الحمد لله الذي شرع الزواج لخلقه، أحمده سبحانه وأشكره على مـا أفاض على العباد من عظيم رحمته، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّـد اشرف رسله وخَلْقه القائل "الدنيا مَتاع، وخير متاها المرأة الصالحة"، ورضي الله عن اهـل بيته وخيرة صحبه ومن سار على خطاهم واقتفى هديه، أما بعد يقول الله تعـالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ -إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا) سورة النساء / 1.
إن الدين الإسلامي الحنيف بتوجيهاته السديدة، وإرشاداته الحكيمة صان المرأة المسلمة وحفِظ لها شرفها وكرامتها، وتكفّـل بتحقـيق عِـزها وسعادتها، وهَـيأ لها أسباب العيش الهنيّ، بعـيداً عن مواطن الرّيب والفِتن، والشرّ والفساد، وتُـعَدُّ توجيهاتُ الإسلام وإرشاداتُه صِمامَ أمانٍ للمرأة، بـل للمجتمع بأسره من أن تحُـلَّ بـه الشرورُ والفتن، وأن تنزل به البلايا والمِحَن، وإذا ترحلت ضوابطُ الإسلام المتعلقةُ بالمرأة عن المجتمع حَـلَّ بـه الدمار، وتوالت عليه الشرور والأخطار، والتاريخ من أكبر الشواهد على ذلك، إذ مَنْ يتأمَّـلُ التاريخَ على طول مَداه يجد أن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفَكُك المجتمعات، وتحلُّل الأخلاق، وفشو الرذائل، وفساد القِـيَم ، وانتشار الجرائم هو تحلُّـلُ المرأة من تعاليم الـدين القويمة، وإرشاداته الحكيمة، وتوجيهاته المباركة.
لنرجع الى أسّ موضوعنا والآية التي بدأتُ بها مقالي، فيُستفاد مـن هذه الآية الكريمة الفوائد التالية:
أولا: ان هذه الآية لها فضلٌ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب في حاجة تـلا آية آل عمران (يا أيها الذين آمنوا اتـقوا الله حق تـقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون) وتلا قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَـثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّـذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). سورة النساء. ثم آيـة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) ثم يقول أما بعد ويذكر حاجته. ثانياً: أهمية الأمر بتقوى الله تعالى إذْ كررت في آية واحدة مرتين في أولها وفي آخرها. ثانياً: وجوب صِلة الأرحام وحرمة قطعها. رابعاً: مراعاة التعامل بـالعدل بين الناس. خامساً: اختلاف البشر وأصنافهم وبـلادهم ولغـاتهم وهم من اب وام دليل على عظيم قـدرة خلق ربّـنا فـلا معـبود بحـقّ سواه. سادساً: التقوى تجعل المسلم دائما مستشعِرا مراقبة الله عليه (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
فالزواجُ في الاسلام عقد متين وميثاق غليظ بين الرجل والمرأة مع توفر شروط وانتفاء موانع وليس هذا المقال مجال بحثها ولكني اذكر على عُجالة شروط عقد النكاح مختصرة فمن شروط صحته:
اولا: الصيغة كأن يقولَ الوليُّ (زوجتُكَ ابنتي فلانة) فيقول الزوجُ (قَبِلتُ زِواجَها)
ثانياً: كونُ الزوج مسلماً بالنسبة للمسلمة، فلا يجوز تزوُّج غير المسلم بمسلمة.
ثالثاً: كونُ الزوجة مسلمة او كتابيةً بالنسبة للمسلم - ويُشترطُ في الزوجة ايضا ان تكون خَلِـيَّـةً من عِـدَّة لغـيره، فلا يصحُّ عقدُ النكاح على مُعْتَدَّة وفاةٍ او مُعتدَّة طلاقٍ او فسْخٍ إلاَّ بعد انتهاء العِدَّة.
رابعاً: عَدَمُ التأقيتِ فلو قال الوليُّ (زوجتُـكَ ابنتي الى سنة او شهر او اسبوع او عشرين سنة) مثلا فهو فاسد ولا يصحُّ لانَّ التأقيت في النكاح يُـبطل النكاح، والتأقيت في النكاح يسمى بنكاح المُتعـة وقـد حَرَّمَهُ اللهُ تعالى على التأبيد على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلو قال للولي: زوجني فلانة شهراً، فإنه يكون نكاح متعة، هو باطل، ومثل ما إذا أقَّتَ بمدةِ عُمرها أو عُمره، فلو قال له الولي: زوجتك بنتي فلانة مدة عُمرها، بطل العقد، وذلك لأن مُقتضى العقد أن تبقى آثاره بعد الموت، ولهذا يصحُّ للزوج تغسيل زوجته إن ماتت والعكس كذلك.
