SunnaOnline | سنة اون لاين إسلاميات معاصي البدن والجوارح حكم شرب الخمر
حكم شرب الخمر
حكم شرب الخمر
شُرب الخمرِ معصية كبيرة من أكبرِ الكبائرِ لكنْ هيَ أخفُّ من معصية الزنى، لأن أكبر الذنوب على الإطلاق هو الكفر بجميع أنواعه التعطيل والتشبيه والتكذيب والإشراك، والكفر هو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى لمن مات عليه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ثم بعد الكفر يأتي قتل النفسِ المؤمنةِ التي حرَّمَ الله ثم الزنى وبعد الزنى يأتي ترك الصلاةِ وأكل الربا وشُربُ الخمر وكلها من كبائر الذنوب.
والخمرُ قد يكونُ منَ العنبِ أو التمرِ أو العسلِ أو الحنطةِ أو الشعيرِ أو الذرةِ أو البصل أو البطاطا أو التفاح أو غير ذلك. روى مسلمٌ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال [كُلُّ مُسكرٍ خمرٌ، وكلُّ مسكِرٍ حرامٌ]. وفي لفظ [وكلُّ خمرٍ حرام]. فكلُّ شراب غيَّرَ العقلَ معَ الطربِ أي مع النشوةِ والفرح فهو خمرٌ إنْ كان من عنبٍ أو عسلٍ أو ذرةٍ أو شعيرٍ أو غير ذلك أما عصيرُ العنبِ فيصيرُ خمرًا بعدَ الغليانِ مِنْ دونِ أن يُخلَطَ بهِ شئٌ، أمّا العسلُ والشعيرُ والذُّرةُ والزَّبيبُ والتمرُ إنَّما يصيرُ خمرًا لما يوضَعُ فيه ماءٌ ثمَّ يَمكثُ مُدّةً ثم يغلي أي يرتفعُ ويطلَعُ منهُ صوتٌ يُقالُ له نَشيشٌ عندئذٍ يصيرُ خمرًا. ثم إنَّ العسلَ إذا خُلِطَ بالماءِ وسُدَّ فمُ الإناءِ يصيرُ خمرًا في البلادِ الحارةِ في ظرفِ خمسةِ أيامٍ، أما في البلادِ الباردةِ يتأخَّرُ، أما إن حفظ العسل في إناء ولم يخلط بشىء وكان العسلُ صافيًا ووُضِعَ في إناء الزجاجِ ونحوهِ يبقى سنواتٍ طويلةَ من غيرِ أن يفسُدَ. ثم إن بعضَ الناسِ يُسكِرُهم قليلُ الخمرِ وكثيره، وبعض الناسِ لا يُسكِرهم إلا كثيرهُ، وكلٌّ حرامٌ القليل والكثيركما دلّ على ذلكَ ما رواهُ الإمام أحمدُ من حديثِ جابر رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال [ما أسكَرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرامٌ]
وأما القولُ بنجاسةِ الخمرِ (ومنه الإسبيرتو) فهو مذهبُ أكثرِ الأئمةِ منهم الأئمة الأربعة مالك والشافعيُّ وأحمد وأبو حنيفة فإذا أصابتْ ثوبًا أو بدنًا يجبُ تطهيرُهُ عندَ القيامِ للصلاةِ، وقالَ بعضُ الأئمةِ بطهارتها وهوَ إمامٌ مجتهدٌ في العلمِ يُقالٌ لهُ ربيعةُ بنُ عبد الرحمنِ شيخُ الإمام مالكٍ، ومع ذلك فقد أجمعوا على أنهُ يحرمُ شُربُها وبيعها وشِراؤها فلا يجوز بيع وشراء ما فيه اسبيرتو بالإجماع، وهذا الإختلاف في نجاستها حصل بسبب أنهُ لم يَرِدْ في القرءانِ ولا في الحديثِ نصٌّ على نجاسةِ الخمرِ، إنما وردَ النص الصريح بتحريمِ شُربها وبيعها وشِرائها ونحو ذلك فمَنْ أنكرَ حُرمةَ شُربها وبيعها وشرائها لمن يريدها للشرب كفر.
