الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين.
مقدمة ونصيحة مهمة
أما بعد فإن الأمانة في العلم أهم من الأمانة في المال فينبغي للإنسان أن يكون محتاطاً في كلامه، وينبغي أن يعمل بما قال سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب "العلم ثلاثة كتاب ناطق، وسنة ماضية ولا أدري"، كتاب ناطق أي القرءان، وسنة ماضية أي حديث ثابت، فعليكم بفهم السؤال على وجهه وعدم الإستعجال في إصدار حكم، كما قال الإمام سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أفهموني ما تقولون وافهموا عني ما أقول" وعليكم بكلمة من عمل بها أحسن الإفادة ألا وهي "زينُ العلم الحلم".
هذا وكثير من المصائب في الكلام في أمور الدين تأتي من تجاوز الشخص حدّه فيفتي بلا علم في مسائل جانبية في أثناء تدريسه ليست من أصل الكتاب الذي يدرسه وهذا خطر كبير، فلو سأله الطالب لا يُجب في المسائل الجانبية التي لم يجد فيها نقلاً بل يقول: لا أدري، فيكون سَلِمَ لنفسه وسَلِم الطالب، ولا يُفَكِّر المدرس بأنه إذا لم يجب في هذه المسائل الجانبية يستضعفه الطالب الذي يدرسه، ولا ينظر إلى هذا. ثم إن المهم أن يستحضر المدرس أول ما يبدأ بالتدريس أن مراده إفادة الناس بأمر دينهم لوجهه تعالى، لا أن يقال عنه قوي في العلم، فإذا استحضر هذه النية أول الدرس يهون عليه أن يقول لا أدري في ما ليس له فيه نقل. ثم إن من المهم التفكير في حال الذي يَدْرس على المُدرس ومن يحضر مجلسه من غير طلبته هل العبارة التي يذكرها أثناء درسه يفهم الحاضرون معناها كما ينبغي أم لا يفهمون ما يفهمه ويريده هو من هذه العبارة. قال الإمام علي رضي الله عنه "حدّثوا الناس بما يفهمون أتحبون أن يُكَذَّب الله ورسوله" رواه البخاري.
القواعد الثمانية
قال الله تعالى {ما يلفظ من قول إلآ لديه رقيب عتيد} سورة ق/18. بينت الآية أن كل قول يتلفظ به المرء يكتبه الملكان رقيب وعتيد، سواء كان هذا اللفظ خيراً أو شراً حتى الكلام المباح يكتبه الملكان، فعُلم من ذلك أن الإنسان يُحاسب على نطقه فإن نطق بالشر جوزي عليه وإن نطق بالخير كان له. لذلك نقول إن من تلفظ بكلمة الكفر في حال اختيار أي عمداً ولم يكن مجنوناً ولا نطق بالكفر مكرهاً أو على وجهِ سبقِ اللسان فإن هذا الذي صدر منه أخرجه من الإسلام.
وقد قسّم العلماء الكفر إلى ثلاثة أقسام: كفر اعتقاديّ، وكفر فعليّ، وكفر لفظيّ، وهذه قواعد يُعرف بها ما يُخرج من الأقوال أو الأفعال أو الإعتقادات عن الإسلام.
القاعدة الأولى
من أنكر ما عُلِمَ من الدين بالضرورة أي ما عُلِمَ علماً ظاهراً يشترك في معرفته العلماء والعامة من المسلمين كفر ولو كان جاهلاً، أي جاهلاً أن هذا الكلام يُخرج من الإسلام كأن قال إنّ شرب الخمرة حلال وهو يعرف أنها حرام ولكن كان يجهل أنه إن قال حلال كَفَر. فمن أنكر المعلوم من الدين بالضرورة كفر إلا أن يكون قريب عهدٍ بإسلام أو نشأ في باديةٍ بعيدةٍ عن العلماء أو كان كقريب عهدٍ بإسلام بأن نشأ بين المسلمين ولكن لم يتردد على سمعه كثيراً حكم المسئلة بشرط أن يكون غير عالم بأن الحكم الذي أنكره هو في دين الله الإسلام، وبشرط أن يكون هذا الأمر غير نحو تنزيه الله عن الشبيه وعن التحيز في الجهة والمكان، ويستثنى من تأوَّل فأخطأ في غير القطعيات بأن توهم للآية أو الحديث خلاف المعنى المراد، أما من أخطأ في القطعيات فلا يُعذر، ولمزيد من التفصيل نقول: أصول الإعتقاد على قسمين:
1- قسم يكفر الشاك فيه ومنكره.
