الحمد رب العالمين، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمّد الطاهر الأمين المبعوثِ رحمةً للعالمين وعلى ءاله واصحابه أجمعين. أما بَعْدُ فَقَدُ قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾ الأحزاب / 64 - 65. إن أعظم حق لله تعالى على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا لأن الكفر هو أكبر الذنوب وأشدها ومن مات عليه فلا يستحق رحمة الله تعالى ولا يغفر الله له بل هو خالد في جهنم إلى أبد الآبدين لا ينقطع ولا يخفف عنه العذاب إلى ما لا نهاية له ومأواه جهنم وبئس المصير.
إخوة الإيمان، إنَّ أَولى ما يجب على الإنسان أن يحفظ نفسه ويتقيه هو الكفر لأن الكفر هو أشد الذنوب التي توجب سخط الله تعالى, وقد يغفر الله تعالى أي ذنب للعبد إذا كان دون الكفر أما الكفر فلا يغفر لمن مات عليه فقد قال الله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُم﴾ محمد / 34 . وقال تعالى ﴿إنَّ اللهَ لاَ يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ النساء / 48. وليعلم أن الكافر هو أحقر خلق الله تعالى فقد قال تعالى ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون﴾ الأنفال / 55. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ما يسوقه الجُعَلُ بأنفه خَيٌر عند الله من هؤلاء المشركين" والجُعَلُ حشرة تأتي القذر الذي يخرج من بني ءادم فتجعل منه حبيبات صغيرة وتأخذه لتقتات به, فالرسول قال عن الوسخة التي يسوقها الجُعَلُ "خَيٌر عند الله من هؤلاء المشركين".
فالكافر وإن كان متنعما في الدنيا بالصحة والمال فلا ينفعه عند الله تعالى ولن يدوم له بل لا بد أن يفارق هذه الدنيا ويزول منه هذا النعيم, ومهما عاش في هذه الدنيا فمصيره إلى الموت، قال تعالى ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّر﴾ سورة البقرة / 96. فالموت هو هادم اللذات والكافر نعيمه يناله في الدنيا فقط وعند الله ليس له إلا العذاب, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر". فبمجرد ما يكون على فراش الموت يبدأ عليه العذاب والنكد, فقد ورد أن الكافر لما يكون في حال النزاع يأتيه ملك الموت عزرائيل فيقول له: أبشر بسخط الله وعذابه, فيزداد كراهية للموت وبغضًا له, وتأتي إليه ملائكة العذاب فيراهم ويزداد خوفًا لأن منظرهم مخيف جدًا, فإذا ما قبض عزرائيل روحه خرجت منه كما يخرج خيط الصوف من بين الأشواك فيحس بألم شديد جدًا, فقد ورد في الحديث أن ألم سكرة الموت أشد من ألف ضربة بسيف.
ولما تخرج روحه من جسده تأخذها ملائكة العذاب فورًا, لا يتركونها في يد عزرائيل طرفة عين, ويشم ملائكة السماء لهذه الروح رائحة نتنة فتغلق لها أبواب السماء, قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء﴾ الأعراف / 40. فينزل بها الملائكة إلى الأرض السابعة في مكان اسمه سجين فتسجل هناك في ديوان الفجار ثم تعود روحه إلى الأرض فتبقى فوق الجسد الذي يكون قد تغير لونه بسبب ضرب الملائكة له, قال تعالى ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُم﴾ محمد / 27.
وتبقى الروح فوق الجسد فيؤخذ إلى القبر والروح فوق الجسد تقول: أخروني أخروني, ولكن الملائكة تجرها جرًا, فإذا وضع في قبره وأهيل عليه التراب تعود إليه الروح كما كان في الدنيا, فقد ورد أن سيدنا عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: أترد علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "نعم كهيئتكم اليوم". فإذا انصرف عنه أهله أتاه الملكان منكر ونكير فيقعدانه كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم, ويسألانه: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فيقول: لا أدري..كنت أقول ما يقول الناس فيه, فيقال: لا دريت ولا تليت, ثم يضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين, والثقلان هما الإنس والجن.
