www.sunnaonline.org

الحديث: يهوي بها في النار سبعين خريفا

 

قال سيدنا محمد صلّى اللهُ عليهِ وسلّم (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) هذا الحديث مروي في البخاري ومسلم بهذا اللفظ وعند الترمذي (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً ينزل بها بالنار سبعين خريفاً) أي سبعين سنة، معنى هذا الحديث أن الإنسان قد يتكلّم بلا مبالاة بكلمة هي استخفاف بملائكته أو تحريف لدينه وهو لا يرى أنه يعصي بهذه الكلمة ربّه، لا يظنُّ أنها معصية، فينزل يوم القيامة في جهنّم، في عمق جهنّم إلى سبعين سنة، ولا ينزل سبعين خريفاً في النار إلا الكافر، فالإنسان مهما فعل من المعاصي التي هي دون الكفر لا يصل إلى قعر جهنم، فدل هذا الحديث على أن المقصود هو كلمة الكفر لا غيرها، والدليل على أن قعر جهنم عمقه سبعين خريفا ما رواه الإمام مسلم رحمه الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كُنَّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فقال: «هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ. قال: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ به في النَّارِ مُنْذُ سبْعِينَ خَرِيفًا، فهو يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حتى انتهى إلى قَعْرِهَا فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا» رواه مسلم. وقد جاء عن أبي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال : كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْنَاهُ كَئِيبًا، فَقَالَ بَعْضُنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا لَنَا نَرَاكَ كَئِيبًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: هَذَا صَخْرٌ قُذِفَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا ، فَالْيَوْمَ اسْتَقَرَّ قَرَارُهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَا، وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ نَبِيِّنَا، مَا رَأَيْنَاهُ ضَاحِكًا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَاب. رواه أبو بكر ابن أبي شيبة ورواته ثقات.

 

فيجب التَّحذير مِن أولئك الَّذين يجعلون أمر الكُفر خفيفًا وهُو عند الله عظيم؛ فمِن أكبر الخيانات غِشُّ النَّاس في أمر الدِّين وإيهام مَن كَفَر بأنَّه لم يكفُر فيفوتُه الاستدراك بالعودة إلى الإسلام فيهلك يوم القيامة والعياذ بالله. قال تعلى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}. وكثير مِن العامَّة يخوضون في مثل ذلك والعياذ بالله.

 

والكُفر بالله قد يكون بالكلمة الواحدة ولو لم تقترن باعتقاد فإنَّ الله تعالى يقول {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ}. فمَن لم يضبط عن الثِّقة العارف تلك القواعد الَّتي يُعرف بها ما يُوقع في الكُفر كيف يتجرَّأ على إنكار كُفر مَن كذَّب الشَّرع والدِّين!؟ ومَن كان يُؤمن برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يُهوِّن على النَّاس حصائد ألسنتهم ولو كان فيها تكذيب للدِّين فإنَّ ذلك عظيم جدًّا وإنَّ نبيَّنا صلَّى الله عليه وسلَّم يقول (ثكلتك أُمُّك يا معاذ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّار عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ!).

 

إنَّ الَّذين أنكروا ما أخذناه عن الثِّقات في (مسائل حُكم مَن يقول) لا عبرة بآرائهم عند الله تعالى فإنَّ آراءهُم لا تُغنيك شيئًا لأنَّ العبرة بقول العالِم العامل؛ لا بقول كُلِّ جاهل ثرثار عرَف قيدًا وغابت عنه قُيود أُخرى كثيرة ثُمَّ شرع يهرِف بما لا يعرف في هذا الأمر الخطير. ولو كان هؤلاء الجَهَلَة على حقٍّ لَمَا درج عُلماء الإسلام على النَّهي عن كثير مِن الألفاظ الكُفريَّة الَّتي شاعت على ألسنة العامَّة؛ فصنَّف البدر الرَّشيد -فقيه حنفيٌّ مِن القرن الثَّامن- رسالة [الألفاظ المُكفِّرات] شرحها مُلَّا عليٌّ القاري الحنفيُّ؛ ووضع غيره مِن الفُقهاء تصانيف أُخرى. وإنَّ بعض الجَهَلَة يزعُمون أنَّ المُتكلِّم باللَّفظ الكُفريِّ لا يكفُر ولو كان عالِمًا بمعناه ما لم يعتقده وما لم ينشرح له صدرُه؛ وهذا منهُم قول فاسد باطل لا يستقيم إلَّا في أمر المُكره بالقتل على الكُفر؛ وليس كُلُّ أحد في حُكم المُكره على الكُفر، فويل لهُم ممَّا يفترون ويُجرمون.

