كان من فضلاء الصحابة وخيارهم ومن السابقين إلى الإسلام. أعلن إسلامه وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرًا، وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه، فبصر به عثمان بن طلحة العبدري يصلي، فأعلم أهله وأمه، كانت أمه خنّاس بنت مالك تتمتع بقوة فذة في شخصيتها فخشيها مصعب، عندما علمت أمه بإسلامه حبسته وأرادت أن ترده عن دينه ولكنها واجهت إصرارا أكبر على الإيمان من جانب الابن. فقررت أن تخرجه من بيتها وتحرمه من الأموال. وقالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك، لم أعد لك أمّا، قال: يا أمّه إني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا اله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله فأبت. ترك مصعب النعمة الوافرة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة، وأصبح الفتى المتأنق المعطّر، لا يرى إلا مرتديًا أخشن الثياب، يأكل يومًا، ويجوع أيامًا. لما علم قومه بإسلامه أخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسًا إلى أن هاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، وعاد من الحبشة إلى مكة. كان مصعب فتى مكة شبابًا وجمالاً، وكان أبواه يحبّانه وكانت أمه كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقّه، وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول: «ما رأيت بمكة أحدًا أحسنَ لـمّة ولا أرق حُلّة ولا أنعمَ نعمةً من مصعب بن عمير».
وعن عروة بن الزبير قال: بينما أنا جالس يومًا مع عمر بن عبد العزيز وهو يبني المسجد إذ قال: أقبل مصعب بن عُمير ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه عليه قطعة نمرة قد وصلها بقطعة جلد، فلما رءاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نكسوا رؤوسهم رحمة له لما رأوه من حاله بعد أن كان يلبس فاخر الثياب فسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن عليه الثناء وقال: «لقد رأيت هذا، يعني مصعبًا، وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه نعيمًا منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير في حب الله ورسوله».وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلًا وعليه إهاب (أي جلد) كبش قد تَنَطَّقَ به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغدوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون».
روى الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُــوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لِسَبِيْلِهِ، لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُم مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (غَطُّوا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ). وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يُهْدِبُهَا.شُعْبَةُ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ: أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ، فَجَعَلَ يَبْكِي، فَقَالَ: قُتِل حَمْزَة، فَلَمْ يُوْجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيْهِ إِلاَّ ثَوْبًا وَاحِدًا، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يُوْجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيْهِ إِلاَّ ثَوْبًا وَاحِدًا، لَقَدْ خَشِيْتُ أَنْ يَكُوْنَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، وَجَعَلَ يَبْكِي.
لما بايع أهل العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام سرًا وتلوا عليهم القرءان، وكانوا اثني عشر شخصًا، وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلا من قبلِكَ يفقهنا في الدين ويقرئنا القرءان، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير فقدم إلى المدينة مهاجرًا قبل مقدم رسول الله باثنتي عشرة ليلة، فنـزل على أسعد بن زرارة، وكان يأتي الأنصار في دورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام ويقرأ عليهم القرءان فيسلم الرجل والرجلان حتى ظهر الإسلام وفشا في دور الأنصار كلها وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعز أهل المدينة.قَالَ البَرَاءُ بنُ عَازِبٍ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الـمُهَاجِرِيْنَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ.وكان مُصعب يقرئهم القرءان ويعلمهم وهو أول من جَمّعَ في الإسلام جمعة. أسلم على يديه أُسيد بن حُضير وسعد بن معاذ.
يوم معركة أُحد حمل مُصعب بن عمير اللواء، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قَمِئَةَ، وهو فارس، فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ (سورة ءال عمران/144). فأخذ اللواء بيده اليسرى فحنا عليه ابْنُ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب. قال عبد الله بن الفضل: قتل مصعب وأخذ اللواء ملك في صورته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له في ءاخر النهار: تقدم يا مصعب، فالتفت إليه الملك وقال: لست بمصعب، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ملَكٌ أُيّدَ به. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ دُوْنَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ.
قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ يَظُنُّهُ رَسُوْلَ اللهِ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا.فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ، أَعْطَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّوَاءَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، وَرِجَالاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ. وعن عبيد بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم، وقف على مصعب بن عمير وهو منجعفٌ على وجهه (أي مصروع) يوم أُحد شهيدًا، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (سورة الأحزاب/23). ثم قال: «إن رسول الله يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة»، ثم أقبل على الناس فقال: «أيها الناس، ائتوهم فزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفسي بيده لا يُـسلّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام» (رواه ابن سعد في الطبقات).
رحم الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب الجود والخير مصعب بن عمير.
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | ســـــير وتــــــراجم |
الزيارات : | 3244 |
التاريخ : | 11/2/2011 |
|