فضل خير البرية على سائر البشرية
قال الله لنبينا صلى الله عليه وسلم {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}[النساء:113].
من رحمة الله بعباده أنه أرسل إليهم رسله مبشرين ومنذرين، وأنزل على بعضهم كتبه، ومن فضل الله على هذه الأمّة أن بعث فيهم خيرَ رسله وخاتم أنبيائه وأفضل خلقه سيد ولد ءادم، وأنزل عليه القرءان وأيّده بالحجة والبرهان، فهو رسول مصطفى ونبي مجتبى، نبي عظيم وإمام كريم، قدوة للأجيال وأسوة للرجال ومضرب الأمثال وقائد الأبطال، معصوم قلبه من الزّيغ، ويمينه من الخيانة، ويده من الجور، ولسانه من الكذب، ونهجه من الانحراف، ما سجد لصنم ولا اتّجه لوثن، ما مست يده يد امرأة لا تحلّ له، ولا شارك قومه في لهو ومجون، طهّر الله فؤاده، وحفظ رسالته، وأيّد دعوته، ونصر ملّته، وأظهر شريعته، ختم به أنبياءه، ونصر به أولياءه، وكبت به أعداءه.
والله إن ديننا عظيم وجليل، وإن من أهم مميزات هذا الدين وخصائصه أن رسوله ومبلغه هو المصطفى المختار محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين. هذا النبي العظيم لا تحصى فضائله، ولا تعد مزاياه، فهو خير خلق الله ، كان متواضعًا زاهدًا شجاعًا مقدامًا، تجمعت فيه جميع الأخلاق والصفات الحميدة والنبيلة. نقول بعض فضائل النبي صلى الله عليه وسلم التي تستوجب محبته واتباعه في كل ما أمر واجتناب كل ما نهى عنه وزجر، وقد ظهرت ءاثار اصطفاء الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في جوانب كثيرة منها:
طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم، فلم ينل نسبه الطاهر شىء من سفاح الجاهلية فكان من سلالة ءاباء كرام ليس فيهم ما يشينهم أو يعيبهم بل كانوا سادات قومهم في النسب والشرف والمكانة، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم [إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم]. ومنها: ما رواه مسلم أن جبريل أتاه وكان مع الغلمان فأخذه وشق عن قلبه وأخرجه وغسله في طستٍ من ذهب بماء زمزم واستخرج منه علقة، وقال له [هذا حظ الشيطان منك]. ومنها عصمته صلى الله عليه وسلم من تسلط أعدائه عليه بالقتل أو منعه من تبليغ رسالة ربه قال تعالى {والله يعصمك من الناس}. وعصمته مما يقدح في رسالته ونبوته قال تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.
ومنها كونه خاتم النبيين قال تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}. ومن فضله صلى الله عليه وسلم ما في صحيح البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحدٌ قبلي نصرت بالرّعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي وأعطيت الشّفاعة ( أي الشفاعة العظمى) وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً] وفي لفظ لمسلم [وأرسلت إلى الخلق كافة]. وفي رواية مسلم من حديث أبي هريرة [فضلت على الأنبياء بست] فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر إلا الشفاعة وزاد خصلتين وهما [وأعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون] فتحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال. ولمسلم أيضا من حديث حذيفة [فضلنا على الناس بثلاث خصال، ذكر منها، جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا] ، وبين ابن خزيمة والنسائي الخصلة الثالثة وهي [وأعطيت هذه الآيات من ءاخر سورة البقرة من كنـز تحت العرش]. فصارت الخصال تسعا.
ولأحمد من حديث علي [أعطيت أربعا لم يعطهن أحد من أنبياء الله: أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعلت أمتي خير الأمم] وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشرة خصلة، وعند البزار من وجه ءاخر عن أبي هريرة رفعه [فضلت على الأنبياء بست: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت أمتي خير الأمم، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه] وذكر ثنتين مما تقدم. وله من حديث ابن عباس رفعه [فضلت على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه فأسلم] ونسي الراوي الخصلة الثانية.
فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة. ويوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع. فقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة.
ومن أدلة فضله وشرفه ما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال [أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع، بيدي لواء الحمد تحته ءادم فمن دونه] رواه البخاري ومسلم. وفي رواية في صحيح مسلم [وأول شافع وأول مشفع]. ومن الأدلة على شرفه صلى الله عليه وسلم ما ورد في حديث الشفاعة الطويل وفيه أن الناس يذهبون إلى ءادم ونوح وإبراهيم وموسى يطلبون الشفاعة، فكل منهم يحيلهم على غيره حتى يأتوا عيسى فيقول لهم [لَسْتُ هُنَاكُمْ، ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] فإذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أنا لها أنا لها]. ثم يسجد لله فيقال له ارفع رأسك سل تعطه وقل يُسمع واشفع تشفع، فيرفع رأسه فيحمد الله بمحامد لم يحمده بها أحد قبله، ولا يحمده بها أحد بعده ثم يشفع، فذلك قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}. أي مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم. وقد ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أول من يستفتح باب الجنة فيقول الخازن بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك. ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم صاحب الوسيلة، وهي أعلى درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وهي له صلى الله عليه وسلم .. ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منـزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة]
ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم ما ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا] ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى اختصه ببعض المعجزات دون غيره من الأنبياء ، وبعض هذه المعجزات مستمرة إلى يوم القيامة وهي معجزة القرءان المبين. هذه المآثر والفضائل التي خصها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا اقتصرنا على ما ذكرنا خشية الإطالة.
ونسال الله تعالى أن يرزقنا رؤية الرسول وزيارة الرسول وشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ءامين.