www.sunnaonline.org

بعض الحوادث التي جرت في عاشوراء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ءاله وصحبه، أما بعد


إخوة الإيمان:

إن من أفضلِ أيام السنةِ الهجريةِ المباركةِ يومَ عاشوراء، وهو العاشر من مُحَرّم، الذي وقعت فيه حوادث فاصلة. ففي هذا اليوم تابَ الله على ءادم، وقيل: هو اليوم الذي أُهْبِطَ فيه ءادم الى الأرض، ونجى الله سفينةَ نوحٍ، ونجى الله مُوسى، وأغرق فِرْعَوْنَ، ونجّـى يُونُسَ من بطنِ الحوت، وقيــل هو اليوم الذي تيبَ فيه على قومِ يُونسَ، وأعطى المُلك لسُليمــان، ونجى أيوب من ضُرِّه، وفيه حصلت غزوة ذاتِ الرِّقَاع في السنة الرابعةِ للهجرة، وفيهِ استُشهِد الإمام الحُسَيْن فكان ذلك فاجعة ألمّت بالمسلمين وذلك في كَرْبَلاء يوم الجمعة في العاشر من مُحَرّم لسنة إحدى وستين للهجرة .

۱ - توبة ءادم يقول الله تعالى: ﴿ وَعَصَى ءادمُ ربَّهُ﴾ وقال الله تعالى: ﴿ فَتَلقَّى ءادمُ من ربّهِ كلماتٍ فتابَ عَلَيْهِ إنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيم ﴾ سورة البقرة ءاية ۳۷، وأخبر عنه وعن زوجه انّهُما قالا: ﴿ رَبَّنا ظَلَمْنَا أنْفُسَنا وإنْ لَمْ تَغْفِر لنَا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ منَ الخَاسِريْن﴾ سورة الأعراف ءاية ٢۳، وأخبر عن نوح أنه قال: ﴿ وإلا تَغْفِرْ لي وتَرْحَمْني أكُنْ منَ الخَاسِرين﴾ سورة هود ءاية ٤۷، وأخبر عن موســى أنه قال: ﴿ ربِّ إني ظلمتُ نَفْسٍي فاغْفِرْ لـِـــي﴾ سورة القصص ءاية ۱٦، وأخبـر عــن ذي النـُّـــون وهو يُونس أنه قــــــال: ﴿ لا الهَ إلا أنتَ سُبْحانَكَ إنـّـي كُنْتُ مِنَ الظّالمِيـــن ﴾ سورة الأنبياء ءاية ۸۷.

وفي الحديث الذي رواه أبو داود: " دعاء ذي النون في بطن الحــوت:﴿ لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له. فالشرع الحنيف يحث على تجديد التوبة النصوح في يوم عاشوراء وترجية لقبول التوبة ممن تاب فيه الى الله من ذنوبه.  وفي دعاء الاستفتاح الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح به: " الله أنت ربي لا اله إلا أنت ظلمتُ نفسي واعترفتُ بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت " أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود.  وفي الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم للصّدّيق أن يقوله في صلاته: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم". أخرجه البخاري ومسلم والنسائي. وفي حديث شداد بن أوس عن النبي: "سيّدُ الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك وأبوءُ بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت". رواه البخاري والترمذي والنسائي وأحمد.

٢ - نوح عليه السلام أول رسول أرسل إلى قوم كفار، وظل يدعوهم إلى الإسلام، تسعمائة وخمسين سنة، وهم يكذبونه ويسبونه ويضربونه أحيانا حتى يُغشى عليه، ثم الله تعالى أوحى إليه قال له لا يؤمنُ أحد من قومك إلا الذين ءامنـــوا قبل هذا، وكان ءامن معه قبل ذلك نحو ثمانين شخصا ما بين رجال ونساء، وعند ذلك نوح دعا أن يهلكهم الله ولا يتـرك أحدا منهم، الله تعالى أرسلَ ماءً من السماء على خلافِ العادة، وأمر الأرض بأن تخرج ماءها، أخرجت الأرض ماءها أربعين يوما، ظل الماء ينبع أربعين يوما قبل أن ينـزل ماء السماء، لو نزل ماء السماء أولا لخرّب الجبال وشقق الأرض تشقيقا من قوته، لكن هذا الماء الذي نبع من الأرض تحمّل ماء السماء ثم أنزل الله ماءً من السماء ليس كالمطر الذي ينـزل اليوم، لا، كل قطرة كالجبل.

