www.sunnaonline.org

من صفات الله: العلم

علمُ الله صفةٌ أزليةٌ أبدية ثابتةٌ لله تعالى، والله تعالى يعلمُ بعلمهِ الأزلي كل شئٍ، يعلمُ ما كانَ وما يكون وما لا يكون، ولا يقبلُ علمُهُ الزيادةَ ولا النقصانَ فهو سبحانه وتعالى محيطٌ علمًا بالكائناتِ التي تحدُثُ إلى ما لا نهايةَ له، حتى ما يحدُثُ في الدار الآخرةِ التي لا انقطاعَ لها يعلمُ ذلك جملةً وتفصيلاً، قال تعالى {وكانَ الله بكلِّ شئٍ مُحيطًا} سورة النساء/126.

وعِلمُ الله تعالى أعمُّ من الإرادةِ والقدرة، فالإرادةُ والقدرةُ تتعلقانِ بالممكنات العقليةِ أما علمهُ يتعلقُ بالممكنات العقليةِ والمستحيلاتِ وبالواجبِ العقلي. وأما قوله تعالى
{ولا يُحيطونَ بشئٍ من علمهِ إلا بما شاءَ} سورة البقرة/255 ، فمعناهُ أن أهل السمواتِ وهم الملائكة وأهل الأرض من أنبياء وأولياء فضلاً عن غيرهم لا يحيطون بشئ من علمه أي معلومه إلا بما شاء أي إلا بالقدرِ الذي شاء الله أن يعلموه، هذا الذي يحيطون به.

أما قول الله تعالى
{قُلْ لا يعلمُ مَن في السمواتِ والأرضِ الغَيْبَ إلا الله} سورة النمل/65، فالمنفيُّ عن الخلق علمُ جميع الغيب أما بعضُ الغيب فإن الله يُطلِعُ عليه بعض البشر وهم الأنبياء والأولياءُ والملائكة، وأما من ادعى أن الرسول يعلمُ كل ما يعلمه الله فقد سوَّى الرسول بالله وذلك كفرٌ.

ولا فرق بين من يقول الرسول يعلم كل ما يعلم الله من باب العطاء أي أن الله أعطاه ذلك ومن يقول إنه يعلم كل ما يعلمه الله من غير أن يعطيه الله ذلك وكلا الاعتقادين كفر من أبشع الكفر لأن الله تعالى لا يصح عقلاً ولا شرعًا أن يعطي أحدًا من خلقه جميع ما يعلمه، لأن معنى إن النبي يعلم كل ما يعلم الله من باب العطاء أن الله تعالى يساوي خلقه بنفسه وهذا مستحيل. فهذا القائل كأنه يقول الله يجعل بعض خلقه مثله والعياذ بالله. وكيف خفي على بعض الناس فساده فتجرءوا بل صاروا يرون هذا من جواهر العلم، فلو قيل لهؤلاء فعلى قولكم هذا يصح أن يجعل الله الرسول قادرًا على كل شئ الله قادر عليه فماذا يقولون. حسبنا الله. وهذا من الغلو الذي نهانا الله عنه ورسوله. وهؤلاء يزعمون أن هذا من قوة تعظيم الرسول ومحبته. وهؤلاء لهم وجود في فرقة تنتسب إلى التصوف في الهند.