 

أقوال العلماءِ في الرِّدَّة والكُفر

 

قال الإمام المجتهد محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة 310 هـ) في كتابه (تهذيب الآثار): ”إن من المسلمين من يَخرج من الإسلام من غير أن يقصِدَ الخروجَ منه“.

 

وقال البدر الرشيد الحنفي (ت 768هـ) في رسالة له في بيان الألفاظ الكفرية ص/19: ”مَنْ كَفَرَ بلسَانِهِ طائِعا وقلبه على الإيمان إنّهُ كافر ولا ينفَعه ما في قلبه ولا يَكون عند الله مؤمنًا لأنَّ الكافر إنما يعرف من المؤمن بما ينطق به فإنَ نَطقَ بالكُفْرِ كانَ كافرا عندَنا وعندَ اللهِ“ اهـ.

 

وقال القاضي عياض اليحصبي المالكي (ت 544 هـ) في كتابه الشفا ج214/2 الباب الأول في بيان ما هو في حقه صلى الله عليه وسلم سبٌ أو نقص من تعرض أو نصٍ: ”منْ سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو شبهه بشىء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فهو ساب له... قال محمد بن سحنون أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المُنتَقِصَ له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له ... ومَنْ شكّ في كفره وعذابه كَفَرَ“. اهـ

 

وقال الشيخ أبو عبد الله محمد أحمد عِلَّيش المالكي مفتي الديار المصريّة الأسبق (1299 هـ) في (منح الجليل على مختصر العلَّامة خليل ج9/ 205) ما نصه: ”وسواء كفَر بقول صريح في الكفر كقوله كَفَرتُ بالله أو برسول الله أو بالقرأن أو الإله اثنان أو ثلاثة أو المسيح ابن الله أو العزير ابن الله أو بلفظ يقتظيه أي يستلزم اللفظ للكفر استلزاما بيِّنًا كجحد مشروعيّة شيء مجمع عليه معلوم من الدّين بالضّرورة فإنه يستلزم تكذيب القرأن أو الرسول وكاعتقاد جسميّة الله وتحيُّزه...أو بفعل يتضمَّنه أي يستلزم الفعلُ الكُفرَ استِلزاما بيِّـنًا كإلقاء أي رمي مصحف بشيء قذر“ اهـ .

 

وقال الشيخ ملا علي القاري الحنفي (ت 1014 هـ) في شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ص/274 : ”ثم اعلم أنَّهُ إذا تكلّم بكلمة الكُفر عالِما بمعناها ولا يعتقِدُ معناها لكنْ صدَرتْ عنهُ من غير إكراهٍ بل مع طواعية في تأْديَتِه فإنّه يُحكَم عليه بالكُفرِ“ اهـ.

 

وقال الحافظ الكبير أبو عَوانة (المتوفى سنة 316 هـ) الذي عمل مستخرجَا على مسلم فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري ج 12/ 301 ـ 302) ما نصه: ”وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينًا على دين الإسلام“.

