SunnaOnline | سنة اون لاين إسلاميات المعاملات والنكاح أكل اللحم المحرم
أكل اللحم المحرم
إعلم أخي أن من المعاصي التي هيَ منَ الكبائرِ أكلُ المَيتةِ وأكلُ لحمِ الخِنزيرِ و أكلُ اللحم المشكوكِ فيه هل هو مُذَكَّى (أي مذبوح) ذكاةً شرعيةً أم لا، قال الله تعالى {حُرِّمَتْ عليكُمُ المَيتةُ والدَّمُ ولحمُ الخِنزيرِ وما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ بهِ والمُنْخَنِقَةُ والمَوْقُوذَةُ والمُتَرَدِّيَةُ والنَّطيحةُ وما أكلَ السَّبعُ إلا ما ذَكَّيْتُمْ وما ذُبِحَ على النُّصُبِ} سورة المائدة الآية 3 . وقال تعالى {قُل لا أجِدُ في ما أوحِيَ إليَّ مُحَرَّمًا على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أن يكونَ مَيْتَةً أو دمًا مسْفُوحًا أو لحمَ خِنزيرٍ فإنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيرِ اللهِ بهِ} سورة الأنعام الآية 145
فالمَيتةُ هيَ البهيمةُ التي تموتُ حَتْفَ أنفِها، أي بلا ضرب ولا قتْل، والدَّمُ أي المسفوحُ وهو السائلُ فلا يحرمُ الدمُ الذي في اللحمِ والكَبِدِ والطّحالِ. ولحمُ الخِنزيرِ حرام، وكُلُّهُ أي الخنزير نَجِسٌ وإنّما خُصَّ اللحمُ لأنهُ مُعظمُ المَقصودِ، وما أُهِلَّ لغيرِ الله به أي رُفِعَ الصوتُ به لغيرِ الله كقولِهم باسمِ اللاتِ والعُزَّى ( وهي أسماء أصنام كانوا يعبدونها في الجاهلية ) عندَ ذبحِهِ. والمُنخنقةُ هي التي خَنقوها حتى ماتت أو انخَنقتْ بالشبكةِ أو غيرها. والموقوذةُ هيَ التي أثخنوها ضربًا بعصًا أو حجرٍ حتى ماتت، والمُتردّيةُ هي التي تردَّت من جبلٍ أو في بئرٍ فماتت، وكذلك التي وقعت في البحرِ فغرقَت، والنطيحةُ هي المنطُوحةُ وهي التي نطحتها أخرى فماتت بالنَّطحِ، وما أكلَ السبعُ بعضهُ وماتَ بجُرحهِ: حرام، إلا ما ذكَّيتُم أي إلا ما أدرَكتُم ذكاتهُ قبلَ أن يضطربَ الحيوان المأكول اضطرابَ المذبوحِ، ويجدر التنبه هنا إلى أن هذا الإستثناء " إلا ما ذكيتم " يرجِعُ إلى المُنخنِقَةِ وما ذكر بعدها فإنهُ إذا أدركَها وبها حياةٌ مُستقرةٌ فذبَحها من يحل ذبحهُ حلّت.وما ذُبِحَ على النُّصُبِ هو مثلما كان يفعلهُ الجاهليونَ فإنه كانت للمشركين حجارةٌ مَنصوبةٌ حولَ البيتِ يذبحونَ عليها يُعَظِّمونها بذلك ويتَقَرَّبونَ إليها تُسَمَّى الأنصابَ واحدُها مَصْبٌ أو هوَ جمعٌ والواحدُ نِصابٌ. ففي الحديث "لعنَ اللهُ مَنْ ذبحَ لغيرِ الله" رواه مسلم.