وأما قوله تعالى
{عالمُ الغيبِ فلا يُظهِرُ على غيبِهِ أحدًا * إلا مَنِ ارتضى من رسولٍ فإنَّهُ يَسْلُكُ من بينِ يديهِ ومن خلفهِ رَصَدًا} سورة الجن/26-27، فلا حجة فيه لمن يقول إن الرسل يطلعهم الله على جميع غيبه كهذه الفرقة المذكورة إنما معناه أن الذي ارتضاه الله من رسول يجعلُ له رصدًا أي حفظةً يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الشيطان، فـ( إلا) هنا ليست استثنائية بل هي بمعنى "لكن"، فيُفهمُ من الآيةِ أن علمَ الغيبِ جميعه خاصٌّ بالله تعالى فلا يتطرقُ إليه الاستثناء فتكونُ الإضافةُ في قوله تعالى (على غيبه) للعموم والشمول من باب قول الأصوليين المفردُ المضاف للعموم، فيكون معنى غيبه أي جميع غيبه، وليس المعنى أن الله يُطلعُ على غيبهِ من ارتضى من رسول فإن من المقرر بين الموحدين أن الله تعالى لا يساويه خلقهُ بصفةٍ من صفاته، ومن صفاته العلمُ بكل شئ قال تعالى {وهوَ بكل شئٍ عليمٌ} سورة الأنعام/101، والعجب كيف يستدل بعض الناس بهذه الآية على علم الرسل ببعض الغيب إنما الذي فيها أن الله هو العالم بكل الغيب، ولكن الرسل يجعل الله لهم حرسًا من الملائكة يحفظونهم. وأما اطلاع بعض خواص عباد الله من أنبياء وملائكة وأولياء البشر على بعض الغيب فمأخوذ من غير هذه الآية كحديث [اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله]. فلو كان يصحُّ لغيره تعالى العلم بكل شئ لم يكن لله تمدحٌ بوصفهِ نفسه بالعلم بكل شئ، فمن يقول إن الرسول يعلم بكل شئ يعلمه الله جعلَ الرسول مساويًا لله في صفة العلم فيكونُ كمن قال الرسول قادرٌ على كل شئ وكمن قال الرسول مريدٌ لكل شئ سواءٌ قال هذا القائل إن الرسول عالمٌ بكل شئ بإعلام الله له أو لا فلا مُخلصَ له من الكفر.

ومما يُردُّ به على هؤلاء قوله تعالى {وعندهُ مفاتِحُ الغيبِ لا يعلمُها إلا هو} سورة الأنعام/59، وقوله {عالم الغيبِ والشهادةِ} سورة الأنعام/73، فإنّ الله تبارك وتعالى تمدَّحَ بإحاطته بالغيب والشهادة علمًا. ومما يُردُّ به على هؤلاء أيضًا قوله تعالى {قُل ما كنتُ بِدعًا منَ الرُّسُلِ وما أدري ما يُفعَلُ بي ولا بِكُمْ إن أتَّبِعُ إلا ما يُوحى إليَّ} سورة الأحقاف/9 فإن كان الرسول بنصّ هذه الآية لا يعلمُ جميع تفاصيل ما يفعله الله به وبأمته، فكيفَ يتجرأ متجرئ على قول إن الرسول يعلمُ كل شئ، وقد روى البخاري في الجامع حديثًا بمعنى هذه الآية وهو ما وردَ في شأن عثمان بن مظعون، فقائلُ هذه المقالة قد غلا الغُلوَّ الذي نهى الله ورسوله عنه قال الله تعالى {قُل يا أهلَ الكِتابِ لا تَغْلوا في دينكم} سورة المائدة/77، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إياكم والغلوَّ فإن الغلو أهلكَ من كان قبلكم] رواه ابن حبان، وقد صحّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال [لا ترفعوني فوق منزلتي].

وروى البخاري في الجامع من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إنكم محشورون حفاةً عُراةً غُرلاً ثم قرأ {كما بدأنا أوَّلَ خَلْقٍ نعيدُهُ وعْدًا علينا إنَّا كُنَّا فاعلين} وأولُ من يُكسى يوم القيامة إبراهيم وإنه سيُجاءُ بأناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقولُ هؤلاء أصحابي فيُقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدينَ على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول سُحقًا سحقًا أقول كما قال العبدُ الصالح {وكنتُ عليهم شهيدًا ما دُمْتُ فيهم} إلى قوله {العزيزُ الحكيم}].

ومن أعجب ما ظهرَ من هؤلاء الغلاةِ لما قيلَ لأحدهم: كيف تقول الرسول يعلم كل شئ يعلمه الله وقد أرسلَ سبعين من أصحابه إلى قبيلة ليعلموهم الدين فاعترضتهم بعضُ القبائل فحصدوهم، فلو كان يعلمُ أنه يحصُلُ لهم هذا هل كان يرسلهم؟ فقال: نعم يرسلهم مع علمه بذلك. وهذا الحديث رواه البخاري وغيره.

ومثل هذا الغالي في شدة الغلو رجلٌ كان يدّعي أنه شيخُ أربع طُرق فقال: الرسول هو المرادُ بهذه الآية {هو الأول والآخرُ والظاهرُ والباطنُ وهو بكل شئٍ عليم} وهذا من أكفر الكفر لأنه جعلَ الرسول الذي هو خلقٌ من خلقِ الله أزليًّا أبديًا لأنّ الأول هو الذي ليس لوجودهِ بدايةٌ وهو الله بصفاتهِ فقط.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : العقــيدة الإســلامية
الزيارات : 6626
التاريخ : 28/12/2010