2- وقسم لا يكفر الشاك فيه أو منكره جهلاً.
فالأول: هو ما كان معلوماً من الدين بالضرورة كنحو عذاب القبر للكافر.
والثاني: ما كان مجمعاً عليه غير ظاهر ظهوراً يشترك في معرفته العلماء والعامة من المسلمين من الأحكام من تحريم وتحليل ووجوب ومشروعية. ومنها ما هو مختلف فيه فلا يكفر من أخذ من العامة بقول أي مجتهدٍ من المجتهدين المستأهلين.
والمجمع عليه قسمان:
الأول: ما كان ظاهراً ظهوراً يشترك في معرفته العلماء والعامة سواء في التحريم أو التحليل في الوجوب أو المشروعية أو الجواز، فإن منكر هذا ولو جاهلاً خارج عن الإسلام إلا أن يكون لم يسمع بهذا الحكم من المسلمين كثيراً أو قليلاً مع اعتقاد أنه من دينهم أي من دين المسلمين وهذا حكم قريب العهد بالإسلام أو من كان مثله إن سمع من قليل أو من كثير أن هذا من دين المسلمين فاعتقد الحكم واحد. والمراد بقولنا جاهلاً أي جاهلاً بكونه يكفر بإنكار.
والثاني: ما كان مجمعاً عليه لكن ليس ظاهراً ظهوراً يشترك في معرفته العلماء والعامة فمنكره والشاك فيه جهلاً لا يكفر سواء في ذلك التحريم أو التحليل أو الوجوب أو المشروعية، كحرمة مصافحة المرأة الأجنبية بلا شهوة وكخلوة واحد بواحدة بلا محرمية بينهما. والمراد بقولنا جهلاً هنا أي جاهلاً بحكمه في الشريعة بأن كان يظنّ الحلال حراماً أو بالعكس ونحو ذلك.
فالقاعدة أن من خالف ما أجمع عليه المسلمون وصار معلوماً من الدين بالضرورة أي اشتهر واستفاض بين الخواص والعوام حرمته أو وجوبه أو مشروعيته أو عدم مشروعيته أو ثبوته أو نفيه فهو مرتد.
القاعدة الثانية
كل قول أو فعل أو اعتقاد فيه استخفاف بالله أو رسله أو كتبه أو ملائكته أو أحكامه أو وعده أو وعيده أو شعائره أو معالم دينه أو ءاياته فهو كفر. ولنزيد هذه القاعدة تفصيلاً نقول: قسَّم العلماء اللفظ المكفّر إلى ظاهر وصريح فالظاهر ما كان له بحسب وضع اللغة وجهان فأكثر ولكنه إلى المعنى الكفري أقرب، وأما الصريح فليس له بحسب وضع اللغة إلا وجه واحد كفري. قالوا: فمن تكلم بلفظٍ ظاهر أي بأن يكون له معنيان فأكثر أحدهما متبادر وهو الكفر والمعنى الآخر غير متبادر لا يحكم بكفره حتى يتبين مراده، ومن تكلّم بلفظٍ صريح في الكفر كُفِّرَ ولا يُسأل عن مراده ولا يقبل له تأويل إلا أن يكون لا يعرف ذلك المعنى الصريح بل يظنّ أن معناه غير ذلك فإن هذا اللفظ بالنسبة إليه ليس له حكم الصريح، مثال هذا قول بعض الناس ما في الوجود إلا الله أو لا موجود إلا الله أو هو الكل، فإن هذه الألفاظ من صريح الكفر بحسب معناها اللغوي لأن معناها أن العالم هو الله لكن من الناس من لا يفهمون منها هذا المعنى بل يظنون أن معناها أن الله هو مدبّر كل شيء، وأما الذين وضعوا هذه الكلمات لأول مرة ويفهمون هذا المعنى الذي هو توحيد الله والعالم -أي يجعلون الله والعالم شيئاً واحداً- فيكفرون، هؤلاء كانوا من ملاحدة المتصوفة من المنتسبين إلى الإسلام فَسَرَتْ منهم إلى أسماع بعض العوام من غير أن يعرفوا معناها، وهؤلاء الملاحدة المتصوفة وصلت إليهم هذه الكلمة من بعض فلاسفة اليونان، ثم منذ نحو قرن ظهر من أناسٍ ينتسبون للشاذلية اليشرطية القول بهذه الكلمات مع اعتقاد معناها الذي هو كفر وهو المعنى الأصلي لها وهؤلاء تارة يقولون الله حال في كل شخص وتارة يقولون باتحاد الله بالأشخاص.
كذلك إن ظنّ شخص لجهله بالمعنى اللغوي أن الكلمة تحمل وجهين أحدهما كفريّ والآخر ليس فيه كفرٌ ونطق بها ومراده غير المعنى الكفري فإنه لا يكفر، بخلاف من عرف أنّ الكلمة صريحة بحسب وضع اللغة وابتكر من عنده معنى ءاخر فقصده ولم يعتقد ذلك المعنى لكن تلفظ بها عمداً مع فهمه لمعنى اللفظ الأصلي وذلك كقول بعض السفهاء أخت ربك أو قول بعضهم لبعض يا ابن الله فهؤلاء يكفرون مع أنهم لا يقصدون المعنى، وهؤلاء قسم منهم يقولون يا ابن الاّ بدون هاء من لفظ الجلالة وهم يفهمون من هذا اللفظ الله وبعضهم يلفظ بالهاء لأن عندهم الله بالهاء وألاّ بلا هاء واحد. ولكن نقول في المتلفظ بالصريح إننا ننظر في حاله هل يفهم المعنى أم أنه يجهله وظن أن هذه الكلمة معناه شيء ءاخر فإن كان يجهله فإننا لا نكفره في هذه الحال بل نعلمه معنى الكلام وننهاه عنه.
فمن هنا يُعلم أنه لا ينبغي التسرع في إطلاق التكفير على شخصٍ نطق بكلامٍ ظاهرٍ قبل العلم بمراده، ولا التسرع في إطلاق التكفير على من نطق بالصريح وخاصة في هذا الزمان إلا بعد العلم بأنه يفهم معنى اللفظ ويعرف كونها صريحة وعن هذا قال بعض العلماء من الحنفية وغيرهم إذا كان للكلمة سبعون معنىً هي كفر ومعنى واحد ليس كفراً لا يكفر المتلفظ بها إلا أن يُعلم أنه أراد معنى من المعاني التي هي كفر، ويُنسب قريب من هذا إلى بعض الأئمة المجتهدين أبي حنيفة أو مالك ولا يصح ذلك عنهما لكن المعنى صحيح ولو لم يقله أحد من الإمامين، والتعبير المقرر عند الفقهاء المتأخرين في إثبات حكم الردة هو قولهم: إن كان للكلمة وجوه تقتضي الكفر ووجه واحد لا يقتضي الكفر لا يكفّره المفتي إلا أن يقصد المعنى الكفري، ومرادهم بالوجوه المعاني فإن الكلمة الواحدة قد يكون لها بضعة عشر معنى ككلمة اليد فمن نسب اليد إلى الله وأراد بها العضو الذي هو من الإنسان وغيره يحكم عليه بالكفر لأنه شبّه الله بخلقه. ومن نسب اليد لله وأراد به القدرة أو النعمة أو نحو ذلك من المعاني التي هي ليس فيها تشبيه الله بخلقه فلا يُكَفَّر، وعلى هذا التفصيل يحكم على من يفسّر اليد المضافة إلى الله في القرءان أو الإستواء على العرش بالمعنى الحسيّ الذي هو من صفات المخلوق وكذلك من يفسّر المجيء الوارد في القرءان في قوله تعالى {وَجاءَ رَبُّكَ والمَلكُ} كمجيء الإنسان والملائكة بالإنتقال والحركة من جهة إلى جهة فإنه يكفر. أما لو نطق بالصريح وكان ناسياً للمعنى الذي كان يعرفه قبلاً وعند النطق كان يفهم معنى ليس فيه كفر فلا يكفُرُ، فلو سمعنا مثلاً شخصاً يقول الصلاة على النبي مكروهة فلا ينبغي التسرع في تكفيره، بل يُسأل عن مراده لأنّ العرب يُطلقون كلمة النبي على الأرض المرتفعة المحدودبة فإن تبين أن مراده أن الصلاة على الأرض المحدودبة مكروهة لكون هذه الصلاة لا خشوع فيها فكلامه صحيح وإن تبين أن مراده بقوله هذا أن الصلاة على النبي محمد مكروهة فهو كافر، وفي القاموس وغيره أن كلمة النبي لها هذان المعنيان. ويتبين لنا أيضاً أمر وهو أنه ليس للمفتي أن يفتي في هذه المسائل إلا أن يعلم لسان أهل البلد فيما يستعملون من الألفاظ، وقد قال الفقهاء ليس للمفتي أن يفتي فيما يتعلق بالألفاظ إلا أن يعرف اصطلاحات أهل البلد.