وورد أيضًا أنه يقال للأرض التئمي فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه, فتدخل عظام الجهة اليمنى في عظام الجهة اليسرى, ويفتح من قبره طاقة إلى جهنم فيرى مقعده من النار, وتعرض عليه النار كل يوم مرتين مرة أول النهار. قال الله تعالى ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب﴾ غافر/ 46. ولا يزال الكافر معذبًا إلى أن يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك, حتى ولو بلي الجسد لأنه بعد بلى الجسـد تذهب روح الكافر إلى سجين في الأرض السفلى فيكمل لها العذاب.
فإذا قامت الساعة يعاد تركيب الجسد وترد إليه الروح ويحشر الكفار حفاة عراة يجرون على وجوههم ويكونون تحت حر الشمس, فهذه الشمس تدنو يوم القيامة في موقف الحشر من رؤوس العباد فتكون قريبة جدًا منهم ولكنهم لا يموتون من شدة حرها لأن الله ما كتب الموت في الآخرة, فالكافر يكون تحت حر الشمس لا يظله شيئ ويعرق عرقًا شديدًا ولكن العرق لا يجري على الأرض بل يجتمع حوله ولا يزال يغمره حتى يغرق في عرقه ويطول عليه الموقف وهو في هذه الحال, والهول عظيم, والخطب جليل, فهو في عذاب لم ير في الدنيا مثله لأن كل أهوال الدنيا ومصائب الدنيا هي كلا شىء أمام أهوال ومصائب يوم القيامة لذلك قال تعالى ﴿مَالِكِ يَومِ الدِّينِ﴾ الفاتحة/4. هو الله تعالى مالك الدنيا والآخرة, وإنما قال ﴿مَالِكِ يَومِ الدِّينِ﴾ حتى يفهمنا عظم أمور ذلك اليوم, وهو اليوم الذي قال فيه ربنا ﴿يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَئٌ عَظِيمٌ، يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّآ أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ولَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾ الحج / 1- 2.
والموقف طويل فقد ورد أن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة قال تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة﴾ المعارج / 4. ويزداد الكافر خوفا فهو يرى الأهوال العظام, فإن هذه الأرض تدك فتصير الجبال غبارًا ناعمًا, قال تعالى ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب﴾ سورة النمل/ 88. والبِحَارُ تَتَفَجَرُ نَارًا, قال تعالى ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت﴾ التكوير / 6. والسماء تتشقق, فأهوال القيامة أهوال عظيمة والكافر يرى الأهوال ويرى ما هو فيه من الضيق وقد غرق في عرقه وهو تحت حر الشمس وطال عليه الموقف, فيظن أن هذا أشد العذاب فيقول: رب أرحني ولو إلى النار, فإذا دخل النار وجد العذاب الأكبر فيقول: يا ليتني كنت ترابًا معناه يا ليتني كنت في الدنيا بهيمة حتى أصير الآن ترابًا ولا أتعذب هذا العذاب, يقول ذلك بعد ما يرى أن الله يجمع البهائم ويقتص من بعضها إظهارا للعدل, أي أن البهيمة التي ءاذت بهيمة أخرى في الدنيا؛ يوم القيامة ترد تلك البهيمة ذلك للمؤذية, قال عليه الصلاة والسلام "حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" يحصل ذلك كي يراه العباد فيقولون في أنفسهم إن كان الأمر بين البهائم هكذا فكيف نحن الآن, معناه إنه لا يضيع حق لعبد في ذلك اليوم, قال تعالى ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلآ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ سورة الكهف / 49, ثم بعد ذلك, الله تعالى يفني البهائم فتصير ترابًا لأنها لا تدخل إلى الجنة ولا إلى النار, فالكافر لما يرى ما هو فيه من العذاب الشديد يتمنى لو كان بهيمة في الدنيا حتى يصير ترابًا مع البهائم كي لا يتعذب, وما ذاك إلا من شدة الآلام التي يلاقيها في جهنم.
