حليمة السعدية رضي الله عنها
حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب: عبد الله بن الحارث من قبيلة بني سعد بن بكر، من بادية الحديبية بالقرب من مكة. زوجهــــا الحارث بن عبد العزى بن رفاعة، كانت مرضعة، وكانت المرضعات يقدمن إلى مكة من البادية ويفضلن من كان أبوه حيًا ليزيد من إكرامهن.
إسلامها
جزم بإسلامها وصحبتها كثير من الأئمة منهم، الحافظ أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه، فذكرها في أسماء الصحابيات اللائي روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: باب الحاء: حليمة بنت أبي ذؤيب. وكذلك ذكرها أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير في ذكر النساء اللائي روين عن النبي صلى الله عليه وسلم وخرج أسماءهن على الحروف فقال في حرف الحاء المهملة بعد ذكرها ونسبها وهي أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته وفصلته.
وذكرها ابن مندة وأبو نعيم في كتابيهما في الصحابة. وكذلك ابن عبد البر وقال هي التي أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكملت رضاعه ورأت له برهانًا وعلمًا جليلا. وذكرها الحافظ ابن الجوزي في الصحابيات في كتبه التلقيح والحدائق والوفاء وقال في الوفاء: قدمت عليه _ يعني حليمة _ بعد الإسلام فأسلمت وزوجها وبايعاه. وقال في الحدائق: قدمت حليمة ابنة الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تزوج خديجة فشكت إليه جذب البلاد، فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيرًا، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث. اهـ
وقال القاضي أبو الفضل عياض في الشفاء: لما وردت حليمة السعدية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقضى حاجتها، فلما توفي قدمت على أبي بكر فصنع لها مثل ذلك. وروى ابن سعد عن عمر بن سعد مرسلا قال: جاءت ظئر النبي صلى الله عليه وسلم، فبسط لها رداءه، وقضى حاجتها، ثم جاءت أبا بكر ففعل ذلك، ثم جاءت عمر ففعل ذلك. اهـ
وقال الحافظ أبو محمد المنذري: حليمة السعدية أمه عليه أفضل الصلاة والسلام أسلمت وجاءت إليه وروت عنه عليه الصلاة والسلام. وذكرها الحافظ ابن حجر في “الإصابة” وغيرهم. وأخرج أبو داود من طريق عمارة بن ثوبان، أن أبا الطفيل أخبره قال: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقسم لحمًا بالجعرانة، إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، فجلست عليه فقلت: من هي؟ فقالوا: هذه أمه التي أرضعته. اهـ
وروى أبو داود عن عمرو بن الحارث، أن عمر بن السائب حدَّثه، أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسًا يومًا فأقبل أبوه من الرضاعة، فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شِقَّ ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه. اهـ
وقال ابن سعد في الطبقات: قدمت حليمة بنت عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد تزوج خديجة، فتشكت جدب البلاد وهلاك الماشية فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فيها، فأعطتها أربعين شاة. اهـ
إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة
وإخوته عليه الصلاة والسلام - يعني من الرضاعة – من حليمة: عبد الله بن الحارث، وَأُنَيْسَةُ بنت الحارث، و حُذَافَةُ بنت الحارث وهي الشيماء.
روايتها قصة إرضاعه صلى الله عليه وسلم
روى عنها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: حديثه عنها بقصة إرضاعها أخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه وصرح فيه بالتحديث بين عبد الله وحليمة. قالت حليمة رضي الله عنها: خرجت في نسوة من بني سعد نلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على أتانٍ (الأنثى من الحمير) لي قمراء ( بياض فيه كدرة ) في سنة شهباء (سنة الجدب والقحط) لم تبقِ شيئًا، ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى، ومعنا شارف لنا (المسنّة من النوق) والله ما تَبضّ (أي ماترشح ) علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لي، لا ننام ليلتنا من بكائه، وما في ثدييّ لبن يغنيه، ولا في شارفنا من لبن يغذيه، إلا أنّا نرجو الخضب والفرج، فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة الرضاعة من والد المولود، وكان صلى الله عليه وسلم يتيمًا. فقلنا: ما عسى أن تصنع بنا أمه؟
فكنا نأبى حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا وأخذت رضيعًا غيري.
فكرهت أن أرجع ولم ءاخذ شيئًا، فقلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
قالت: والله ما هو إلا أن وضعته في حجري، فأقبل على ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي، وشرب أخوه (تعني ابنها) حتى روي، وقام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا بها حافل (أي ممتلئة الضرع من اللبن) فحلبنا من اللبن ما شئنا وشرب حتى روي، وشربت حتى رويت، وبتنا ليلتنا تلك شباعًا رواءً وقد نام صبياننا.
قالت: قال أبوه (تعني زوجها): "والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نَسَمَةً مباركةً قد نام صبياننا".
وكان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة.
فبينما هو يلعب يومًا من الأيام هو وأخوه خلف البيت، إذا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه: "أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه".
قالت: "خرجت وخرج أبوه يشتد نحوه، فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه، فاعتنقته واعتنقه أبوه وقال: "ما لك يا بني" قال: " أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني، والله ما أدري ما صنعا".اهـ
والذي حصل هو أن الملكان جبريل وميكائيل أتيا النبي عليه الصلاة والسلام بشكل رجلين، فأضجعاهُ وشَقَّا بَطنَهُ الكريمَ كما ورد، وغسَّلاه بماء زمزم والثلج والبردِ، وَخَاطَاهُ بِإذن ذي الإكرام والجلالِ، وخَتَمَا على ظَهرِهِ بِخَاتَمِ النّبوةِ في الحالِ. وقد ذُكِرَ أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين.
وفاتها
توفيت حليمة السعدية رضي الله عنها بالمدينة المنورة، ودفنت بالبقيع.