القاعدة الثالثة
من تكلم أو اعتقد أو فعل ما هو صريح في الكفر لا ينفعه تشهده مع الشك في الحكم، بل لا بد أن يجزم بوقوعه في الكفر ثم يتشهد بنية التبرىء من هذا الكفر. فلا يفيده التشهد ما لم يرجع عن الكفر بأن تشهد على العادة كما يحصل من كثير من الناس ينطقون بألفاظ كفرية من غير أن يرجعوا عنها أي من غير أن يعرفوا أنها كفر فيتبرؤوا منها في قلوبهم ثم يتشهدون على ما جرت عادتهم من التشهد في أوقات ومناسبات كالأذان فهذا لا ينفعهم.
تنبيه مهم: من كفر ثم قال أستغفر الله قبل أن يرجع إلى الإسلام بالشهادتين لا ينفعه ذلك شيئاً بل يزداد كفراً لأنه يطلب المغفرة وهو على الكفر والله لا يغفر كفر الكافر ولا ذنوبه وهو على كفره.
تنبيه ءاخر: من وقع في كفر ثم لما تعلم الحكم أنه كفر لم يتذكر وقوعه فيه وصار يتلفظ بالشهادتين على عادته دون استحضار لما حصل منه قبل تعلم الحكم ثم بعد مدة تذكر أنه وقع في ذلك الكفر ولم يكن تشهد للخلاص من الكفر لكونه كان غير ذاكر وقوعه فيه فشهادته التي تشهدها على سبيل العادة نفعته ولا يعيد التشهد لأنه متراجع عن الكفر غير معاند.
تنبيه مهم: إذا الشخص رَجَع عن الكفر وتشهد لا يشترط أن ينوي الدخول في الإسلام إنما الشرط أن يكون أقلع عن الكفر، هو إذا عرف أن هذا الذي حصل منه كفر فتشهد هذا التشهد هو نية الدخول أما استحضار عبارة كقول أقول الشهادة بنية الدخول في الإسلام اشتراط هذا لا معنى له. عرف أنه كفر فرجع ونوى الخلاص منه فتشهد هذا هو نية الدخول في الإسلام. أما إذا قيل لمرتد تشهد بنية الدخول في الإسلام على المعنى الذي سبق بيانه أي ليعلم أنه كان كافراً فيقلع عن كفره ثم يتشهد فلا ضرَرَ في هذا.
وأما التشهد الذي عرف باسم تشهد الإحتياط فإنما ينفع في موضعين:
أولاً: إذا تلفظ بكلام ظاهر وشكّ أيَّ المعنيين قصد عند نطقه.
وثانياً: إذا علم حكم المسألة أنها كفر وشك هل حصلت منه أم لم تحصل فيتشهد احتياطاً.
هنا تنبيه: تشهد للتبرىء من كل كفر إن كان حصل منه ثم بعد فترة تيقن أنها حصلت منه قبل تشهده مسألة كفرية، فهل يلزمه تشهد ثانٍ أم يكفيه التشهد الأول؟
الجواب: إن الحكم يختلف باختلاف الحال فإن كان حين تشهده بنية التبرىء من الكفر عالماً حكم المسألة التي تذكرها فيما بعد كفاه تشهده الأول وإلا فيلزمه أن يتشهد من جديد للخروج من الكفر.