 

وقال الفقيه الشافعي يوسف بن إبراهيم (المتوفى سنة 799 هـ) في كتاب الردة من كتاب الأنوار لعمل الأبرار للأردبيلي 3/ 274: وهي قطع الإسلام ، ويحصل ذلك بالقول تارة وبالفعل أخرى، والفعل الموجب للكفر هو الذي يصدر عن تعمد، ويكون استهزاء صريحا بالدين كالسجود للصنم أو الشمس وإلقاء المصحف في القاذورات او المكان القذر ، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها ، والقول الموجب للكفر لا فرق بين أن يصدر عن اعتقاد او عناد او استهزاء، ومن اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع ، أو نفى ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما او قادرا ، أو أثبت المنفي عنه بالإجماع كاللون أو أثبت له الاتصال أو الانفصال أو جحد جواز بعثة الرسل ، أو أنكر نبوة نبي أو كذبه او جحد مجمعا عليه (معلوم من الدين بالضرورة) أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه (عنادا)، أو سب نبيا أو ملكا ، أو استخف به ، او بالمصحف ، او بالتوراة (الذي أنزل على موسى) أو بالإنجيل (الذي أنزل على عيسى) ، أو الزبور ، او الصحف أو استحل محرما بالإجماع (معلوم من الدين بالضرورة)، أو حرم حلالا بالإجماع (كذلك)، أو نفى وجوب مجمع على وجوبه ويعرفه الخاص والعام كالصلاة والزكاة ، أو اعتقد وجوب (أي فرضية) ما ليس بواجب بالإجماع كصلاة سادسة وصوم شوال أو يوما منه ، أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة أو ادعى النبوة في زمانه أو قبله من لم يكن نبيا.

 

وقال الشيخ عبد الله بن الحسين بن طاهر الحضرمي (المتوفى سنة 1272 هـ) في كتابه (سُلَّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق) ما نصه: ”يجب على كل مسلم حفظُ إسلامه وصونُهُ عمَّا يفسده ويبطُلُه ويقطعُهُ وهو الرّدةُ والعياذ بالله تعالى وقد كُثرَ في هذا الزمان التساهلُ في الكلام حتى إنَّهُ يخرج من بعضهم ألفاظٌ تُخرجهم عن الإسلام ولا يَرَوْن ذلك ذنبًا فضلاً عن كونه كفرًا“.

 

وقال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي (المتوفى سنة 1143 هـ) في كتاب (الفتح الرباني والفيض الرحماني ص 124) ما نصه: ”وأمَّا أقسامُ الكفر فهي بحسب الشرع ثلاثةُ أقسام ترجِعُ جميعُ أنواع الكفر إليها وهي: التشبيه والتعطيل والتكذيب... وأما التشبيه فهو الاعتقاد بأن الله تعالى يشبه شيئَا من خلقه كالذين يعتقدون أن الله تعالى جسمٌ فوق العرش أو أنه نور يتصوره العقلُ أو أنه في السماء ـ بذاته ـ أو في جهة من الجهات الست أو أنه في جميع الأماكن أو أنه ملأً السمواتِ والأرضَ أو أنَّ له الحلولَ في شئ من الأشياء أو في جميع الأشياء أو أنه متحد بشئ من الأشياء أو في جميع الأشياء أو أنّ الأشياء منحلَّةٌ منه أو شيئا منها وجميع ذلك كفرٌ صريح والعياذ بالله تعالى وسببُه الجهل بمعرفة الأمر على ما هو عليه“. 

 

وجاء في كتاب الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة (قام بتأليفها جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام الدين البلخي) ج2 / 259 و261 ما نصه: ”يكفر بإثبات المكان لله تعالى... وكذا إذا قيل لرجل : ألا تخشى الله تعالى ؟ فقال في حالة الغضب: « لا »، يصير كافرًا كذا في فتاوى قاضيخان“.