ثم جهنم سوداء مظلمة ليست حمراء كما يظن بعض الناس فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أُوقد على النار ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة". وقد ورد في الحديث أن نار الدنيا جزء من سبعين جزء من نار جهنم, فجهنم حرها شديد وقعرها بعيد, فقد ورد في الحديث أن النبي كان جالسًا مع أصحابه فسمعوا وجبة (أي صوتًا) فقال عليه الصلاة والسلام: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, فقال: هو حجر رمي به في جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها. فالإنسان لو فكر لوجد أنه لا يستطيع ان يتحمل نار الدنيا بل ولا حر الدنيا فكيف سيتحمل نار جهنم التي هي أشد بتسعة وستين جزءًا. تلك النار التي وقودها الناس والحجارة وقد وصف الله تعالى شدتها في القرءان فقال: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظ﴾ الملك/8. وقال عليه الصلاة والسلام "شكت النار إلى ربها فقالت يا ربي ءاكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين فأشد ما يكون من الحر في الصيف فمن نفس جهنم وأشد ما يكون من البرد في الشتاء فمن نفس زمهرير".
فجهنم فيها عذاب بالبرد الشديد ليس فقط بالنار. وعذاب جهنم ليس كما يدعي بعض الجهال أنه عذاب روحي وحسي, فيها نكد, وفيها عذاب حسي, عذاب بالجسد, فقد قال تعالى ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَاب﴾ النساء/ 56 . فهذه الآية دليل على العذاب الحسي لأن الحرق والألم في الجلد, حتى إن بعضهم يقول إن هذه الآية دلالة على عظم القرءان الكريم, لأنهم في الطب يقولون النار تحرق, فإذا كان الحريق من الدرجة الأولى يشعر الإنسان بألم شديد أما إن كان فوق الدرجة الثالثة لا يشعر بذلك الألم الشديد لأن الجلد ذهب, إذًا عذاب الحريق مع بقاء الجلد, فإذا ذهب الجلد لا يبقى عذاب الحريق, فهذه الآية من ألف وأربعمائة سنة دليل أن القرءان ليس من تأليف البشر وإنما من رب البشر؛ وما ذكره الله في هذه الآية اكتشفه علماء هذا العصر, وهذا دليل على أن القرءان من عند الله تعالى لأنه يعلمنا بأن الألم بالحريق شئ يختص بالجلد فإذا ذهب الجلد يبدله جلدًا ءاخر ليكون العذاب متواصلاً على الشخص الكافر. كذلك مما يدل على العذاب الحسي قول الله تعالى ﴿وَسُقُوا مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُم﴾ محمد / 15. إذا كان الحريق في الجلد فإن عذاب الآلام الداخلية يكون بالتشقق, بالتقطع, ليس حريقًا داخليًا وإنما تقطع ليشعروا بالعذاب, وهذا دلالة أيضا على عظمة القرءان.
فجهنم فيها عذاب جسدي بالإضافة إلى العذاب الروحي, طبعًا العذاب الروحي كثير جدًا, هناك ءايات كثيرة في القرءان تعلمنا بأن الكفار في نكد لا يستطيعون الخروج, لا يستطيعون الفرار من النار, رب العالمين جعل على النار خزنة فلا يستطيع أحد الخروج قال تعالى ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار﴾ سورة البقرة/ 167. وقال تعالى ﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ المائدة/ 37. فالكافر ليس له خروج من النار بل هو خالد فيها أبدًا لا ينتهي عنه العذاب ولا يخفف كما بين ربنا في القرءان الكريم ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُون﴾ البقرة/ 86. وقال تعالى ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِين﴾ الزخرف/ 74 - 75 - 76. حتى الموت لا يجدونه في جهنم لأنه راحة لهم من العذاب, قال تعالى ﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾ فاطر/ 36 . وقال تعالى ﴿ثُمَّ لا يُمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا﴾ الأعلى/ 13. معناه لا يموت فيرتاح من العذاب ولا يحيا حياة هنيئة, لا يموت لأن الموت فيها راحة له من العذاب, ولا يحيا حياة مستريح بل هو في نكد وعذاب أليم, حاله كما وصف الله تعالى في القرءان الكريم ﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ الكهف/ 29.
