أم حرام بنت ملحان الأنصارية النجارية
صاحبة ترجمتنا هي إحدى السابقات الأنصاريات إلى الإسلام من ءال ملحان من الصحابة الأخيار الذين تذوقوا حلاوة الإيمان، فسرت في نفوسهم محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، فربحوا الدنيا والآخرة. فهؤلاء الفائزون ساهموا –رجالاً ونساءً- في دروب الخير من علم وكرم وإيثار وغير ذلك، وكان همّهم الفوز برضا الله عز وجل ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنها أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بن خالد الأنصارية النجارية المدنية.
وأم حرام بنت ملحان أخت الغُمَيْصَاءُ ، والغميصاء هي أُمُّ سُلَيْمٍ بنت ملحان، إحدى النساء الفاضلات المبشرات بالجنة اللاتي تركن أثرًا مباركًا وضاءً في عصر النبوة. وهي كذلك خالة سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأخت البطلين الشهيدين حرام وسُليم ابني ملحان بن خالد، شهدا بدرًا وأحُدًا، وقُتلا شهيدين يوم بئر معونة، وحرام بن ملحان أخوها، هو الذي حمل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر، وأحد الشعراء.
وأم حرام كذلك هي أم الشهيد قيس بن عمرو بن قيس وزوج الشهيد عمرو بن قيس شهد ابنها بدرًا، وشهد مع أبيه أحدًا وقتلا يومها رضي الله عنهما، وحتى تكتمل أغصان هذه الشجرة المباركة، فقد تزوجها أحد الأبطال عُبادة بن الصامت... وما أدراك ما عُبادة... فهو من الموصوفين بالورع والفقه، وهو واحد ممن شهدوا العقبة مع السبعين من الأنصار، وهو أحد النقباء الاثني عشر، شهد بدرًا وأحدًا والخندق وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنجبت أم حرام من سيدنا عبادة ابنها محمد بن عبادة بن الصامت وكان عبادة يُحسن إلى أم حرام وإلى ابنها عبد الله بن عمرو بن قيس ربيبه.
عاشت أم حرام مع زوجها عبادة بن الصامت الذي اقتبست منه معالم الخير والفضائل التي كانت موجودة فيه. فقد كان أحد كُتاب الوحي، وأحد معلمي القرءان وجامعيه، فشاركت في نصرة الإسلام ونشره رضي الله عنها وعنه. اشتهرت الصحابية الجليلة أم حرام بالزهد والتقوى والورع،كانت من علية النساء. ووصفها أبو نعيم صاحب الحلية بقوله: شهيدة البحر، التواقة إلى مشاهدة الجنان، أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها. وروى مسلم في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبًا أو ماشيًا، فيصلي فيه ركعتين. وقباء قرية على ميلين من المدينة المنورة. وفي هذه البقعة المباركة – قباء- كانت أم حرام تقيم فيها، وتُعتبر من أهلها، وكان لهذه المرأة الفاضلة مكانة عظيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد ورد أنه كان يكرمها ويزورها في بيتها ويقيل عندها، ويصلي أحيانًا.
وأم حرام راوية للحديث النبوي الشريف. فقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث، وروى عنها أجلاء الصحابة والتابعين ، وقيل: إنها روت سبعة أحاديث. وقد روى أَنَس قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا هُوَ إِلاَّ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي أُمُّ حَرَامٍ، فَقَالَ: (قُوْمُوا فَلأُصَلِّ بِكُمْ).فَصَلَّى بِنَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ. وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ:أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي بَيْتِهَا يَوْماً، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: (عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُوْنَ ظَهْرَ هَذَا البَحْرِ كَالمُلُوْكِ عَلَى الأَسِرَّةِ). قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم. قَالَ: (أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِيْنَ). فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، فَغَزَا بِهَا فِي البَحْرِ، فَحَمَلَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعُوا قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ لِتَرْكَبَهَا، فَصَرَعَتْهَا، فَدُقَّتْ عُنُقُهَا، فَمَاتَتْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – يُقَالُ هَذِهِ غَزْوَةُ قُبْرُسَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.وَحَدِيْثُهَا لَهُ طُرُقٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ). وقيل إَنَّ قَبْرَهَا تَزُوْرُهُ الفِرَنْجُ.
وقال هشام بن الغاز: قبر أم حرام بنت ملحان بقبرس، وهم يقولون هذا قبر المرأة الصالحة رحمها الله. وقال هشام أيضًا: رأيتُ قبرها، ووقفت عليه بالساحل بقاقيس سنة إحدى وتسعين.
وذكر مرتضى الزبيدي رحمه الله في تاج العروس: ولها مقام عظيم بظاهر الجزيرة، اجتزتُ بها في البحر عند توجهي إلى بيت المقدس. وأخبرتُ أنّ على مقامها أوقافًا هائلة وخدمًا، وينقلون عنها كرامات. وذكر أن الناس يقولون: هذا قبر المرأة الصالحة، وهم يعظمونه، ويستسقون به.
وهكذا تحققت آمال أم حرام بالشهادة، وسجّلت في سجل الأوائل. وبعد، فهذه لمحات شذية عبقة من حياة هذه الصحابية الجليلة التي عاشت حميدة، وماتت شهيدة، وتحققت بشارتها بالجنة.
رحم الله أم حرام بنت ملحان، ورضي عنها وأرضاها وجعلها مع الأولين في الفردوس الأعلى.