الجنيد البغدادي رضي الله عنه
الشيخ الإمام مقتدى الإسلام مفتي الفريقين وشيخ الطائفتين أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي الأصل، البغدادي القواريري. قال السبكي: سيد الطائفة ومقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة وشيخ طريقة التصوف وعَلم الأولياء في زمانه، ويقول الرافعي: صحب خاله السري السقطي والحارث بن أسد المحاسبي وغيرهما من أجلة المشايخ. وممن صحبه من أجلة العلماء أبو العباس بن شريح الفقيه، وتفقه على أبي ثور صاحب الإمام الشافعي. وله رحمه الله كلام كثير في بيان طريق الصوفية. وكان يقول: طريقنا مقيد بالكتاب والسنة.
واشتهر عنه كرامات منها أن الشيخ كان يتكلم على الناس فوقف غلام نصراني متنكرًا وقال: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى" رواه الترمذي، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال له: أسلِم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام. والناس معتقدون أن هذا للجنيد كرامة واحدة وإنما فيه كرامتان إحداهما اطلاعه على كفر الغلام، والثانية اطلاعه على أنه سيسلم في الحال.
وكان الكتبة يحضرون مجلسه لألفاظه، والفلاسفة لدقة كلامه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه. وكان رضي الله عنه من صغره ناطقًا بالمعارف والحِكم، حتى إن خاله السري سأل عن الشكر والجنيد يلعب مع الصغار فقال له: ما تقول يا غلام؟ قال: الشكر أن لا تستعين بنعمه على معاصيه. واتفق العلماء على أن طريقة الإمام الجنيد طريقة متبعة، ومذهبه مذهب سالم. أخذ الطريقة ولبس الخرقة من يد خاله السرِي السقطي رضي الله عنه، وهو لبسها من يد الإمام معروف الكرخي، وهو لبسها من يد الإمام داود الطائي، وهو لبسها من يد الإمام الحسن البصري، وهو لبسها من يد سيد الأئمة وإمام الأمة سيدنا ومولانا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما صحح ذلك السيوطي. والسري السقطي خال الجنيد ترجمه العلماء والأولياء بالمكانة العظمى والمرتبة العليا. وقالوا: كان أوحدَ أهل زمانه في الورع والزهد والأحوال السنية وسائر مقامات الطريق؛ ونقل عنه كلام نفيس في علم التوحيد.
وقال الجنيد: ما رأت عيني أعبدَ من السري وشيخ السري معروف بن فيروز الكرخي قال فيه علماء الشرع والطريقة إنه من أجلة مشايخ زمانه ورعًا وزهدًا وفتوة، ويستسقى بقبره إلى الآن. خدم الإمام علي بن موسى الرضى وكان من مواليه وتأدب بآدابه، وصحب داود الطائي، ولبس خرقته، وتخرج بصحبته وهو شيخ سلسلة القوم. وإن الإمام الجنيد قدس سره ونفعنا به ورث هؤلاء الرجال، وشرح مضمر فضلهم، وكشف كنوز معارفهم، وجمع لهم مذهبًا، وبنى لهم طريقًا يتوصل الناس به إليهم رضي الله عنهم، قام نائبًا عن السلف وإمامًا للخلف، وإن مناقب الإمام الجنيد رضي الله عنه مثل السحابُ تتابعت أنواءه.