وارتفع الماء حتى غطى كل جبال الدنيا وعلا فوق أعلى جبل في الأرض مسيرة خمسة عشر ذراعا، أغرق الله الكفار كلهم الكبار والصغار حتى الأطفال الرضع ما بقي على وجه الأرض إنسان كافر لأنّ الله يعلمُ أن صغارهم لو عاشوا لكفروا، وأما نوح والذين ءامنوا معه كانوا في السفينة، الله علّمَهُ أن يعمل سفينة من شجرة نبتت يوم ولد نوح، هذه الشجرة صارت ضخمة كبيرة، من هذه الشجرة بنى السفينة، كان طولها نحو ثلاثمائة ذراع وعرضها نحو ثمانين، ثم ظل نوح ومن ءامن معه في السفينة ستة اشهر وأياما، وفي هذه المدة أخذتهم السفينة الى عرفات ثم إلى مزدلفة ثم إلى منى إلى حيث الجمرات ثم إلى الكعبة أي موضعها وطافت به سبعا ثم بين الصفا والمروة سبعا، أي إلى الأماكن التي الحاج يدور إليها.

ثم الله تعالى أمر الأرض بأن تبلـع ماءها والسماء أقلعت ماءها ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ سورة هود ءاية ٤٤، ثم الأرض اختزنت الماء الذي أنبَعَته والماء الذي نزل من السماء وبعدما نشفت الأرض استقرت السفينة على جبل في العراق اسمه الجودي، ثم نزل نوح والذين ءامنوا إلى الأرض آمنين سالمين، وكان قد ادخل معه نوح الى السفينة من كل نوع من البهائم اثنين ذكر وأنثى.

۳ - موسى عليه السلام قد لقي من فرعون واتباعه ما لقي من الأذى، فخرج موسى ومن تبعه من بني إسرائيل من مصر، بعد أن أرسله الله هو وأخاه هارون إلى فرعون ليدعواه إلى الإسلام فأظهر جبروته ثم ءال الأمر إلى أن ذهب موسى بمن ءامن به من بني إسرائيل من مصر، فلحقه فرعون هو ومن معه ليبيده، وكان مع موسى عليه الصلاة والسلام ستمائة ألف شخص، وخرج مع فرعون ألف ألف وستمائة ألف من المقاتلين فلما وصل إلى البحر أوحى الله له أن يضرب بعصاه البحر فانفلق البحر اثني عشر فرقا بين كل فرقين طريق يبس فاجتاز موسى ومن كان معه من المؤمنين، ثم جاء فرعون بعُدده وعَدده فوجد البحر على تلك الحال فقال لنلحقنهم لندركهم فدخل، فأمر الله البحر أن يلتطم فالتطم عليه، هذه الأمواج القائمة التطمت عليه، فهلك هو وجنوده، فقال بعض أتباعه إنه اختفى ولم يمت فأظهر الله تعالى جسده فوُجِد منتفخا.

