يجبُ الإيمانُ بالميزان، أي بأنَّه حَقٌّ، وهو كميزانِ الدنيا، له قَصَبَةٌ وعَمُودٌ وكَفَّـتَانِ، كَفَّةٌ للحَسَنَاتِ وكَفَّةٌ للسَّـيِّئاتِ، تُوزَنُ بهِ الأعمالُ يومَ القيامة.. والذي يتولَّى وَزْنَ الأعمال يومَ القيامة جبريلُ وميكائيل.. وما يُوزَنُ إنَّمَا هو الصَّحَائِفُ التي كُتِبَ فيها الحَسَنَاتُ والسَّـيِّئاتُ.. فمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ على سَيِّئاتهِ فهو من أهلِ النجاة، ومَنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُ وسيِّئاتُه فهو من أهلِ النجاةِ أيضًا ولكنَّه أقلُّ رتبةً من الطبقةِ الأولى وأرفعُ من الثالثة، ومَنْ رَجَحَتْ سيِّئاتُه على حَسَناتهِ فهو تحتَ مشيئةِ الله إن شاءَ عذَّبه وإن شاءَ غفَر له.. وأمَّا الكافرُ فتَرْجَحُ كَفَّةُ سيِّئاتهِ لا غيرَ لأنه ليسَ له حَسَنَاتٌ في الآخرةِ لأنه أُطْعِمَ بحَسَنَاتهِ في الدنيا.. قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم [وأمَّا الكافرُ فيُطْعَمُ بحسناتهِ في الدنيا حتَّى إذا أفضَى إلى الآخرةِ لم يكن له حَسَنَةٌ يُعْطَى بها خيرًا].. والحديثُ صحيح.. رواه مسلمٌ في (صحيحه) وغيرُه..
فالحاصلُ أنَّه يجبُ الإيمانُ بالميزانِ الذي أعدَّه الله لتُوزَنَ به أعمالُ العبادِ يومَ القيامة.. يقولُ الله تعالى في سورةِ الأنبياء (ونَضَعُ الْمَوَازِينَ القِسْطَ ليومِ القيامةِ فلا تُظْلَمُ نفسٌ شيئًا[47]).. والظاهرُ أنَّ لكلِّ مُكَلَّفٍ ميزان.. والقِسْطُ: العَدْلُ، أي ليسَ في الموازينِ بَخْسٌ ولا ظُلْمٌ.. والقِسْطُ نَعْتٌ للموازين، ووُحِّدَ لأنه مَصْدَر.. يقال: ميزانٌ قِسْطٌ وميزانانِ قِسْطٌ وموازينُ قِسْط.. وقولُه (ليومِ القيامة) معناه لأهلِ يومِ القيامة، أي لأجلِهم.. والذينَ تساوت حسناتُهم مَعَ سيِّئاتِهم هم من أهلِ النجاة، لكن هؤلاء يُؤَخَّرُونَ بُرْهَةً عن دخولِ الجَنَّةِ، يكونونَ على الأعراف، على أعلى سورِ الجَنَّةِ.. الجَنَّةُ لها سُورٌ يحيطُ بها، وسورُها عريضٌ واسع يقالُ له الأعراف.. أهلُ الأعرافِ يُؤَخَّرُونَ بُرْهَةً عن دخولِ الجَنَّةِ ثمَّ يدخلونها بلا عذاب.. هؤلاءِ هم الذين تساوت حسناتُهم مَعَ سيِّئاتِهم.. يقولُ الله تعالى في سورة الأعراف (وبينَهما حجاب، وعلى الأعرافِ رجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بسيماهُم[46]).. أي بينَ الجَنَّةِ والنارِ حاجزٌ، وهو السُّورُ الذي ذَكَرَهُ الله تعالى في سورة الحديد (يومَ يقولُ المنافقونَ والمنافقاتُ للذينَ ءامنوا انظُرونا نَقْتَبِسْ من نُورِكُمْ قيلَ ارجِعوا وراءَكم فالتمِسُوا نورًا فَضُرِبَ بينهمْ بسُورٍ له بابٌ باطنُه فيهِ الرحمةُ وظاهرُه مِنْ قِبَلهِ العذابُ[13]).. والسُّورُ في هذه الآيةِ الأخيرةِ هو الحجابُ المضروبُ بينَ الجَنَّةِ والنارِ المذكورُ في قولهِ تعالى (وبينَهما حجاب).. أي بينَ الجَنَّةِ والنارِ حاجز.. وهذا الحاجزُ هو سورُ الجنَّة.. وأعلى هذا السُّورِ يقالُ له الأعراف.. فهؤلاء المؤمنون، أهلُ الأعراف، يمكُثون على سورِ الجنَّة، من جهةِ أعلاه، فيَعْرِفُونَ أهلَ الجَنَّةِ بسيماهُم، أي يَعْرِفُونَ أهلَها ببياضِ وجوهِهم، ويَعْرِفُونَ أهلَ النارِ بسوادِ وجوهِهم.. فينادي أصحابُ الأعرافِ أصحابَ الجَنَّةِ أنْ سلامٌ عليكم، ويقولونَ عندما يَرَوْنَ أهلَ النارِ (رَبَّنا لا تجعلْنا مَعَ القومِ الظالمين[47]) [الأعراف].. يقولُ الله تعالى في سورة الأعراف (ونادَى أصحابُ الأعرافِ رجالًا يعرِفونهم بسيماهُم قالوا ما أغنى عنكم جَمْعُكُمْ وما كنتم تستكبرون[48]).. أي ينظرُ أصحابُ الأعرافِ نحوَ أصحابِ النارِ فيَرَوْنَ رجالًا كانوا يعرِفونهم في الدنيا فينادونهم بأسمائهم ويقولونَ ما أغنى جَمْعُكُمْ في الدنيا للمال والولدِ وتكبُّرُكم.. ويكونُ أهلُ النارِ قد أقسَمُوا أنَّ أهلَ الأعرافِ سَيَدْخُلُونَ النارَ مَعَهُمْ وأنَّ اللهَ لن يُدْخِلَهُمُ الجَنَّةَ فيقولُ الله تعالى (أهؤلاء الذينَ أقسمتُم لا ينالُهم الله برحمة، ادخُلُوا الجَنَّةَ لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون[49]) [الأعراف].. فيدخلُ أهلُ الأعرافِ الجَنَّةَ.. وبعدما يصيرونَ فيها يطمعُ أهلُ النارِ في الفَرَجِ بعدَ اليأسِ، فيقولون [يا رَبَّنا إنَّ لنا قَراباتٍ من أهلِ الجَنَّةِ فأْذَنْ لنا حتَّى نراهم ونكلِّمَهم].. فينظُرونَ إليهم وإلى ما هم فيهِ من النعيم فيعرِفونهم.. وينظُر أهلُ الجَنَّةِ إلى قَراباتِهم من أهلِ جَهَنَّمَ فلا يعرِفونهم بعدَما اسودَّت وجوهُهم.. فينادي أصحابُ النارِ أصحابَ الجَنَّةِ بأسمائهم ويخبرونهم بقَراباتِهم.. يقولُ الله تعالى في سورة الأعراف (ونادَى أصحابُ النارِ أصحابَ الجَنَّةِ أنْ أَفيضُوا علينا من الماء أو مِمَّا رَزَقَكُمُ الله، قالوا إنَّ الله حَرَّمَهُمَا على الكافرين[50]).. وفي سورة الأعراف أيضًا (ونادَى أصحابُ الجَنَّةِ أصحابَ النارِ أنْ قد وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فهل وَجَدتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، قالوا نَعَمْ، فأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بينَهم أنْ لعنةُ الله على الظالمين[44]).. صدق الله العظيم..
أهلُ الأعراف ليسَ هم ءاخِرَ مَنْ يدخلُ الجنَّة.. قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم [إنَّ ءاخِرَ أهلِ الجَنَّةِ دخولًا الجَنَّةَ وءاخِرَ أهلِ النارِ خروجًا من النارِ رَجُلٌ يخرجُ حَبْوًا فيقولُ له رَبُّهُ ادخلِ الجَنَّةَ فيقولُ رَبِّ الجَنَّةُ مَلْأَى فيقولُ له ذلكَ ثلاثَ مَرَّاتٍ فكُلُّ ذلكَ يُعِيدُ عليهِ الجَنَّةُ مَلْأَى فيقولُ إنَّ لكَ مِثْلَ الدنيا عَشْرَ مِرار].. رواه البخاريُّ ومسلم واللفظُ للبخاريِّ..
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | ســـؤال و جــواب |
الزيارات : | 5585 |
التاريخ : | 11/10/2014 |
|