك بلسانه وقال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [أكثر خطايا ابن آدم من لسانه] رواه الطبراني (360هـ.) وأما قوله صلى الله عليه وسلم [وليسعك بيتك] فمعناه: إرض بما قسم الله لك، وانظر إلى من هو أعلى منك في أمر الدين، وإلى من هو أدنى منك في أمر الدنيا، لئلا تزدريَ نعمة الله عليك. فكم من أناس اعترضوا على الله ونسبوه تعالى إلى عدم الحكمة في الإنعام على بعض الناس، فخرجوا من الإسلام من حيث لا يحتسبون، ذلك أن الله تعالى هو الذي يبتلي عبدَه وليس العبدُ يمتحن ربّه {ليهلك مَن هلك عن بينة ويَحيَى من حَيّ عن بينة} (الانفال 42). ولا يجوز أن يُنسب إلى الله تعالى عدم الحكمة، فالله تعالى لم يخلق شيئاً عبَثاً بل هو الحكيم العليم سبحانه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم [وابكِ على خطيئتك] فمعناه اشتغل بإصلاح نفسك وتهذيبها، وفي ذلك صلاح عظيم لأن صلاح المجتمع بصلاح أفراده، فلو اشتغل كل إنسان بمراقبة نفسه بدلاً من تتبع عيوب غيره لكان في ذلك صلاحه وصلاح أهله وأمته، وأما أن يرى أحدنا القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في أنفه فهذا ليس دليل فلاح. هذا وليقل مَن شاء ما شاء في مَن شاء ولكن ليُهَيّئ شهوداً ليوم الدين، فإن عجز عن ذلك في الدنيا فهو في الآخرة أعجز. وأما من اعتمد شهوداً ظن فيهم الثقة والصدق وهم غير ذلك فالله تعالى حسيب أولئك الشهود لشهادتهم الزور وفي الحديث [عدلت شهادة الزور الإشراك بالله] رواه أبو داود وغيره، أي أنه ذنب عظيم، وإلى الله تعالى المشتكى فهذا كثير، ولكن الأذى لا يقابل بالأذى بل بما قال الله تعالى {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم} (فصلت 34)، وفي كتاب الله تعالى {ولا تنسَـوا الفضل بينكم} (البقرة 237)، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، والحمد لله ربّ العالمين.