طعام الكفار في جهنم من الزقوم, وهو أشد ما خلق الله تعالى من المرارة. قال تعالى ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ الدخان/ 43- 44 -45 -46، وقال تعالى ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ، إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِِيِم، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، فَإِنَّهُمْ لأَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ﴾ الصافات/ 62 - 68. وكذلك يأكل أهل النار من الغسلين قال تعالى ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ، وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ، لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُون﴾ الحاقة/35 - 36 - 37. وقد ورد أنه لو نزل دلو من غسلين إلى الدنيا لأفسد على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمن يكون هذا طعامه. فالكافر في جهنم يأكل من الزقوم ومن غسلين, ففي طعامه عذاب ومع ذلك لا ينزل هذا الطعام بسهولة بل مع غصة, قال تعالى ﴿إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيمًا، وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا﴾ المزمل/ 12 – 13 فيتذكر بما كان يذهب الغصة في الدنيا فيطلب الماء فيسقى من الحميم وهو الماء المغلي إلى أقصى درجات الغليان, فإذا قرب من وجهه سقط لحم وجهه فإذا دخل إلى جوفه قطع أمعاءه وخرجت من دبره فلا يسقى من ماء مروي لأن الله حرم الماء المروي على أهل النار كما قال تعالى ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُواْ إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ سورة الأعراف/ 50. معناه أن الله تعالى حرم على الكافرين في جهنم الرزق النافع والماء المروي بل يسقون الحميم الذي يصب أيضا على رؤوسهم, وثيابهم من نار, قال تعالى ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَآ أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق﴾ الحج/ 19 - 22.
والنار أمامهم وخلفهم وعن يمينهم وعن يسارهم ومن فوقهم ومن تحتهم فهي تحيطهم من كل جهة قال تعالى ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ، يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ العنكبوت/ 54 - 55. فالكفار في جهنم في ذل ما بعده ذل وهوان ما بعده هوان فقد ورد أنهم يستغيثون بمالك خازن النار فيجيبهم بعد ألف سنة إذلالاً لهم, واستغاثتهم هذه ليست للخروج بل يطلبون الموت من شدة العذاب, قال تعالى ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ، لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ الزخرف/ 77 - 78. يجيبهم بعد ألف سنة جوابا يزيدهم همًا وغمًا ونكدًا بأنه ليس لهم خروج من النار.
وقد ورد أن يوم القيامة بعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار بحيث لا يبقى فيها مسلم عاص يؤتى بالموت على صورة كبش فيذبح وينادي مناد يا أهل الجنة خلود فلا موت بعد ذلك ويا أهل النار خلود فلا موت بعد ذلك, ثم تقرب النار من الجنة مع بعد المسافة بينهما, لأن النار مركزها تحت الأرض السابعة والجنة فوق السماء السابعة, مع ذلك تقرب جهنم يوم القيامة من الجنة فيحصل خطاب بين أهل الجنة وأهل وقد جاء في هذا الخطاب قول الله تعالى ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ﴾ الأعراف/ 44. فيزداد المؤمنون فرحًا بنعيمهم ويزداد الكفار نكدًا فوق نكدهم.
فكل هذا يظهر لنا خطورة الكفر والعياذ بالله تعالى الذي يوصل الإنسان إلى كل هذا الهوان والعذاب, فحري بالإنسان أن يتجنب الكفر بجميع أنواعه بل ويتجنب المعاصي كلها لأن غمسة واحدة في نار جهنم تنسي الإنسان حلاوة الدنيا ولو عاش فيها عمر نوح. فلنعمل في هذه الدنيا قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم فقد قال أحد الأولياء: مثلت نفسي في نار جهنم ءاكل من زقومها وأشرب من حميمها وأتعثر بأغلالها فقلت: أي نفس ما تريدين؟ فقالت: العودة إلى الدنيا لعلي أعمل صالحًا، فقلت: أي نفسي أنت الآن في الأمنية فاعملي.
فنحن الآن في المكان الذي يتمناه الإنسان لو كان في العذاب فلنعمل بما يرضي الله تعالى, لأن الإنسان يوم القيامة إذا كان من أهل النار وأراد أن يفتدي نفسه بملء الأرض ذهبا لا يقبل منه, قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِه﴾ ءال عمران/ 91. وقال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ المائدة/ 36 - 37. ومن شدة الموقف الذي هو فيه يود لو ينجو باية وسيلة حتى ولو ضحى بأبنائه وأقربائه وأحبابه في الدنيا, قال تعالى ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ، وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيه﴾ المعارج/ 11- 14.
فنسأل الله تعالى أن ينجينا من عذاب يوم القيامة وأن يرزقنا العمل الصالح الذي يرضيه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | الخــطب والـــدروس |
الزيارات : | 5739 |
التاريخ : | 22/12/2010 |
|