٤ - وأما يونس عليه السلام أرسله الله إلى أهل نينوى كانوا في أرض الموصل بالعراق ليدعوهم إلى الإسلام وكان عددهم أكثر من مائة ألف، بقي ثلاثا وثلاثين سنة، يدعوهم إلى الإسلام ولم يؤمن به غير رجلين. فتركهم وخرج قبل أن يأمره الله، وقال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ومعنى ﴿ مُغَاضِبًا ﴾ لقومه لا لربه، فظن أننا لن نضيق عليه لتركه لقومه. فركب يونس السفينة ثم هاج بهم البحر واضطرب بشدة فقال من في السفينة: إن فينا صاحب ذنب، فأسهموا واقترعوا فيما بينهم على أن من يقع عليه السهم يلقونه في البحر، ثلاث مرات وتقع القرعة على يونس. فأراد يونس أن يُلقي نفسه في البحر، وهو يعرف أنه لا يتضرر، ولا يريد الانتحار، فالتقطه الحوت، ومكث ثلاثة أيام في بطن الحوت، فهناك في ظلمة الليـــل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت سمع تسبيح الدواب ﴿ فنادى أن لا اله إلا أنت سبحانك اني كنتُ من الظالمين﴾.  فأمر الله الحوت أن يلقيه في البر، فألقاه بالعراء وهو المكان القفر ليس فيه أشجار وهو مريض ولم يخدش الحوت له لحمًا ولم يكسر له عظمًا، وأنبت الله له شجرة اليقطين الذي لا يقربه ذباب وورقه في غاية النعومة وورقه كبير ليظلله. أما قومه لما أدركوا أنهم سيعذبون، أرادوا التوبة فبحثوا عن يونس فلم يجدوه فألهمهم الله التوبة وءامنوا بالله وبرسوله يونس، كانوا خرجوا من القرية ولبسوا المسوح وهي ثياب من الشعر الغليظ وحثوا على رءوسهم الرماد .

٥ - وأعطى الله الملك لسليمان عليه السلام، الله أعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، كان غنيا جدا. سيدنا سليمان عليه السلام كان يطعم كل يوم مائة ألف نفس، وحين يقلون يطعم ستين ألفا، كان يذبح كل يوم مائة ألف شاة وثلاثين ألف بقرة ويطعمها الناس ويطعمهم خبز القمح الصافي، أما هو لنفسه كان يأكل خبز الشعير يبله في اللبن الحامض ويأكله مع أنه أعطاه الله ملكا ما أعطاه لغيره.

٦ - ونجا أيوب من الضُّر. نبي الله أيوب عليه السلام ابتلاه الله في جسده وفي ماله وفي أولاده، تلف ماله، ومات أولاده، ومرض ثمانية عشر عامًا، ولكن ليس مرضا منفرا كخروج الدود، فصبر ولم يزدد إلا رضىً عن الله فزاده الله درجات، ذاتَ يوم أخرجته زوجته لقضاء الحاجة، ثم رجعت، فأبطأ عليه، أوحى الله إليه أن ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ فركل الأرض برجله فنبع له ماءٌ، فاغتسلَ منه وشربَ، فعاد كما كان، ثم أقبل يمشي فلقِيَته امرأته فلم تعرفه قالت: هل رأيت نبي الله أيوب وقدكان أشبه الناس بك حين كان صحيحًا، فقال: أنا هو. ثم بعث الله سحابتين، فأفرغت الأولى على بيدره من القمح الذهبَ حتى فاض، وأفرغت الأخرى على بيدر الشعير الفضة حتى فاض، وأعطاه الله تعالى بدل ما فقد من الأولاد أكثر مما كان له.

- وفي يوم عاشوراء حصلت غزوة ذات الرقاع في السنة الرابعة للهجرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ومعه من أصحابه سبعمائة مقاتل يريد قبائل من نجد وهم بنو محارب وبنو ثعلبة من بني غطفان ( واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ) وكانوا قد غدروا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقتلوا سبعين من الدعاة الذين أرسلهم النبي للدعوة إلى دين الإسلام وتعليم الناس الخير، وبعد أن تهيأ المشركون لقتال النبي وأصحابه لما علموا بخروجه وتقارب الفريقان قذف الله الرعب في قلوب قبائل المشركين فهربوا تاركين وراءهم نساءهم، فلم تقع حرب وقتال وكفى الله نبيه ومن معه من الصحابة شرّ هذه الجموع الكافرة.