القاعدة الرابعة
لا يكفر منكر لفظ الحديث المتواتر إنما يكفر إن أنكر معناه وكان معلوماً من الدين بالضرورة بخلاف من أنكر حرفاً مجمعاً عليه من كتاب الله فإنه يكفر إذا كان إنكاره عناداً. والأحاديث المتواترة على ما قال بعضهم هي نحو خمسين.
القاعدة الخامسة
من عزم على الكفر في المستقبل أو تردد فيه أو علّق كفره بحصول أمر، كأن قال إن تلف مالي أو هلك ولدي تهوّدت أو أنتقل إلى دين غيرالإسلام كفر في الحال، وكذا من أمر غيره بالكفر كأن يقول لغلامه سُبَّ له أي لشخص ربه كما يفعل بعض الناس لتمرين الطفل على الكلام يقولون سُبَّ لهذا ربّه فإن نطق الطفل بسبّ الله يفرحون كأن قال له يلعن ربّك فإنّ من أمر الطفل بهذا الكلام يكفر ولو كان الطفل لا يفهم المعنى فهذا كما لو قال لرجل كبير سبّ لهذا ربّه الحكم واحد. ويكفر من أَكْرَه إنساناً على الكفر لأن الرضى بالكفر كفر، ويدخل في ذلك استحسان الكفر من غيره. أما إذا عزم الكافر على أن يسلم ولم يسلم بالفعل لا يجعله ذلك مؤمناً حتى ينطق بالشهادتين عن عزم وجزم فيكون مسلماً.
القاعدة السادسة
كل فعل لا يصدر إلا من كافر فهو كفر، مثال على ذلك رمي المصحف في القاذورات والسجود للصنم.
القاعدة السابعة
من تمنّى حِلّ مسألة كانت محرمة في جميع الشرائع كفر كأن يقول "يا ليت الزنى كان حلالاً" بخلاف من تمنى حلّ أمر كان حلالاً في بعض الشرائع "كزواج الأخ من أخته". ومما حرّم في جميع الشرائع من شريعة ءادم إلى شريعة محمد أكل الدم والميتة ولحم الخنزير وأكل ما رفع عليه اسم غير الله عند ذبحه.
القاعدة الثامنة
من كفّر مسلماً بلا تأويل كفر، كما صحّ في حديث مسلم "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه" وذلك لأنه جعل الإسلام الذي عليه هذا الشخص المسلم كفراً، وأما إن كان متأولاً كأن كفّره لشرب الخمر أو للزنا لأنه ظنّ لجهله أنّ شربه للخمر أو زناه كفر فكفّره لذلك فلا يُكَفَّر إنما يُفَسَّق، وكذلك لو بلغه أن فلاناً مسلماً انتحر فقال هذا كفر لجهله بحقيقة حكم الإنتحار فلا يكفر.
فائدة مهمة
هناك مسائل عديدة يظنها بعض الناس مجمعاً عليها عند كل علماء الإسلام والأمر ليس كذلك، مثال ذلك الأكل في رمضان فإنه ينتهي بدخول الفجر وهذا ما عليه جمهور علماء الإسلام وهو الحق، وفيهم من هو من أهل الإجتهاد غلط فقال يجوز الأكل إلى طلوع الشمس وما كفّروا القائل بذلك الذي هو من التابعين الذين أدركوا الصحابة وأخذوا منهم علماً فلهذا لا يجوز التسرع في التكفير. معرفة المجمع عليه ليس كل أحد يستطيعه . العلماء الذين مضوا اختلفوا في مسائل كثيرة، كقراءة القرءان في الصلاة فإن من السلف من أهل الإجتهاد من قال: من أتم ركوعه وسجوده صلاته صحيحة أي ولم لم يقرأ شيئاً من القرءان في قيامه، ومنهم من قال الله أكبر ليس ركناً للدخول في الصلاة، النية تكفي من دون تكبير إذا نوى أنه يصلي صلاة كذا يكفي للصحة من دون أن يكبّر. وقائل هذا هو الإمام محمد بن مسلم الزهري من صغار التابعين، وهناك مسائل أخرى من هذا النوع. فلا ينبغي التسرع، ولا ينبغي أن يبنيَ الشخص التحليلَ والتَحريمَ والتكفيرَ على حسب الوهم، بل ينبغي أن يبنيه على الإحتياط مع النظر في حال المسألة هل هي مجمع عليها أم لا، ثم هل هي معلومة من الدين بالضرورة أم لا، وبعد ذلك يتكلم في حكمها.
