SunnaOnline | سنة اون لاين إسلاميات ســـــير وتــــــراجم عبد الله بن عمر
عبد الله بن عمر
ترجمته
هو أبو عبد الرحمـٰن عبد الله بن عمر بن الخطاب، الإمام القدوة شيخ الإسلام أحد أعلام المؤمنين، الثابت على سنة سيد المرسلين. أبوه عمر رضي الله عنه غني عن التعريف ويكفيه ما ورد فيه من الآثار الدالة على فضله، وعمه زيد بن الخطاب أحد السابقين الأولين ممن شهدوا بدرًا وما بعدها. وسط هذه البيئة نشأ سيدنا عبد الله بن عمر نشأة عظيمة تجلت في سلوكه ومواقفه الجريئة في الدفاع عن الحق والعمل على نصرة الدين الحنيف وقول الحق من غير أن يخاف في الله لومة لائم.
فصل في بعض فضائله
لقد شرف الله ابن عمر بأن جعله من السابقين الأولين وأكرمه بصحبة خير الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمالت نفسه نحو الخير والتزود من صالح الأعمال فهاجر مع أبيه إلى المدينة، وعُرض على الرسول عليه الصلاة والسلام يوم بدر فرده وكذا في يوم أحد فرده لصغر سنه وأجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فهي أول مشاهده مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ثم شهد جميع ما بعدها من المشاهد.
كان بعد وفاة الرسول كثير الحج أعلم أهل زمانه بمناسكه وأحكامه، وكان الناس يقصدونه للفتيا على علمه وفهمه وشدة ذكائه. وكان رضي الله عنه من أهل الورع والعلم، كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتحرى الصلاة في الأماكن التي كان يصلي فيها رسول الله . قال الحافظ الزبيدي في الإتحاف : وإنما كان ابن عمر يصلي في هذه المواضع للتبرك. وروى ابن حبان وغيره عن نافع قال : كان ابن عمر يتتبع ءاثار رسول الله وكل منـزل نزله رسول الله ينـزل فيه فنـزل رسول الله تحت شجرة فكان ابن عمر يجيء بالماء فيصبه في أصل الشجرة كي لا تيبس ".اهـ
زهده وعظيم خوفه من الله
لقد بلغ ابن عمر رضي الله عنه في الزهد مبلغًا عظيمًا فجعل الدنيا منه على القفا وسلك طريق المصطفى وانصرف جاهدًا إلى الزيادة والإكثار من الحسنات والعمل الصالح، عاملا بمقتضى ما جاء في القرءان الكريم ثابتًا على سنة سيد المرسلين. ذكر في «صفة الصفوة» لابن الجوزي عن عبد الله بن عدي كان مولى لابن عمر أنه قدم من العراق فجاءه فسلم عليه فقال: أهديت لك هدية، قال: وما هي قال: جوارش قال: وما جوارش قال: يهضم الطعام. قال ابن عمر: ما ملأت بطني طعامًا منذ أربعين سنة فما أصنع به.
وعن نافع قال: كان ابن عمر إذا أعجبه شىء من ماله قربه لربه، ومما يظهر ذلك ما في «صفة الصفوة» عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال خطرت هذه الآية: ﴿لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (سورة ءال عمران/ءاية 92) فتذكرت ما أعطاني الله فما وجدت شيئًا أحب إليَّ من جاريتي رُميتة فقلت هذه حرة لوجه الله فلا أعود في شىء جعلته لله. وكانت تمضى عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحما وما كان يأكل طعاما إلا وعلى مائدته يتيم، كما ذكر صاحب البداية والنهاية.
لقد كان ابن عمر يكسر نفسه ويخالف ما تميل إليه، فلا يدع وقتًا من عمره يذهب سدى فيقوم بالليل ويصوم بالنهار ويتقرب إلى الله بوافر العمل الصالح وتجده خاشعًا خائفًا خاضعًا لله عز وجل يقرأ مرة من قوله عز وجل: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ حتى يصل إلى قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾ فيبكي ويشتد بكاؤه ويحن حتى لا يقدر على القراءة من كثرة بكائه، ولربما سمع الآية فيبكي حتى تبتل ثيابه ولحيته من كثرة بكائه ووفرة عبرته رضي الله عنه.
علمه وورعه
لا عجب بالنسبة لشخص كعبد الله بن عمر أن يبلغ في العلم رتبة عظيمة حتى يكون مجتهدًا مفتيًا من مفاتي الصحابة الكرام؛ فقد أفاض الله على قلبه جواهر الحكم وجميل القول وروى علمًا كثيرًا نافعًا عن أبيه الفاروق وعن أبي بكر وعثمان وعلي وبلال والسيدة عائشة إضافة إلى ما رواه من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ورعه وتمسكه بالشريعة وحبه لرسول الله وشوقه إليه كان إذا أصابه خدر في رجله توسل إلى الله برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام البخاري في كتابه "الأدب المفرد" تحت باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله: قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد. انتهى
وفاته
لقد امتد العمر بابن عمر رضي الله عنهما حتى جاوز الثمانين فأدرك أيام بني أمية وشهد ما رافق تلك الحُقب من أحداث وفتن، حتى أدركه الأجل سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة رضي الله عنه. وفي أسباب وفاته روي أن الحجَّاج الثقفي أمر بعض جنوده فأخذ حربة مسمومة ضرب بها رجل ابن عمر بعدما رد عليه ابن عمر مرة وهو يخطب بالناس فمرض عبد الله رضي الله عنه ومات منها ودخل عليه الحجَّاج بعد ذلك عائدًا فسلم عليه فلم يرد وكلمه فلم يجب، ثم ما لبث أن فاضت روحه الكريمة فمات ودفن في مقبرة المهاجرين بمكة على ما ذكر في سير أعلام النبلاء ومثله في طبقات ابن سعد.
ختامًا نسأل الله أن يرزقنا حسن الاتباع وأن يجمعنا مع ابن عمر في الجنة ولله الحمد من قبل ومن بعد.