أما الدليلُ على حُرمةِ شرب الخمر من القرءان فقول الله تعالى {يا أيُّها الذينَ ءامنوا إنَّما الخمرُ والمَيسرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ مِنْ عملِ الشيطانِ فاجتنبوهُ لعلَّكُم تُفلِحون* إنَّما يُريدُ الشيطانُ أن يُوقِعَ بينكم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عنْ ذكرِ اللهِ وعنِ الصلاةِ فهلْ أنتُم مُنتَهونَ} سورة المائدة 90-91
الميسر: القمارُ، والأنصاب: نوع من الأوثان وهي حجارةٌ يُهريقُونَ الدم عبادةً لها لأنها تُنصَبُ فتُعبَد، رِجْسٌ: أي نَجِسٌ أو خبيثٌ مُستَقذرٌ، من عملِ الشيطان: لأنه يَحمِلُ عليه فكأنَّهُ عملهُ والضميرُ (الهاء) في فاجتنبوهُ: يرجِعُ إلى الرجسِ أو إلى عملِ الشيطان، لعلَّكم تُفلحون: أكَّدَ تحريمَ الخمرِ والمَيسرِ منْ وجوهٍ حيثُ صدَّرَ الجُملةَ بـ " إنما " وقرنها بعبادةِ الأصنامِ وجَعلهما رِجْسًا مِنْ عملِ الشيطانِ ولا يأتي منه – أي الشيطان - إلا الشرُّ البَحْتُ وأمرَ بالاجتنابِ وجعلَ الاجتنابَ منَ الفلاح، وإذا كان الاجتنابُ فلاحًا كانَ الارتكبابُ خسارًا. وفي قوله تعالى {إنما يريدُ الشيطانُ أن يُوقِعَ بينكم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والميسرِ ويصدكم عن ذكرِ الله وعن الصلاةِ} بيانُ ما يتولّدُ من الخمر والميسرِ من الوبالِ وهو وقوعُ التعادي والتباغُضِ بينَ أصحابِ الخمر والقمار وما يؤديانِ إليهِ منَ الصدّ عن ذكرِ الله وعن مراعاةِ أوقاتِ الصلاةِ وخصَّ الصلاةَ من بينِ الذكرِ لزيادةِ درجتها كأنه قال وعن الصلاة خصوصًا، وقوله تعالى {فهلْ أنتم مُنتَهون} مِن أبلغِ ما يُنهى به كأنهُ قيل " قد تُليَ عليكم ما فيهما من أنواع الصوارِفِ والزواجرِ فهل أنتم معَ هذه الصوارِفِ منتهون أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم تُوعظوا ولم تُزجروا. ويفهم من الآية أيضًا أنَّ القِمار من الكبائر وله صورٌ عديدة.
وروى الإمام أحمدُ بن حنبل رضي الله عنه من حديثِ ابن عباس قالَ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ [أتاني جبريلُ عليه السلامُ فقال يا محمدُ إنَّ اللهَ لعنَ الخمرَ وعاصِرها ومُعتَصِرها وبائِعِها ومُبتاعَها وشارِبها وءاكلُ ثَمَنِها وحامِلها والمَحمولةَ إليهِ وساقيها ومُستَقيها]. وليس في الحديث أنّ الناظرَ إليها ملعون كما شاعَ على ألسنةِ بعض العوامّ. وروى البخاري ومسلمٌ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [مَنْ شرِبَ الخمرةَ في الدُّنيا يُحْرَمُها في الآخرةِ]. أي إنْ لم يتُبْ إلى الله منها قبل الموت يُحْرَمُ شُربَ خمرِ الجنةِ الذي لا يُسكرُ ولا يُصدِعُ الرأسَ وليسَ نجسًا. فقوله تعالى {فاجتنبوهُ} مع قوله {فهل أنتم مُنتَهون} دليلٌ على حُرمةِ شربِ الخمر، وقبلَ نزولِ هاتَينِ الآتينِ لم تكنِ الخمرةُ مُحرَّمةً على أمةِ محمد أي إذا كان شربها الشخص منهم إلى القدْر الذي لا يضُرُّ الجسم.
ملاحظة مهمة: الأنبياء عليهم صلاة الله وسلامه لا يحثُّونَ أمَمَهُم على شربِ الخمرِ لا قبل نزول تحريمها ولا بعده لأنّ ذلك ينافي حكمةَ البِعثةِ التي هي تهذيبُ النفوس، وقليلُ الخمر يؤدي إلى كثيره. وما يزعم بعضهم من أن سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام قال "قليل من الخمرِ يفرّح قلبَ الإنسانِ" فهو كذبٌ عليه.الله موجود بلا مكان