www.sunnaonline.org

19- عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب - بصوت الشيخ جيل صادق الأشعري

 

 

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

 

الشَّرْحُ: أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلاةِ وَلِكَيْفِيَّةِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْمَحْمُولِ لَهُ كَقِنِّينَةٍ يَحْمِلُهَا فِي جَيْبِهِ.

 

الشَّرْحُ: مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ كَدَاخِلِ الْفَمِ وَالأَنْفِ وَالْعَيْنِ وَفِي الثَّوْبِ وَالْمَحْمُولِ لَهُ كَالشَّىْءِ الَّذِي يَحْمِلُهُ فِي جَيْبِهِ سَوَاءٌ كَانَ قِنِّينَةً أَوْ وَرَقَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُلاقِي بَدَنَهُ أَيْ يُمَاسُّ ذَلِكَ فَلا تَضُرُّ الْمُحَاذَاةُ بِلا مُمَاسَّةٍ فَلَوْ كَانَ يُحَاذِي بِصَدْرِهِ نَجَاسَةً فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَضُرُّ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ لاقَاهُ نَجَسٌ أَوْ مَحْمُولَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا أَوْ يَكُونَ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَدَمِ جُرْحِهِ.

 

الشَّرْحُ: أَنَّ مَنْ طَرَأَ لَهُ فِي الصَّلاةِ نَجِسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ لاقَاهُ أَوْ لاقَى ثَوْبَهُ أَوْ شَيْئًا يَحْمِلُهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا بِأَنْ كَانَ يَابِسًا فَأَلْقَاهُ لا بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ بَلْ بِنَفْضِ ثَوْبِهِ مَثَلًا أَوْ كَانَ رَطْبًا فَأَلْقَى الْمَحْمُولَ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ وَنَحْوِهِ فَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ. أَمَّا لَوْ أَزَالَ النَّجَسَ الْيَابِسَ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ أَلْقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ مَعَ إِبْقَاءِ مَا تَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فَسَدَتْ صَلاتُهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ مُلاقَاةِ النَّجَسِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ دَمُ جُرْحِهِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ أَيْ يُسَامَحُ فِيهِ وَلَوْ سَالَ وَلَوَّثَ الثَّوْبَ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ إِزَالَةُ نَجَسٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ، وَالْحُكْمِيَّةِ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَالنَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ هِيَ الَّتِي لا يُدْرَكُ لَهَا لَوْنٌ وَلا طَعْمٌ وَلا رِيحٌ.

 

الشَّرْحُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ إِزَالَةُ النَّجَسِ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَمَّا الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَلا يُشْتَرَطُ كَدَمِ جُرْحِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ تَكُونُ بِإِزَالَةِ عَيْنِهَا وَالْمُرَادُ هُنَا إِزَالَةُ جِرْمِهَا وَأَوْصَافِهَا مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ فَبَعْدَ إِزَالَةِ جِرْمِهَا يُشْتَرَطُ إِزَالَةُ أَوْصَافِهَا أَيِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ. وَأَمَّا أَثَرُ لَوْنِ النَّجَاسَةِ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الثَّوْبِ بَعْدَ غَسْلِهِ جَيِّدًا فَلا يَضُرُّ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَتَصِحُّ الصَّلاةُ مَعَ وُجُودِهِ. وَقَوْلُهُ «بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ» يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّمْسَ وَالرِّيحَ لا تُطَهِّرَانِ بَلْ الْمُطَهِّرُ هُوَ الْمَاءُ. وَقَوْلُهُ «وَالْحُكْمِيَّةِ بِجِرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا» يُرِيدُ بِهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ وَهِيَ الَّتِي لا يُدْرَكُ لَهَا جِرْمٌ وَلا وَصْفٌ كَبَوْلٍ جَفَّ لا رِيحَ لَهُ وَلا طَعْمَ وَلا لَوْنَ تَحْصُلُ إِزَالَتُهَا بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْكَلْبِيَّةِ بِغَسْلِهَا سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ مَمْزُوجَةٌ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ، وَالْمُزِيلَةُ لِلْعَيْنِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ وَاحِدَةٌ وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ إِنْ كَانَ قَلِيلًا.