وسُميت بذات الرقاع لأن الصحابة لفوا على أرجلهم الخِرَق بسبب ما أصاب أقدامهم في هذه الغزوة من جراح تساقطت فيها أظافرهم لما اصطدمت بالحجارة والصخور. ولما رجع رسولُ الله وأصحابه من هذه الغزوة، أدركهم وقت القيلولة في واد كثير الأشجار ونزل الصحابة وتفرقوا يستظلون الشجر ونزل النبي وحده تحفه العناية الربانية وعلق بالشجرة سيفه الزاهر، وبينما هو نائم تسلل إليه مشرك وأخذ بسيف النبي وتصدى له يريد أن يفتك به، فما انتبه النبي إلا وهذا المشرك فوقه والسيف في يده وهو يقول للنبي: من يمنعك مني، فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم بلسان التوكل على الله "الله " فيسقط السيف من يد المشرك فيأخذه النبي ويقول له: " من يمنعك مني" فيقول له المشرك: كن خير ءاخذ. فتركه النبي وعفا عنه فذهب المشرك إلى قومه وهو يقول جئتكم من عند خير الناس.

- وفي اليوم العاشر من شهر محرم سنة إحدى وستين من الهجرة جرت حادثة مروعة مفجعة ومصيبة كبرى فظيعة ألمت بالمسلمين وأفجعتهم وملأت القلوب حزنا وأسى ومرارة ففي يوم الجمعة في العاشر من شهر محرم، قُتل الإمام أبو عبد الله الحُسين بن علي، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن بنته فاطمة الزهراء رضي الله عنهم على أيدي فئة ظالمة، فمات الحُسين شهيدا سعيدا، وهو ابن ست وخمسين سنة، وهـو الذي قال فيه الرسول وفي أخيه:" الحَسَن والحُسَين سيدا شباب أهل الجنة" رواه الترمذي وأحمد والطبراني. ودعــا رسول الله للحَسَن والحُسَين فقال: " اللّهُمّ إني أحبُّهما فأحِبَّهُما ". رواه الترمذي، وقال الرسول عنهما: " هُما ريحانتاي من الدنيا" رواه البخاري.

وكان كبار الصحابة يحترمونه ويجلونه كما كان هو يحترمهم ويجلهم، وكان سيدنا عمر يجعل له عطاء وكان يكرمه، وحصل أن أبا هريرة مرة لما كان في جنازة نفض الغبار عن قدم الحسين بثوبه، وفي حديث رواه الحاكم " من احبني فليحبَ حسينًا"، وقد قال سيدنا علي في وصف الحسين: أشبه برسول الله من صدره الى قدميه، وفي حديث رواه الترمذي : " حُسين منى وأنا من حُسين". وروى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رجلا من أهل العراق سأله عن المحرم يقتل الذباب فقال: أهلُ العراق يسألون عن قتل الذباب، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله وقد قال رسول الله: " هما ريحانتاي من الدنيا ".

وروى الإمام أحمد: استأذن مَلَكُ القَطْر ( المطر ) على النبي، فقال النبي: " يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، فجاء الحسين فاقتحم وجعل يتوثب على النبي، ورسول الله يقبله، فقال الملك: أتُحِبُّهُ، قال: نعم، قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتُك المكان الذي يُقتل فيه، قال: نعم فجاء بتراب أحمر، مد هذا الملك يده إلى كربلاء وأحضر شيئا من ترابها، فأراه للنبي ثم أخذت أم سلمة هذا التراب فصرّته في صُرة ( في طرف ثوبها ).

وملخص ما حصل أن أهل الكوفة لما بلغهم موت معاوية وخلافة يزيد، كتبوا كتابا إلى الحسين عليه السلام يدعونه إليهم ليبايعوه فكتب لهم جوابا مع رسولهم وسيّر معهم ابن عمه مسلم بن عقيل فلما وصل إليهم اجتمع بعض أنصاره عليه وأخذ عليهم العهد والميثاق بالبيعة للحسين وأن ينصروه ويحموه، ثم تواترت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق وجاء كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله، فلما علم بذلك يزيد ولى العراق عبيد الله بن زياد فبعث إلى مسلم بن عقيل يضرب عنقه ورماه من القصر إلى العامة فتفرق مَلَؤهم وتبددت كلمتهم، هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق ولم يشعر بما وقع وما علم بشيء من ذلك، لأن الحسين خرج من مكة قبل مقتل مسلم بيوم واحد، فأشار عليه أهل الرأي والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق منهم أبو سعيد وجابر وابن عباس وابن عمر وأمروه بالمقام بمكة وذكروه ما جرى لأبيه وأخيه معهم.

