بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الحي القيوم المدبر لجميع المخلوقين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخِرين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اما بعد
اغتنم وقتك في طاعة الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [مما أنزل الله في صحفِ إبراهيم [1] على المرءِ العاقلِ ما لم يكن مغلوباً على عقلهِ أن يكون له أربعُ ساعاتٍ ساعةٌ [2] يناجي فيها ربَّهُ [3] وساعةٌ يُحاسبُ فيها نفسَهُ و ساعةٌ يتفكر فيها فيما صنع الله وساعةٌ يخلو فيها لَمطْعَمهِ و مشربهِ وعلى العاقلِ أن يكونَ بصيراً بزمانهِ [4] و ألا يتكلم فيما لا يعنيه فمن حسَب كلامَهُ من عملهِ قلَّ أن يَتكَلمَ فيما لا يعنيهِ[ هذا الحديث معناه أن العاقل ينبغي أن يكون لهُ كُلَّ يومٍ أوقاتٌ وقتٌ يناجي فيه ربَّهُ ومناجاةُ اللهِ عباَدتُهُ بالصلاةِ و الذِّكرِ و نحوِ ذلكَ ووقتٌ يحاسبُ فيهِ نفسَهُ أن ينظرَ في حالِ نفسهِ فإن كان مُسيئاً تابَ إلى الله وإن كان جاهلاً تعلمَ ما فرض الله وإن كانَ تاركاً لبعض الفرائضِ عملَ على أدائِها وقد رُوى عن عمرَ بنِ الخطابِ أنهُ قال [حاسبُوا أنفُسَكُم قبلَ أن تُحَاسبُوا] ومن وجدَ نفسهُ محسناً يثبتُ على الإحسانِ و يزيد، فالعاقلُ يكونُ يومهُ أحسنَ من أمسهِ وغدهُ أحسنَ من يومهِ ، وينبغي للعاقلِ أن يكونَ لهُ وقتٌ في يومهِ يتفكر فيه في صنع اللهِ معناهُ يتفكر فيهِ في مخلوقاتِ الله ، فينظر في حال نفسهِ مثلاً كيف خرجَ من بطنِ أمه لا يعلمُ شيئاً ثم كبر فعلم أشياء وكان ضعيفاً لا يقدرُ على المشي و لا على مضغِ الطعامِ ثم قويَ فصار يمشي ثم ينتقل إلى الضعفِ مرةً أخرى فيتفكر ويقول كنت ضعيفاً ثم صرتُ قوياً ثم رَجَعتُ ضعيفاً ، معنى ذلكَ أنني أتغير من حال إلى حال و أنِّي لا أستطيعُ أن أُعطي نفسي قوةً و لا أستطيعُ أن أُحافِظَ على القوةِ التي أُعطيتُها فلا بُدّ لي من خالقٍ خلقني لا يُشبِهُني بأيِّ وجهٍ من الوجوه أنا جسمٌ فيهِ روحٌ و تطرأُ عليَّ صفاتٌ و لِيَ مكانٌ وجهةٌ و لِيَ ابتداءٌ وانتهاءٌ فخَالقي لا يجوزُ أن يكونَ كذلكَ ، وهذا التفكرُ يفيدُ المؤمنَ تقوية الإيمان وزيادةَ حُبِّ الله و تنزيهَ الله وغير ذلكَ قال الله تعالى {الذينَ يذكرون الله قياماً و قُعوداً وعلى جنوبِهمِ ويتفكرونَ في خلقِ السماواتِ و الأرض ربنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقِنا عذابَ النار {و يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم] تفكروا في كلِّ شئٍ ولا تَفكّروا في ذاتِ الله] ومعنى قولهِ سبحانكَ أي ننزهُكَ يا رب عن مشابهةِ الخلق .
وينبغي أن يكون للعاقل وقتٌ في يومهِ لتحصيل الطعامِ و الشرابِ و يجبُ أن يكون ذلك من الحلالِ لأن طلب الرزقِ من الحرام حرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنارُ أولى بهِ] [5] والسحتُ الحرام، وهذا الأمرُ أي الطعامُ والشرابُ قد يغني اللهُ بعضَ عبادهِ عنه كما حصلَ لكثير من الأولياء و قد صحَ كما روى الحافظُ الحاكمُ أن امرأةً أسمُها رحمةُ بنتُ إبراهيم كان زوجُها قتل شهيداً في المعركةِ ولها أولادٌ صغار دخلت في الصلاةِ ونامت وهي ساجدة فرأت زوجَها في الجنةِ مع أصحابهِ متحلِّقين حلقاً حلقا في أرضٍ خضراء جميلة فناداها يارحمةُ يارحمةُ وقال لأصحابهِ هل تأذَنون لي أن أُطعِمَ هذه المِسكينة فناولها لُقمةً ، قالت رحمةُ لا أدري ما هي ؟ لونُها أبيضُ من الثلجِ و هي ألينُ من الزبد وأحلى من العسلِ و قال لي كُلي فلا تجوعين بعد هذا أبداً و لا تَعْطَشين أبدا قالت فأكلتها و أصبحت ريّا شَبْعى ثم إنها عاشت بعد ذلك سنين لا تأكلُ و لا تشرب وصحتها قوية ومتوردةُ الخدين و انتشر خبرُها حتى إن بعض الحكام حبسها في غرفةٍ ووضع عليها حرساً فصلاً كاملاً لينظر إن كانت تأكلُ أو تشرَب فوجدها لا تأكُل و لا تشرب ثم ينبغي للعاقل أن يحسب كلامهُ من عَملهِ و ان لا يتكلم فيما لا يعنيه فإن هذا يعينه على تقوى الله ففي الحديث [من صمت نجا] رواه الترمذي وفي الحديث الذي رواه ابنُ حِبان [عليك بطولِ الصمت إلا من خير فإنهُ مطْرَدةٌ للشيطان عنك و عونٌ لك على أمر دينك [معناه الشيطانُ ينزعجُ من المؤمنِ الذي يُكثر الصمت لأنه لا يُوقِعَهُ في الغلطِ كمن يُكْثر الكلامَ و معناه أن المؤمن يعينه على أمر الدين أي على تقوى الله أي أن يُطيل الصمتَ وهذا من صفة الأنبياء و الأولياء قال الشافعي من [كَثُرَ لغَطُهُ [6] كَثرَ غلطه ومن طابريحه زاد عقله و من نظُفَ ثوبُه قل همُهُ] .
[1] هذه صحف إبراهيم ما كان فيها أحكام شريعة مثل القرآن كان فيها مواعظ و عبر من جملة ما فيها من المواعظ هذا الذي رواه الرسول.
[2] حصة من الوقت.
[3] يعمل بالطاعة ، الصلاة مناجاة ، الذكر مناجاة ، الطاعات مناجاة.
[4] يعني يعرف حال الزمن الذي هو فيه حتى يتصرف بحكمة تفيدُ أمر الدين.
[5] يستحق العذاب
[6] اللغط هو الكلام الذي لا خير فيه.