 

الشَّرْحُ: النَّجَاسَةُ الْكَلْبِيَّةُ وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرِيَّةُ تُزَالُ بِغَسْلِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ مَمْزُوجَةٌ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ كَأَنْ يُوضَعَ التُّرَابُ فِي الْمَاءِ فَيُكَدِّرَهُ فَإِذَا وَصَلَ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي كَدَّرَهُ إِلَى جَمِيعِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ الْكَلْبِيَّةُ أَوِ الْخِنْزِيرِيَّةُ أَجْزَأَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتِ الْمَرَّاتُ السَّبْعُ الَّتِي غُسِلَ بِهَا مَمْزُوجَةً بِالتُّرَابِ صَحَّ لِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ دَخَلَهُ التُّرَابُ يَبْقَى طَهُورًا. وَمَا يُزِيلُ الْجِرْمَ مَعَ الْوَصْفِ مِنَ الْغَسَلاتِ يُعَدُّ غَسْلَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي طُهْرِ الْمُتَنَجِّسِ مُطْلَقًا وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ إِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنْصَبِّ مِنْ نَحْوِ أُنْبُوبَةٍ وَصَاعِدٍ مِنْ نَحْوِ فَوَّارَةٍ فَإِنْ وَرَدَ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ تَنَجَسَّ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

 

الشَّرْحُ: أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ زِيَادَةً عَلَى الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ وَعَنِ النَّجَاسَةِ وَلِبَيَانِ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ.

 

الشَّرْحُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ أَيْ جِرْمِهَا أَوْ مَا يُحَاذِي جِرْمَهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ أَوِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَلَوِ اسْتَقْبَلَ مُشَاهِدُ الْكَعْبَةِ الْكَعْبَةَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجٌ عَنْهَا لَمْ يَكْفِ. وَالْمُرَادُ بِالْكَعْبَةِ الْقَدْرُ الْقَائِمُ الآنَ. وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِالصَّدْرِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَبِمُعْظَمِ الْبَدَنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَالْقَادِرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ لا يَأْخُذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ وَإِنْ فَعَلَ لا تَنْعَقِدُ صَلاتُهُ بَلْ يَجْتَهِدُ هُوَ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا إِنْ دَخَلَ بَيْتَ ثِقَةٍ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ الثِّقَةُ عَنْ عِلْمٍ لا عَنِ اجْتِهَادٍ هَكَذَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى كَلامِهِ. وَأَمَّا الطِّفْلُ الْمُمَيِّزُ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الِاجْتِهَادَ فَيُقَالُ لَهُ الْقِبْلَةُ مِنْ هُنَا.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلاةِ.

 

الشَّرْحُ: مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ مَعْرِفَةُ دُخُولِ الْوَقْتِ يَقِينًا كَأَنْ يُعَايِنَ الزَّوَالَ بِرُؤْيَةِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ بُلُوغِ الشَّمْسِ وَسَطَ السَّمَاءِ أَوْ يُعَايِنَ تَحَوُّلَهُ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ أَوْ ظَنًّا بِاجْتِهَادٍ كَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى صِيَاحِ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. وَإِذَا عَمِلَ التَّقِيُّ الثِّقَةُ الْعَارِفُ تَقْويِمًا لِأَوْقَاتِ الصَّلاةِ اعْتِمَادًا عَلَى مُرَاقَبَتِهِ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يَنْظُرَ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ إِلَى الظِّلِّ لِصَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِلَى الأُفُقِ لِلصَّلَوَاتِ الثَّلاثِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ. وَكَذَلِكَ يُعْرَفُ دُخُولُ الْوَقْتِ بِقَوْلِ الثِّقَةِ أَوْ بِسَمَاعِ أَذَانِهِ. وَلا يَكْفِي الْقِيَامُ لِلصَّلاةِ وَالدُّخُولُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ بَلْ تِلْكَ الصَّلاةُ فَاسِدَةٌ وَلَوْ صَادَفَتِ الْوَقْتَ. وَأَمَّا مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ لِأَجْلِ غَيْمٍ فَيَجْتَهِدُ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى مِنَ الأَيَّامِ الَّتِي رَاقَبَ فِيهَا عَلَى التَّحْقِيقِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالإِسْلامُ وَالتَّمْيِيزُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ إِلَى حَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ.

 

الشَّرْحُ: مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي مُسْلِمًا فَالْكَافِرُ لا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلاةُ. كَذَلِكَ التَّمْيِيزُ شَرْطٌ فَالْوَلَدُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلاةُ فَلا يُقَالُ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ صَلِّ بَلْ يُقَالُ لَهُ انْظُرْ كَيْفَ الصَّلاة.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْعِلْمُ بِفَرْضِيَتِهَا.

 

الشَّرْحُ: كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ الْعِلْمُ بِفَرْضِيَتِهَا فَلَوْ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِيهَا هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَوْ لا أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا نَفْلٌ لَيْسَتْ فَرْضًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاتُهُ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّهَا فَرْضٌ فَتَصِحَّ مِنْهُ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ لا يَعْتَقِدَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِهَا سُنَّةً.