فأما ابن عباس فقد كلّمه أكثر من مرة فمن جملة ما قال له: إن أهل العراق قومُ غَدرٍ فلا تغترَّنَّ بهم، أقم في هذا البلد وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصونا وشعابا ولأبيك به أنصارا . فقال الحسين: يا ابن عم ، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق ولكني قد أجمعت المسير، فقال له: فإن كنت ولا بد سائرا فلا تسر بأولادك ونسائك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه. وأما ابن عمر فقد لحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة فقال له لا تأتهم، فقال له الحسين: هذه كتبهم وبيعتهم. فقال له ابن عمر: إن الله خيّر نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنك بَضعة من رسول الله والله لا يليها أحد منكم وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم. فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وأما ابن الزبير: فقال له: أين تذهب ؟ الى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك ! . وأما أبو سيعد الخدري فقال: يا أبا عبد الله: إني لكم ناصح وإني عليكم مشفق فلا تخرج إليهم سمعت أباك يقول بالكوفة: والله قد مللتهم وأبغضتهم. وكذلك كلّمه جابر بن عبد الله، وكلّمه آخرون، ولكن لا يكون إلا ما قدّر الله.

فانطلق الإمام الحسين ومعه أصحابه ومعه من أهل بيته حتى إذا وصل إلى العراق وقد عرف ماذا فعل عبيد الله بن زياد وعرف تَخَلّي أهل العراق عنه ولم يجد أحدا منهم. وبعثَ إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد أو عمر بن سعد فالتقوا بمكان يقال له كربلاء فطلب منهم الحسين إحدى ثلاث:
أ - إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء
ب – وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه
ج – أو يتركوه يذهب إلى يزيد.

فوافق عمر بن سعد، وأرسل يخبر ابن زياد بذلك، فأرسل ابن زياد إلى عمر بن سعد، أن لا يوافق حتى يأتي ابن زياد ويبايعه يعني ليبايع يزيدا، وقد أشار على ابن زياد هذا الرأي شـِمْـر بن ذي الجَوشن قبحه الله، فقال الحسين: والله لا أفعل، فعمر بن سعد تباطأ في القتال فأرسل ابنُ زياد شـِمْـرَ بن ذي الجَوشن، وقال له: إن تقدم عمر فقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه، فتحول بعض الجيش الذين كانوا مع عمر بن سعد إلى صف الحسين لما علموا من إصرار أولئك على قتل الحسين، واما هذا عمر بن سعد ءاثر الدنيا وخاف على منصبه، فحاصروا الحسين ومن معه حصارا شديدا حتى منعوا عنهم الماء، فلما أصبح الصباح، وكان يوم العاشر من محرم تهيأ الحسين ومعه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، وتهيأ عمر بن سعد ومعه أربعة آلاف مقاتل، وقاتل أصحاب الحسين بين يديه حتى تفانوا، وكان أول قتيل من أهل الحسين علي الأكبر بن الحسين، فخرجت زينب أخت الحسين تنكب عليه ثم أدخلها الحسين بيده الفُسطاط ( وهو البيت من الشعر ).

ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل ثم قتل عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبى طالب ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبى طالب وكذلك قتل عبد الله بن الحسين وأبو بكر والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنو علي ابن أبي طالب اخوة الحسين. ومكث الحسين وحده لا يأتي إليه أحد إلا رجع عنه، حتى اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه عنه فخلص إلى شربه منه، فرماه رجل بسهم في حلقه فجعل الدم يسيل منه فدعا عليهم. وهذا الرجل الذي رماه ما مكث إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى ويسقى الماء مبردا وتارة يبرد له الماء واللبن جميعا أهلكه الله .