وأمّا ما ذُبِحَ من غيرِ أن يُسمَّى الله عليه عندَ ذبحِهِ عمْدًا مِنْ غيرِ نِسيانٍ فيجوزُ أكلهُ في مذهبِ الإمام الشافعي رضي الله عنه ولا يَحِلُّ أكلهُ في المذاهبِ الثلاثةِ الأخرى مالكٍ وأي حنيفةَ وأحمد بن حنبل. ثمَّ اللحمُ أمرُهُ مُشَدَّدٌ في شرعِ الله فلا يجوزُ أكلُهُ إلا أنْ يُعلَمَ أنهُ ذبيحةُ مُسلمٍ أو كتابيّ أمّا إنْ شُكَّ فيهِ فهوَ حرامٌ لا يجوزُ أكلُهُ لأنه يُعتَبرُ ميتةً كالبهيمةِ التي ماتت في المرض، أما غيرُ اللحمِ فلا يَحرُمُ بالشكّ، وأمّا الدليلُ على حُرمةِ أكلِ اللحمِ المَشْكوكِ فيهِ هلْ هوَ مُذَكَّى ذكاةً شرعيَّةً أم لا فمأخوذٌ من حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البُخاري ومسلمٌ من حديثِ عُدَيّ بنِ حاتم رضي الله عنه قالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أرسَلْتَ كلبَكَ فاذكُرِ اسمَ الله عليهِ، فإنْ أمسكَ عليكَ فأدركْتَهُ حيًّا فاذْبَحْهُ وإنْ أدرَكتَهُ قدْ قَتَلَ ولم يأكُلْ منهُ فكُلهُ، وإنْ وجَدْتَ معَ كلبِكَ كلبًا غيرهُ وقد قتلَ فلا تأكُلْ، فإنَّكَ لا تدري أيُّهُما قتلهُ، وإن رميْتَ بِسَهمِكَ فاذكِر اسمَ الله تعالى فإنْ غابَ عنكَ يومًا فلم تَجِدْ فيهِ إلا أثرَ سهمِكَ فكُلْ إنْ شِئتَ وإن وجتهُ غريقًا في الماءِ فلا تأكل". فمِنْ أجلِ الشكّ في سببِ الحِلّ حرَّمَ رسول الله أكلهُ، فمِنْ هُنا حرَّمَ العُلماءُ أكلَ اللحمِ المَشْكوكِ في حِلِّهِ.
وأما حديثُ البُخاريّ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنَّ أناسًا حديثي عهد بكفر يأتُوننا بلحمانِ لا ندري أذَكَروا اسمَ الله عليها أن لا فقال [سمُّوا الله أنتم وكُلوا]. فالحديثُ وردَ في ذبيحةِ أناسٍ مُسلمينَ قريبي عهدٍ بكفر وذلكَ لقولِ عائشةَ حديثي عهدٍ بكفر. ومعنى الحديث أنّ هذه اللحومَ حلالٌ لأنها مُذَكَّاةٌ بأيدي مُسلمينَ ولو كانوا حديثي عهدٍ بكفرٍ أي قريبي عهد بإسلام، ولا يَضُرُّكُم أنَّكُم لم تعلموا هلْ سمَّى أولئكَ عندَ ذبحِها أمْ لا وسمُّوا أنتم عند أكلها أي ندبًا لا وجوبًا لأنَّ التسميةَ سُنَّةٌ عندَ الذبحِ فإنْ تركها الذابِحُ حَلَّ الأكلُ منَ الذبيحةِ.
فاللحمُ لا يجوزُ الشّروعُ في أكلهِ معَ الشكّ في ذكاتِهِ أي ذبحه كما نصَّ على ذلك الفقهاءُ كابن حجرٍ الهيتمي والسيوطي منَ الشافعيةِ والإمام القرافي وفي كتاب "التاجِ والإكليل" لمختصرِ خليل منَ المالكيةِ وغيرهم وابن رجب الحنبلي من الحنابلة ، بل تحريمُ اللحمِ الذي لم يُعلم طريقُ حلّه بأن شُكَّ في ذلكَ مُجْمَعٌ عليه. فلو ذبحَ شخصٌ مائةَ دجاجةٍ وكانت واحدةٌ منها لم تُذبَح ذبحًا شرعيًّا واختلطتْ هذه الواحدةُ بالبقيةِ ولم تُعرَف أيَّ واحدةٍ هيَ: حرُمَ أكلُها كُلهاكما نص على هذا العلماء .الله موجود بلا مكان