لقد وقع السؤال عن حكم ما يُسمّى اليوم بالتلقيح الاصطناعي، فهل يُجوّزه شرعنا الإسلامي الحنيف؟ وهل من ضوابط لهذا الأمر؟
فالجواب والله أعلم، أن الحمل لا يكون إلا باجتماع منيّ الرجل ومنيّ المرأة معًا، ولا يتأتّى الحمل بدون ذلك خلافًا لما شاع بين بعض الناس من أنّ منيّ الرجل وحده كافٍ فيدّعون أنه لو وُضِع منيُّ الرجل مع بعض الخلايا التي لا تحتوي على منيّ المرأة في الرحم يكون كافيًا لحصول الحمل، فإن ذلك غير صحيحٍ، بدليل قوله عزّ وجلّ: ﴿مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ سورة الإنسان/2، يعني من ماء الرجل وماء المرأة كما ذكر الطبريّ المفسّر الشهير وغيره، إذ الأمشاج الأخلاط.
بناءً على ما تقدم نقول: إن ما يسمّى اليوم بالتلقيح الاصطناعي إنما هو وضع منيّ الرجل في رحم المرأة، فيختلط منيّه بمنيّها فيحصل الحمل. ولذلك حالاتٌ عديدةٌ ولكل حالةٍ حكمها كما نبيّن إن شاء الله. الحالة الأولى: وضع منيّ غير الزوج في رحم الزوجة، فإن هذا محرمٌ قطعًا، سواءٌ كان بإذن الزوج أو بغير إذنه، لعلةٍ في الزوج لا يُرجى شفاؤه منها أو لغير علةٍ، وكثيرًا ما يلجأ بعض الناس لفعل هذا لمرضٍ مزمنٍ في الزوج وادّعاء بعض الأطباء أن منيّ الزوج لا يحصل منه حملٌ بسبب هذا المرض، فهو مع ذلك محرمٌ كما أسلفنا لما في ذلك من مفاسد كثيرةٍ ومحظوراتٍ خطيرةٍ يأباها شرعنا الطاهر كما لا يخفى. الحالة الثانية: وضع منيّ الزوج ومنيّ الزوجة في رحم امرأةٍ غير الزوجة، وهو محرمٌ أيضًا كالحالة الأولى، ولو كانت الزوجة ممّن يئست من الحمل.
ومن هنا يعلم فساد وبطلان وتحريم ما يسمى بتأجير الأرحام الذي درج عليه بعض الفاسدين في زماننا، حيث ترى بعض المتزوجين يقدمون على دفع مالٍ لامرأةٍ ما ووضع منيّ الزوجين في رحمها لتضع لهما مولودًا، فهذا عملٌ مذمومٌ شرعًا ولا يخفى على أدنى متعلمٍ تحريمه. الحالة الثالثة: وضع منيّ الزوجين في رحم الزوجة بعد معالجة المنيّين في الأنابيب الطبية، فإن ذلك إن كان بفعل الزوج، لكونه طبيبًا مثلًا، فلا حرج في ذلك شرعًا، لعدم وجود المحظور والممنوع في الشرع من كشف العورة والخلوة المحرمة ونحو ذلك، ولا يشترط انتظار مدةٍ تظهر فيها حالة اليأس من الحمل، بل يجوز الإقدام على ذلك مطلقًا. وأما إن كان ذلك بغير فعل الزوج فيتعارض في هذه الحالة أمران: أحدهما حرمة كشف العورة أمام غير الزوج من الرجال، والثاني وجود الضرورة إن كان الزوجان لا ولد لهما، فقد نص بعض أئمتنا على جواز الإقدام على ذلك بشروطٍ، وذلك بأن يكون بعد حصول اليأس من الحمل بالطريق المعتاد وأن يكون ذلك بكشف ما يحتاج له فحسب ولا يزاد على موضع الحاجة، وأن يكون الزوجان لا ولد لهما، فإن ذلك إنما جوّز لحاجتهما للولد. وأما لو كان لهما ولدٌ فلا يجوز فعل هذا الأمر مع كشف العورة لارتفاع الضرورة حينئذٍ. وليتنبه إلى أمرٍ هام وهو أنه لا بد لجواز كشف العورة أمام الطبيب الرجل كما ذكرنا سابقًا عدم وجود طبيبةٍ تعتمد في هذا، وإلا فمتى ما وجدت الطبيبة حرم كشف العورة أمام الطبيب الرجل وإن كانت الحاجة تدعو لذلك، والله أعلم بالصواب.
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | مقالات مختارة |
الزيارات : | 1943 |
التاريخ : | 8/3/2020 |
|