 

وقال السيد البكري الدمياطي (المتوفى سنة 1310 هـ) في (إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين م2 / ج 4 / 133) : ”واعلم أنه يجري على ألسِنة العامَّة جملةٌ من أنواع الكفر من غير أن يَعلَموا أنها كذلك فيجب على أهل العلم أن يُبيّنوا لهم ذلك لعلَّهم يجتنبونه إذا علموه لئلا تحبطَ أعما لهم ويُخلَّدون في أعظمِ العذاب وأشدّ العقاب ومعرفةُ ذلك أمرٌ مهمّ جدًا وذلك لأنَّ مَن لَم يعرفِ الشرَّ يقع فيه وهو لا يدري وكلُّ شر سببُه الجهل وكلُّ خير سببُه العلمُ فهو النورُ المبين والجهلُ بئس القرين“.

 

وقال العلامة الشيخ مصطفى وهيب البارودي الطرابلسي (المتوفى سنة 1373 هـ) قال في كتابه واجب الاهتمام فيما وصّى به الإسلام: ”ومما وصّى الإسلام باجتنابه وحذّر منه كلُ ما يفسده ويقطعه وهو الردة والعياذ بالله تعالى وهي ثلاثة أقسام اعتقادات وأفعال وأقوال، وكل قسم منها يتشعب منه شعبًا كثيرة: فمن الأول : الشك في الله أو في رسوله أو القرءان أو اليوم الآخر أو الجنة أو النار أو الثواب أو العقاب أو نحو ذلك مما هو مجمع عليه، أو نفى مشروعية مجمع عليه كذلك، أو رسالة أحد من الرسل أو نبوته أو نبيًا من الأنبياء المجمع عليهم، أو أنكر حرفًا مجمعًا عليه من القرءان أو زاد حرفًا مجمعًا على نفيه معتقدًا أنه منه، أو كذّب رسولا أو نبيًا أو نقّصه أو صغر اسمه (أي بقصد تحقيره)، أو جوّز نبوة أحد بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، أو أنكر صُحبة أبي بكر رضي الله عنه. والقسم الثاني الأفعال : وهي كل فعل أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر وذلك كسجود لصنم. والقسم الثالث الأقوال وهي كثيرة جدًا منها : كالسخرية باسم من أسمائه تعالى، أو أسماء أنبيائه أو وعده أو وعيده وهو ممن لا يخفى عليه ذلك، أو قال: أنا بريء من الله أو رسوله أو من القرءان أو الشريعة أو دين الإسلام إن كان كذا، أو قال: أكون قوّادًا إن صليت أو الصلاة لا تصلح لي استخفافًا أو استحلالا. وعلى من وقع منه شيء من ذلك العود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإقلاع عما وقع منه ويجب عليه الندم على صدوره والعزم أن لا يعود لمثله“.

 

وقال محمد بن أحمد ميارة المالكي في كتابه الدر الثمين والمورد المعين (شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين) : أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى مَنْ كُلِّفَا مُمْكِّناً مِنْ نَظَرٍ أنْ يَعْرِفَا الله وَالرُّسُلَ بِالصِّفَاتِ مِمَّا عَلَيْهَا نَصَبَ الآيَاِت قوله أن يعرف: المعرفة الواجبة هي الجزم المطابق عن دليل فخرج بالجزم من كان إيمانه على ظنٍّ أو شكٍّ أو وهْم فإيمنه باطلٌ بإجماع. وخرج بوصفه بالمُطابق الجزمُ غيرُ المُطابق ويُسمى الاعتقادَ الفاسِد والجَهلَ المركّبَ كاعتقاد الكافرين التّجسيم والتّثليث أو نحو ذلك والإجماع على كفر صاحبه أيضا وأنه آثم غير معذور مخلد في النار اجتهد أو قلّد ولا يعتدبه بخلاف من خالف في ذلك من المبتدعة.

