SunnaOnline | سنة اون لاين إسلاميات العقــيدة الإســلامية عصمة الأنبياء
عصمة الأنبياء
تجب للأنبياء العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة والدناءة كسرقة لقمة ويجوز عليهم ما سوى ذلك من الصغائر. وهذا قول أكثر العلماء كما نقله غير واحد وعليه الإمام أبو الحسن الأشعري، وخالفه بعض الأشاعرة. قال تاج الدين السبكي في قصيدته النونية (1) [الكامل]
والأَشعري إمامنا لكننا ~~~ في ذا نُخالفه بكل لسان
أقول، يا ليته وافقه إذ هو الموافق للنصوص.
عصمةُ الأنبياءِ فضلٌ من الله ولطفٌ بهم ولكن على وجهٍ يبقى اختيارُهم بعدَ العصمةِ في الإقدامِ على الطاعةِ والامتناعِ عن المعصيةِ وإلى هذا القول مالَ الشيخُ أبو منصور الماتريديُّ، وهو القولُ السّديدُ وعليه الاعتمادُ إذ لولا ذلكَ لكانوا مجبورينَ في أفعالِهم ومن كانَ مجبورًا على فعلِ الطَّاعَةِ والامتناعِ عن المعصيةِ لا يكون مأجورًا في فعلِهِ وتركِهِ.
فإن قيل، إننا مأمورون بالاقتداء بهم فلو كانوا يعصون للزم الاقتداء بهم في المعصية ولا يعقل ذلك.
فالجواب: أنهم يُنبهون فورًا فلا يُقرون عليها بل يتوبون قبل أن يقتدي بهم أحد فزال المحذور.
ومن الغلو القبيح قول بعض المنحرفين من المتصوفة «إن ءادم كان منهيًّا عن الأكل من الشجرة ظاهرًا مأمورًا باطنًا». وقال بعض هؤلاء في إخوة يوسف مثل ذلك وذلك تكذيب للنص. أما في حق ءادم فقد قال تعالى ﴿وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [سورة طه] أخبرنا الله بأنه نُهي ولم يخبرنا بأنه أمر بالأكل من الشجرة وكيف يجتمع الأمر بشىءٍ والنهي عنه في حق شخص واحدٍ في وقت واحدٍ ثم أخبرنا بأنه تاب عليه بقوله ﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [سورة البقرة] وأما إخوة يوسف الذين كادوه فلم يخبرنا الله تعالى إلا بجرائمهم وأخبرنا أن يوسف قال لهم ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ [سورة يوسف] فكيف يعقل أن يكونوا مأمورين باطنًا. وكانت معصية الأكل صغيرة وليست كبيرةً كما تدعي النصارى. فقد قالوا إن المسيح جاء ليخلص البشر من تبعتها وأعظم بذلك افتراءً. وكانت الكلمات التي تلقاها ءادم ما ذكر الله بقوله ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة الأعراف].
قاعدة في عصمة الأنبياء
قال الشيخ التلمساني في شرح لمع الأدلة (2) ما نصُّه «لا يجوز عليهم الكبيرة ألبتة ويجوز تعمد الصغيرة بشرط عدم الإصرار، ولا يجوز منهم صغيرة تدل على خساسة النفس ودناءة الهمة كتطفيف حبة وسرقة باقة بقل» اهـ،
ثم قال (3) «وأما عصمتهم عن الكبائر والإصرار على الصغائر وعن كل صغيرة تؤذن بقلة الاكتراث بالديانات فمستند إلى الإجماع القاطع، فإن السلف رضي الله عنهم لم يزالوا يحتجون بالنبي بأفعاله وأقواله ومتبادرون إلى التأسي به، وجميع الظواهر التي اعتمد عليها الحشوية قابلة التأويل». «وأما يونس فقيل: إنما كرّمه الله بالنبوة والرسالة بعد أن نُبِذ بالعراء (4) قال الله عز وجل ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [سورة القلم] ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين في قصة الفداء في أُسارى بدر والإذن للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك وعُبُوس الوجه لابن أمِّ مكتوم فكلُّ ذلك ترك للأولى (5) » اهـ.
وقال التلمساني (6) ما نصه «اعلم أنه لما ثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعصمته فيما يبلغه عن الله تعالى وجب التصديق بكل ما أخبر من أمور الغيب جملة وتفصيلاً، فإن كان مما يُعلم تفصيله وجب اعتقاده، فإن لم يُعلم تفصيله وجب أن يؤمن به جملة ويرد تأويله إلى الله تعالى ورسوله ولمن اختصه الله عز وجل بالاطلاع على ذلك» اهـ.
--------------------------------------
(1) طبقات الشافعية (2/268).
(2) شرح لمع الأدلة (ص/197)، مخطوط.
(3) شرح لمع الأدلة (ص/198)، مخطوط.
(4) ولو قيل خروج يونس عليه السلام من قريته وفراقه لقومه كان بعد أن صار نبيًّا لكنه فعل ذلك قبل أن يؤذن له بذلك وحيًا ولأجل هذا قال في بطن الحوت ما قال على أن ذلك لم يكن كبيرة ولا دالًّا على خساسة نفس أو دناءة همة لكان حسنًا.
(5) روى الترمذي في سننه: كتاب السير: باب ما جاء في قتل الأُسارى والفداء، والنسائي في السنن الكبرى (5/200)، وابن حبان في صحيحه انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (7/143)، والبيهقي في سننه، والحاكم في المستدرك (2/140)، والبزار في مسنده (2/176) أن جبريل جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال «خيّر أصحابك في أُسارى بدر إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يُقتل في العام المقبل منهم مثلهم فقالوا: الفداءَ ويقتل منا». أما قوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ(67)} [سورة الأنفال] فهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة لكم الله رخص لكم في أخذ الفداء، الله تعالى امتن على الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا. قال القاضي عياض في الشفا (2/159): «وأما قوله في أسارى بدر {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى(67)} الآيتين فليس فيه إلزام ذنب للنبي صلى الله عليه وسلم بل فيه بيان ما خُص به وفُضّل من بين سائر الأنبياء فكأنه قال ما كان هذا لنبي غيرك».
(6) شرح لمع الأدلة (ص/201)، مخطوط.