ثم التف حوله أولئك الظلمة، والحسين يجول فيهم بالسيف يمينا وشمالا وهم يتنافرون منه حتى تقدم رجل يقال له زُرعة بن شُرَيْك التميمي فضربه على يده اليسرى وضربه ءاخر على عاتقه وطعنه سنان بن أنس بالرمح فوقع فتقدم أحدهم ليقطع رأسه فشُلت يمينه ثم نزل شمر بن ذي الجوشن ففصل رأسه عن جسده، وقيل ثم جاء عشرة من الخيالة داسوا عليه ذهابا وإيابا. ووُجِد بالحسين حين قُتـل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة. وهمّ شمر أن يقتل علي الأصغر ابن الحُسين زين العابدين وهو صغير مريض ولكن منعوه عنه. قُتل من أصحاب الحسين اثنان وسبعون نفسا ومن أهل البيت قريب العشرين مع الحسين. جعفر والعباس ومحمد وعثمان وأبو بكر ( أولاد علي)، علي الأكبر وعبد الله ( أولاد الحسين ) عبد الله والقاسم وأبو بكر ( بنو الحسن بن علي ) عون ومحمد ( من أولاد عبد الله بن جعفر ) . جعفر وعبد الله وعبد الرحمن ومسلم من أولاد عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل ومحمد بن أبى سعيد بن عقيل وقتل كذلك أخوه من الرضاعة عبد الله بن بُقْطُر .

وكان عمر الحسين يوم قتل ستا وخمسين سنة وكان استشهاده يوم الجمعة في العاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة الشريفة فأخذوا رأس الحسين ورءوس أصحابه ( وكان يرى بعض الناس نورا ساطعا من رأس الحُسين إلى السماء وطيورا بيضاء ترفرف حوله ) إلى ابن زياد ثم حملهم إلى يزيد بن معاوية، فلما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد، يقال إنه جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره، فقال له أبو بَرزة الأسْلَمي: والذي لا اله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما، ألا إن هذا سيجيء يوم القيامة وشفيعه محمد وشفيعك ابن زياد، ثم قام من مجلسه وانصرف. أما بقية أهل الحسين ونسائه ومعهم زين العابدين علي بن الحسين فحملهم ابن زياد إلى يزيد كذلك وبقوا هناك فترة ثم أوصلهم الى المدينة المنورة.

ووضع رأس الحسين في دمشق فترة وقيل ثم نقل إلى القاهرة وقيل غير ذلك، وأما جسده الشريف فدُفنَ في كربلاء . هذا يزيد تظاهر أنه ما أراد قتل الحسين، ولكن لم يفعل شيئا بالقتلة. وروى الحافظ ابن عساكر أن طائفة من الناس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الروم فوجدوا مكتوبا في كنيسة: أترجو أمةٌ قَتَلَت حُسينـًا شفاعةَ جَدّهِ يومَ الحساب
فسألوهم من كتب هذا فقالوا: إن هذا مكتوب ههنا من قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة سنة.

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله في المنام نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم، فقلتُ: بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا، قال: " هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطُه منذ اليوم ". فكتبوا ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قُتل في ذلك اليوم وتلك الساعة.  وكل من شارك في قتله مات ميتة سوء وأكثرهم أصابهم الجنون وأصيبوا بمرض وعاهات في الدنيا، وهذا ابن زياد ما مكث بعد ذلك يسيرا إلا وقطعت رأسه.  ونتذكر في هذه المصيبة ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله أنه قال: " ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيُحدِثُ لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب منها " رواه الإمام أحمد وابن ماجه .

وهذا الذي حصل للحسين فهو شبيه بما حصل لنبي الله يحيى قتله ملك من الكفار ثم الله سلّط على هذا الملك ملكا جبارا كافرا فقتل في يوم واحد سبعين ألفا من جنود هذا الملك. كثير من الأنبياء قتلهم الكفار، الدنيا ليس لها قدر عند الله لو كان لها قدر لا يصاب نبي بمصيبة، الآخرة هي دار الجزاء لأوليائه ولأعدائه.


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : منـاسبات إسـلامية
الزيارات : 5235
التاريخ : 15/12/2010