 

وجاء في [شرح "رسالة في المُكفِّرات" للحنفيِّ بدر الرَّشيد المُتوفَّى 768ه] لمُلَّا عليٍّ القاري المُتوفَّى 1014ه ما نصُّه: وفي المُحيط وفتاوى الصُّغرى أيضًا: مَن لقَّن غيره كلمة الكُفر ليتكلَّم بها كفر المُلقِّن، وإنْ كان على وجه اللَّعب والضَّحك. قلت: فما يُحكى أنَّ مالكيًّا أو شافعيًّا رجع إلى بلده بعد تحصيل بعض الفقه في مذهبه، فكلَّما سُئل عن مسألة فقال: فيها وجهانِ لمالك ؛ أو قولانِ للشَّافعي رحمه الله، فقال له قائل: أفي الله شكٌّ؟ فقال: فيه الوجهانِ أو القولانِ فكفَّروه، فيُحكم بكفر مُلقِّنه أيضًا حيث رضيَ بكُفره، بناء على غلبة ظنِّه أنَّه يتفوَّه بقول ما يُوجب كفره“. انتهى ولاحظ قوله: "فيُحكم بكفر مُلقِّنه أيضًا حيث رضيَ بكُفره، بناء على غلبة ظنِّه أنَّه يتفوَّه بقول ما يُوجب كفره" لتفهم علَّة التَّكفير.

 

وقال الحافظ مُحمَّد مُرتضى الزَّبيديُّ في [شرح الإحياء] [ج/2 ؛ ص/67]: ومَن أراد مِن خلق الله أنْ يكفروا بالله فهُو لا محالة كافر وعلى هذا يُخرَّج قوله تعالى {ولا تسبُّوا الَّذين يدعون مِن دون الله فيسبُّوا اللهَ عدوًا بغير علم}، ثُمَّ إنَّه مَن سبَّ أحدًا منهم على معنى ما يجد له مِن العداوة والبغضاء قيل له: أخطأتَ وأثمتَ؛ مِن غير تكفير، وإنْ كان إنَّما فعل ذلك ليَسمع سبَّ الله وسبَّ رسوله فهُو كافر بالإجماع اهـ. فيفهم من مجموع كلامه رحمه الله أنه إنما كفر إجماعا لأنه مدرِك أن ما فعله دافع ومؤدّ إلى صدور الكفر من غيره.

 

كفار قريش كانوا لا يصرحون بسب الله لأنهم كانوا يقرون بأن الله خالقهم وإن أشركوا فنهاهم الله عن سبّ أصنامهم كي لا يسبوا الله عند ذلك قال النسفي وكان المسلمون يسبون ءالهتهم فنُهُوا عن ذلك لئلا يكون سبهم سببا لسب الله. وقال البغوي وظاهر الآية وإن كان نهيا عن سبّ الأصنام فحقيقته النّهي عن سبّ الله تعالى لأنّه سبب في ذلك . وقال الواحدي في الوجيز وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم (لا يسُبُّ أحدكم والديه قيل يا رسول الله ومن يسب والديه قال يسب والدي غيره فيُسَبُّ والداه). وروى الحديث البخاري ولفظه عنده (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال يسبُّ الرجل أبا الرجل فيَسُبُّ أباه ويسبُّ أمه)  وذكر في المجلد الثاني من كتاب فتح القدير وفي كتاب تبيين الحقائق وفي كتاب البُرَيقَةِ المَحْمُودِيَّةِ في شرح الطَّريقة المُحمَّديَّة وغيرها أنَّ الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه حين رأى ابنه حماد يناظر في الكلام (أي العقيدة) فنهاه فقال "رأيتك تناظر في الكلام وتنهاني" فقال "كنّا نناظر وكأن على رؤوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا وأنتم تناظرون وتريدون زلّة صاحبكم (أي فهو حالكم من حيث العموم) ومن أراد زلت صاحبه (أي بحيث يكذّب الشريعة) فقد أراد كُفره فهو فقد كفَر قبل صاحبه". فنسأل اللهَ السَّلامة مِن الكُفر والضَّلال.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : القـــرءان والحــديـث
الزيارات : 1558
التاريخ : 29/7/2021