 

الشَّرْحُ: أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ أَنْ لا يَعْتَقِدَ أَنَّ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِهَا سُنَّةٌ أَيْ غَيْرُ وَاجِبٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ لِلْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَرْضٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ أَفْعَالَهَا أَوْ أَقْوَالَهَا كُلَّهَا فُرُوضٌ صَحَّتْ صَلاتُهُ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ وَبَعْضَ أَفْعَالِهَا سُنَّةٌ وَلَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنَّ صَلاتَهُ صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِيُّ وَغَيْرُهُ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالسَّتْرُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبِمَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ لا الأَسْفَلِ.

 

الشَّرْحُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ وَخَالِيًا تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْعَوْرَةُ فِي الصَّلاةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَيِ الأُنْثَى الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ جَمِيعُ بَدَنِهَا إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. وَالسَّتْرُ يَحْصُلُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْجِلْدِ وَالشَّعَرِ، وَأَمَّا مَا لا يَسْتُرُ اللَّوْنَ فَلا يَكْفِي، فَلا يَكْفِي الثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي تُمَيَّزُ مِنْ خَلْفِهِ الْبَشَرَةُ السَّمْرَاءُ مِنَ الْبَشَرَةِ الْبَيْضَاءِ. وَأَمَّا حَدُّ الْعَوْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ فَهُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَلَيْسَتِ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةً إِنَّمَا الْعَوْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا. وَهَذَا السَّتْرُ الْمُشْتَرَطُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ لا مِنَ الأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى الشَّخْصُ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ وَكَانَتْ تُرَى عَوْرَتُهُ لِمَنْ نَظَرَ مِنْ أَسْفَلَ لَكِنَّهَا لا تُرَى مِنَ الأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ صَحَّتْ صَلاتُهُ.

 

مُبْطِلاتُ الصَّلاةِ

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالْكَلامِ وَلَوْ بِحَرْفَيْنِ أَوْ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ إِلَّا أَنْ نَسِيَ وَقَلَّ.

 

الشَّرْحُ: الصَّلاةُ تَبْطُلُ بِمَا هُوَ مِنْ كَلامِ النَّاسِ عَمْدًا مَعَ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا لا يَسْتَطِيعُ تَرْكَ ذَلِكَ النُّطْقَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ النُّطْقُ بِحَرْفَيْنِ كَهَلْ وَبَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَعْنًى وَبِحَرْفٍ مَمْدُودٍ كَأَنْ يَقُولَ ءَا أَوْ إِيْ أَوْ أُو فَإِنَّهُ بِسَبَبِ الْمَدِّ صَارَ حَرْفَيْنِ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ قِ بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ لا يَتْبَعُهَا شَىْءٌ وَكَذَلِكَ عِ بِعَيْنٍ مَكْسُورَةٍ وَكَذَلِكَ فِ بِكَسْرِ الْفَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ الثَّلاثَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ مَعْنًى يُفْهَمُ مِنْهُ فَقِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوِقَايَةِ وَعِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوَعْيِ وَفِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوَفَاءِ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ يُبْطِلُ الصَّلاةَ إِنْ كَانَ عَمْدًا أَيْ وَمَعَ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ وَكَانَ عَالِمًا بِالتَّحْريِمِ. فَأَمَّا النَّاسِي أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ قَلِيلٍ أَيْ سِتِّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ فَأَقَلَّ فَلا يُبْطِلُ نُطْقُهُ هَذَا صَلاتَهُ وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ وَاشْتَرِ لِي خُبْزًا ثُمَّ أَحْضِرْهُ لِي ثُمَّ ضَعْهُ فِي مَكَانِ كَذَا وَنَحْوَ هَذَا. وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِحُرْمَةِ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ وَقْتٍ قَرِيبٍ أَوْ لِكَوْنِهِ نَشَأَ فِي بَلَدٍ بَعِيدَةٍ عَمَّنْ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ كَلامُهُ فِي الصَّلاةِ صَلاتَهُ. وَأَمَّا التَّنَحْنُحُ فَفِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ رَأْيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُبْطِلُ وَالآخَرُ لا يُبْطِلُ. وَخَرَجَ بِكَلامِ النَّاسِ ذِكْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مَا يَسَعُ قَدْرَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَقِيلَ ثَلاثُ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، وَالأَوَّلُ أَقْوَى دَلِيلًا.

 

الشَّرْحُ: مِمَّا يُبْطِلُ الصَّلاةَ الْفِعْلُ الْكَثِيرُ الْمُتَوَالِي وَضَبَطُوهُ بِثَلاثِ حَرَكَاتٍ سَوَاءٌ كَانَ بِثَلاثَةِ أَعْضَاءٍ كَحَرَكَةِ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلاثِ خَطَوَاتٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا ثَلاثُ حَرَكَاتٍ غَيْرُ مُتَوَالِيَاتٍ فَلا تُفْسِدُ الصَّلاةَ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ مِنَ الْفِعْل إِلَّا مَا وَسِعَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ فِي ءَانٍ وَاحِدٍ أَيْ مُتَوَالِيًا وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ كَبِيرٌ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالْحَرَكَةِ الْمُفْرِطَةِ وَبِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ وَبِالْحَرَكَةِ الْوَاحِدَةِ لِلَّعِبِ.

