“هيداك اليوم كنت عم قلب بصفحة الفايسبوك تبعيتي ولقيت فيديو عم يحكي عن قصيدة سموها عربيزية كان الشاعر عم يستعمل كلمات انكليزية ويحطها بصيغة عربية ليألف قصيدة مدري كيف عاملها ومركبها”. مقدمة تدعو للاستغراب، أليس كذلك؟
ربما استغربتم أعزائي القراء من صياغة مقدمة رسالتي هذه بلغتنا العامية وقد تكونون واجهتم صعوبة في بداية الأمر في قراءة المقدمة إذ ليس من عادتي أن أكتب شيئًا بلغة معوجة! لكن بمجرد أن اكتشفتم اللعبة أصبحت قراءتها أسهل وأسهل تباعًا وزال شعور الاستغراب. لماذا لأننا تعودنا على لغتنا العامية المعوجة، ولأننا لا نكاد نستعمل لغتنا العربية الفصيحة إلا في حصة اللغة العربية في المدرسة أو عند قراءتنا لصفحات المجلات والجرائد «والحمد للّه أنها ما زالت تستعمل اللغة العربية الفصيحة».
وبالعودة إلى المقدمة بعد سماعي لهذه القصيدة العربلمية العربيزية، دفعني الفضول إلى البحث أكثر والتفكير مليًّا بلغتنا العامية وبالألفاظ التي نستعملها عند التواصل مع بعضنا. بالتأكيد لن أخوض كثيرًا في تاريخ اللغة وكيف تكسرت لغتنا الفصيحة وكيف تغيّرت الألفاظ وما هي العوامل التاريخية والجغرافية والاجتماعية التي أدت إلى تحريف كثير من الألفاظ في اللغة الفصيحة وقلبتها إلى عبارات «مضحكة» حاولنا أن نربطها بوجه من الوجوه باللفظة الأصلية. فموضوع تاريخ اللغات موضوع كبير وبحر واسع.
الصدمة ليست بارتباط بعض الألفاظ العامية ببعض الألفاظ الفصيحة، فمما لا شك فيه أن اللغة العربية الفصيحة لا زالت طاغية على لهجاتنا العامية، مع العلم أن كثيرًا من اللغات الأخرى كان لها دور في تشكيل مصطلحاتنا العامية. الصدمة أن بعض المصطلحات العامية نقولها قاصدين التعبير عن شىء ما لكن إن نظرنا في معناها الأصلي في اللغة نجد أن المعنى مغاير تمامًا للمعنى المقصود. «خلينا» نقول مثال. قد يستعمل الكثير منا كلمة «خلينا» أو «خليني» ويقصد بها اسمح لي خاصة إذا كانت الجملة «ما خلاني أضهر مع رفقاتي» يكون المعنى المقصود لم يسمح لي. لكن بالنظر إلى كلمة «خلّى» في قواميس اللغة العربية نجد أن معناها ترك. لذا لنفكر مليًّا في قولنا لأحبتنا «الله يخلّيكن» لأننا بذلك قد نكون ندعو عليهم وليس لهم!.
مثال آخر على هذا الموضوع، لنتخيل معًا جلوسنا على مائدة العشاء وصودف جلوسُك بعيدًا عن إبريق الماء وفجأة شعرت بالعطش، ولم تجد أحدًا قريبًا من إبريق الماء سوى أخيك الصغير فإنك ستقول له «عطيني ابريق المي» بغض النظر عن كلمة «مي» التي لم أجد سببًا لماذا أو كيف تحولت كلمة ماء إلى مي، تركيزي الآن على كلمة «عطيني». أولًا، أين ذهبت الألف يا حبيبي، أجدادك العرب لم يبدؤوا كلامهم بساكن فكيف حرّفناها وسكّنّا العين بدون وضع ألف قبلها. ثانيًا، يا عزيزي، أنت تخاطب أخاك وليس أختك، وصدقني لو لم يكن يتحدث اللغة المعوجة نفسها التي تتكلم بها لآلت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. أعطى فعل ماضٍ، وصيغة الأمر منه عند مخاطبة الذكور تكون بحذف حرف العلة من آخره، فيصبح أعطِ وإن أردت زيادة ياء المتكلم تقول أعطني، أما أعطيني فتوجه فعل الأمر بها لأختك أو زوجتك. لذا دعونا ننتبه لهذه الأمور حتى لا نخاطب أستاذ لغة عربية بصيغة المؤنث فيؤلف قصيدة في هجائنا، وبالغالب سيهجونا بألفاظ لن نفهمها. حقيقة لغة معوجة!! تخيلوا لو أن أحدهم جاء يهنئنا بمناسبة زواج أو خطبة أو نجاح أو تخرج، أول كلمة تخطر في بالنا بعد كلمة «بارك الله فيك» كلمة «حبيبي عقبالك».
دعونا نشرّح هذه الكلمة تشريحًا دقيقًا. أصل هذه الكلمة في اللغة الفصيحة هو «العُقبى لك» وهي مشتقة من فعل أعقب أي أتبع وكأننا نقول للشخص الذي نتكلم معه، إن شاء الله تكون أنت العاقب لي أي إن شاء الله تكون أنت التالي فتتزوج أو تخطب أو تنال شهادة مباشرة بعدي، لكن بما أن لساننا أصبح ثقيلًا اندمجت الكلمتان في كلمة واحدة. الأمر نفسه حصل في سامراء، المدينة العراقية عندما تحولت من «سر من رأى» إلى «سامراء». والأخطر من هذا كله، بعض الكلمات التي تؤدي إلى أمور خطيرة، قد توقع الإنسان في المعصية ومن الأمثلة المشهورة على ذلك، الوباء المنتشر بين كثير من الناس في موضوع تحريف لفظ الجلالة عندما يقولون: «أللا» بدل «الله» وهؤلاء أنفسهم لو ناديتهم باسمهم مع إنقاص آخر حرف ينظرون إليك بامتعاض وازدراء فأنت في نظرهم قد انتقصت من كرامتهم ويعتبرونه استهزاء بهم، فكيف رضوا بتحريف لفظ الجلالة ولم يرضوا بتحريف أسمائهم؟! حقيقة لغة معوجة وعقول معوجة. نسأل الله أن يهديهم وأن يحفظ لنا لغتنا العربية الفصيحة من مزيد من التحريف. والسلام.
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | مقالات مختارة |
الزيارات : | 2014 |
التاريخ : | 8/3/2020 |
|