أما ما كان استخفافاً بالله أو رسوله أو ملائكته أو دينه أو شعائر الإسلام أو كان نوعاً من أنواع تشبيه الله بالعالم أو نفياً للصفات الثلاث عشرة الواجبة لله فلا ينبغي التوقف في تكفير المخالف فيها لأن أهل الحق من علماء الإسلام لم يختلفوافي تكفير المخالف في ذلك ، فالقائل إن الله جسم لطيف أو كثيف لا يُتَوَقَفُ في تكفيره مهما كان غارقاً في الجهل لأن ثبوت الصفات الثلاث عشرة لله تعالى يدلّ عليه العقل لو لم يسمع ذكره في علم الدين، فمن سمع ومن لم يسمع في هذا سواء، ولا ينظر إلى عدد الجاهلين المخالفين للحقّ في هذا قلّوا أو كثروا، أما من أنكر الصفات التي لا يدلّ عليها العقل لكن وردت في القرءان كالوجه واليد والعين في قوله تعالى {كلّ شيءٍ هالكٌ إلا وجْهَه} سورة القصص/ 88، وقوله {يَدُ اللهِ فوق أيديهِم} سورة الفتح/ 10، وقوله في سفينة نوح {تجري بأعْيُنِنا} سورة القمر/14، فمن أنكرها لا يكفر إلا أن يكون علم ورودها في القرءان ومع ذلك أنكر أما من قال الله ليس له يد ليس له عين ليس له وجهٌ لأنه لم يعلم أن هذا في القرءان فأنكر فلا يُكَفَّر لكن يقال له هذا وارد في القرءان فإن أنكرت بعد هذا تكفر وقد ذكر الشافعي في بعض كتبه أن من أنكر صفات الله التي لا تدرك بالدليل العقلي والرَّويَّةِ أي بالنظرالعقلي لا يكفر إن جحد ذلك إلا بعد أن يعلم ثبوت ذلك شرعاً ، فإن أنكر بعد العلم يكفر.
وكذلك يكفر من فسّر اليد والوجه والعين بالجسم في حقّ الله تعالى لأن الله تعالى ما أراد بها وجهاً جسماً كوجه الخلق ولا يداً كيد الخلق ولا عيناً كعين الخلق لأن الوجه واليد والعين في حق المخلوق أجسام إما لطيفة وإما كثيفة فوجه الملَك ويده وعينه جسمٌ لطيف، ووجه الإنسان ويده وعينه جسم كثيف فمن فسّرَ الوجه واليد والعين المضافات إلى الله تعالى بمعنى الجسم كفر لأنه شبّه خالقه بخلقه، لأن العالم جسم لطيف وجسم كثيف والله هو الذي أنشأ الجسم اللطيف والجسم الكثيف وأوجده بعد أن كان معدوماً، فكيف يكون الله جسماً لطيفاً كالملائكة والنور أي الضوء أو جسماً كثيفاً كالبشر. لو كان الله جسماً لطيفاً أو كثيفاً لكان مثلاً لنا يجوز عليه التغير والمرض والضعف والزيادة والنقصان، وهذا يمنعه العقل والشرع أما العقل فإنه يستحيل عقلاً أن يشبه الخالق مخلوقه بوجه من الوجوه، وأما الشرع فقد أنزل الله في القرءان {ليس كمثله شيء} سورة الشورى/ 11، فإن هذه الآية صريحة في أن الله لا يشبه العالم اللطيف ولا العالم الكثيف بوجه من الوجوه.
تنبيه: ثبوت السمع لله والبصر أي الرؤية يُدرك بالإستدلال العقلي فمن أنكر ذلك أو شكّ كفر سواء كان متعلماً أو غير متعلم.
تمّت القواعد المهمة وسبحان الله وبحمده والحمد لله ربّ العالمين