 

الشَّرْحُ: مِنَ الْفِعْلِ الْمُبْطِلِ الْحَرَكَةُ الْمُفْرِطَةِ كَالْوَثْبَةِ. وَمِنَ الْمُبْطِلِ أَيْضًا الْحَرَكَةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا كَانَتْ لِلَّعِبِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُفْرِطَةً أَمَّا إِذَا ابْتَسَمَ أَوْ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ وَلَدٍ صَغِيرٍ مَثَلًا لإِينَاسِهِ فَلا يُبْطِلُ ذَلِكَ الصَّلاةَ. وَلا يُفْسِدُ الصَّلاةَ تَحْرِيكُ الأَصَابِعِ مَعَ اسْتِقْرَارِ الْكَفِّ وَإِنْ كَثُرَ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيكُ الْجَفْنِ أَوِ اللِّسَانِ أَوِ الأُذُنِ وَحَلُّ زِرٍّ وَعَقْدُهُ وَلَوْ كَثُرَ إِنْ كَانَ الْكَفُّ قَارًّا مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّعِبِ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ كَأَنْ عَمِلَ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا ذَاكِرًا ذَلِكَ أَمَّا الرُّكْنُ الْقَوْلِيُّ إِذَا كَرَّرَهُ فَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ فَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مَثَلًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلاتُهُ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِلَّا أَنْ نَسِيَ وَقَلَّ.

 

الشَّرْحُ: مِنْ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ إِلَّا مَا كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ إِنْ كَانَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ قَلِيلًا. وَكَذَا تَبْطُلُ الصَّلاةُ إِذَا تَقَيَّأَ عَامِدًا أَوْ مَغْلُوبًا وَكَذَا لَوْ تَجَشَّأَ فَوَصَلَ الْجُشَاءُ إِلَى ظَاهِرِ الْفَمِ وَلَوْ لَمْ يَبْلَعْهُ أَمَّا إِنْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ شَىْءٌ مِنَ الْجَوْفِ إِلَى ظَاهِرِ الْفَمِ عِنْدَمَا تَجَشَّأَ أَوْ لا فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِنِيَّةِ قَطْعِ الصَّلاةِ وَبِتَعْلِيقِ قَطْعِهَا عَلَى شَىْءٍ وَبِالتَّرَدُّدِ فِيهِ.

 

الشَّرْحُ: مَنْ نَوَى فِي قَلْبِهِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلاةَ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ رَكْعَةٍ مَثَلًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ بِتَعْلِيقِ الْقَطْعِ بِشَىْءٍ كَأَنْ قَالَ فِي نَفْسِهِ إِنْ حَصَلَ كَذَا فَإِنِّي أَقْطَعُهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ حَالًا، وَكَذَلِكَ بِالتَّرَدُّدِ فِيهِ كَأَنْ قَالَ «أَقْطَعُهَا أَمْ أَسْتَمِرُّ فِيهَا» فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ خَاطِرًا أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يُورِثْهُ تَرَدُّدًا وَلا عَزْمًا عَلَى الْقَطْعِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِأَنْ يَمْضِيَ رُكْنٌ مَعَ الشَّكِّ فِي نِيَّةِ التَّحَرُّمِ أَوْ يَطُولَ زَمَنُ الشَّكِّ.

 

الشَّرْحُ: مَنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الصَّلاةِ هَلْ نَوَى فِي التَّحَرُّمِ أَوْ لا وَاسْتَمَرَ هَذَا الشَّكُّ حَتَّى مَضَى رُكْنٌ وَهُوَ يَشُكُّ فَإِنَّ صَلاتَهُ تَبْطُلُ كَأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ فِي هَذَا الشَّكِّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ شَاكٌّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَكَذَلِكَ إِذَا طَالَ زَمَنُ الشَّكِّ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مَعَهُ رُكْنٌ، فَأَمَّا إِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مَعَ الشَّكِّ رُكْنٌ أَوْ يَطُولَ وَقْتُ الشَّكِّ لَمْ تَبْطُلْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشُكَّ فَيَزُولَ سَرِيعًا. وَأَمَّا ظَنُّ أَنَّهُ فِي صَلاةٍ غَيْرِ الصَّلاةِ الَّتِي دَخَلَ بِنِيَّتِهَا فَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَلَوْ أَتَمَّهَا وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب
الزيارات : 3098
التاريخ : 20/2/2014