والفرقُ بين الزواج الشرعي وزواج المتعة أذكره مُلخّصا في نقاط وهي: المتعة مؤقـتة بزمَـن، بخلاف الزواج الشرعي، فهو غير مؤقت ولا تنفك عقدته إلاَّ بالطلاق. لا يترتب على المتعة أي أثر من آثـار الزواج الشرعي، من وجوب نفقة وسُكنى وطلاق وعِـدة وتوارث، اللهم إلا إثبات النسب، بخلاف الزواج الشرعي الذي يترتب عليه كل الآثار السابقة لا طلاق يلحق بالمرأة المُتمتِّع بها، بل تقع الفُرقة مباشرة بانقضاء المدة المُتفَق عليها بخلاف الزواج الشرعي، أن الولي والشهود ليسوا شروطاً في زواج المُتعة بخلاف الزواج الشرعي فإن الشهود والوَلِيُّ شرط في صحته، أن للمتمتع في نكاح المتعة التمتُّع بأي عدد من النساء شاء، بخلاف الزواج الشرعي فليس للرجل إلاَّ التعدّد المشروع، وهو أربع نساء.
إن نكاح المتعة لا يُراد به دوام الـزواج واستقراره طلبا للذريَّة أو السكن إلى المرأة طَـلبا للمودَّة والرحمة وإنما غاية مـا يُراد بـه المتعة بالمرأة فـترة من الزمن (كيوم او شهر …) وهو حـرام بـاتفاق أهل السُّنَّة والجماعة جميعا. وممن روي عنه تحريم المتعة امام دار الهجرة الامام مالك في أهل المدينة، والامام أبو حنيفة النعمان في أهل الكوفة، والامام الأوزاعي في أهل الشام، والامام الليث بن سعـد في أهل مصر، والامام الشافعي والامام احمد بن حنبل. والادلّـة على تحريم زواج المتعـة ثابتٌ بالكتاب والسنة واقوال اهـل المذاهب الاربعة قال الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو مــا ملكت ايْـمانهم فأنهم غير ملومين فمن ابتـغـى وراء ذلك فألئك هُـمُ العادون) سورة المؤمنين (7-5). قال ابن العربي المالكي "قـال قوم : هذه الآية دليل على تحريم نكاح المُتعة لأن الله حَرَّم الفَرج إلاَّ بالنكاح أو بمِلك اليمين، والمُتَمَتّعَة ليست بـزوجة ولا مِـلك يمين فتكون المتعة حَراما، وهي ليست كالزواج فهي ترتفع من غير طلاق ولا نفقه فيها ولا يثبت بها التوارث". ومن السنة بالأحاديث الكثيرة التي تدل على تحريم المتعة منها ما تقدم ومنها في سنن ابن ماجه إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع إلا أن الله قد حرمها إلي يوم القيامة".
وفي صحيح مسلم في كتاب النكاح باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة، فمن عنوان الباب يظهر حكم نكاح المتعة وانه حرام الى يوم القيامة قال الامـام النووي في شرحه على صحيـح مسلم بَاب نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أُبِيـحَ ثُمَّ نُسِخَ ثُـمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتَقَرَّ تَحْرِيمُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ المازري: ثَبَتَ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ كَانَ جَائِزًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَذْكُورَةِ هُـنَا أَنَّهُ نُسِخَ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلَـمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْتَبْدِعَةِ، وَتَعَلَّقُوا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِيهَا. قَالَ الْقَاضِي عياض: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُتْعَةَ كَانَتْ نِكَاحًا إِلَى أَجَلٍ لَا مِيرَاثَ فِيهَا، وَفِرَاقُهَا يَحْصُلُ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِهَا مِنْ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا الرَّوَافِضَ". وبهذا ظهر وبان لكل طالب حَقٍّ ان نكاح المُتعـة حُرّم الى يوم القيامة وفي النكاح الشرعي غُنية عن غيره ولله الحمد مِن قبلُ ومِن بعد.
إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الزوجة سكن للزوج وترتَّبَ على ذلك تكوينُ الأُسَرِ ووجودُ الأَرْحَام، وما يجب من احترام صِلَةِ الأرحام، ثم تكوينُ الشعوب والقبائل، فاستمرارُ الجنس البشري بل استمرار الحياة كل ذلك متوقّف على العلاقة التي شرعها الله عَـزَّ وجَـلَّ بين الرجل والمرأة. وفي تفاصيل هذه العلاقة يتحدث القرآن عن الزوجة ويسميها السَّكَنَ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 189] (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21] فعلاقة الزوجية بينهما أهمُّ أهدافِها وثمَارِها هذه السكينةُ التي يَحْظَى بها كلٌّ منهما ويَحْظَى بها الرجلُ على وجه الخصوص، وهي مرتبطةٌ بالمودةِ والرحمةِ التي يُودِعُهَا اللهُ في قلبِ كلٍّ منهما، وبدون ذلك لا تـتحقّق السكينةُ ولا السَّكَنُ، وتَـفْسُدُ الحياة، واقتَضَى استمرارُ الحياة بينهما توزيـعَ وظائفِ كلٍّ منهما في هذه الحياة، فارتبطت معظمُ وظائفِ المرأةِ بـالبيتِ والأسرةِ، وارتبطت وظائفُ الرجلِ بمَيادين الحياةِ خارجَ البيت، ولا يمنع هذا أن يكون لكلٍّ منهما نصيبٌ من وظائـف الآخر قال الله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19]، ولقد كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة، قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
ولنقِف ايها الاحبة عند خطبة الوداع تلك الخطبة البديعة التي تكلّم بها اطهر فم وأفصح لسان على وجه الارض، ولنقِف عند جزئية اعلانِه صلى الله عليه وآله وسلم عن حقوق المرأة في الاسلام ووصيّة الاسلام بها حيث قـال صلوات ربي وسلامُـه عليه "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّـكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِـأَمَـانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه". إنّ مِمَّا يجدر الوقوف عنده مـا افـتـتح به صلوات ربي وسلامُـه عليه الكلام عن النساء في هذه الخطبة حيث قال "فاتقوا الله في النساء" هذه الوصية العظيمة التي نجدها في القرآن وفي الحديث كلما ذُكر النساء، فإذا تأمَّلت في سورة النساء وجدت أن أغلب أياتها خُتِمَت بوصف الجليل نفسه أنه عليمٌ حكيمٌ أو عليـمٌ حليمٌ، وفي هذا تخويف وردع لمن تُسول له نفسه من الرجال أن يظْلم النساء بأن الله مطَّـلِـع عَليمٌ بما يفعل، وإذا تأمَّلت سورة الطلاق رأيت كـثرة الوصيَّة بالتـقوى، وهكذا في أغلب نصوص التشريع لا تُـذكَر المرأة إلا وإلى جِـوارها ما يربط القضية بـاطلاع الله وعظمة الله وقـوَّة الله، وفي هذا تذكير مستمر للرجل يُـذكره بأنَّ المرأة وإن كانت عنصراً ضعيفاً رقيقاً في المجتمع فإنَّ الله معها إن ظُلِمت وناصِرها في الدنيا أو في الآخرة وأن الله سيتكفَّل بحساب الرجل الظـالـم لها. وهي وصيَّة عظيمة بـالمرأة، من تقوى الله عَـزَّ وجَـلَّ القـيامُ بها ومراعاتُها، لقوله صلى الله عليه وسلم "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بـأمـان الله" أي: أنَّ لهُنَّ أماناً فلا يُـؤْذَيْن، فهنَّ آمنات عندكم بـأمان الله. وقوله صلى الله عليه وسلم "واستحلَـلْـتُم فروجهن بكلمة الله" أي: إذنِهِ لَكُم وشرعِهِ وتحليلِهِ كما في قوله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [النساء:3].
فَلْتُقرّ المرأةُ المسلمةُ عَيناً بهذه الحَفاوة والإكرام والرعاية والإحسان حيث خَـصَّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالوصية بها خيراً في هـذا المقام العظيم، وفي هذه الخطبة العظيمة خطبةِ الـوداع، كما أنه صلى الله عليه وسلم خصها بـالوصية بها في غير مُـقـام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استوصوا بالنساء خيراً". رواه البخاري ومسلم. معنـاهُ: اقْبَلوا هذه الوصية التي أوصيكم بها، وذلك أن تفعلوا خيراً مع النساء وأيضاً إن كرهْتَ منها خُلُقـاً فقد رَضيت منها خُلُقاً آخر، فقابل هذا بهذا مع الصبر فـإنّك تسعَـد، وقد قال الله تعالى (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَـعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء: 19]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم "أكمل المؤمنين إيمـاناً أحسنهم خُلُقاً، وخِياركم خِياركم لنسائهم" رواه الترمذي.
الإيمان يتفاوت ويتفاضل كما قال الله تعالى (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا) [المدثر: 31] ، وليس الناس في الإيمان سواء، من الناس من يؤمن بالغـيب وكأنه يشاهد شهود عِيان، يؤمن بيوم القيامة وكأنه الآن في تـلك الساعات، يؤمن بالجنة وكأنه في تلك الرياض، يؤمن بالنار وكأنه يراها بعينه، يؤمن إيماناً حقيقياً مطمئناً لا يُخالطه شك. ومن الناس من يعبد الله على حرف ـ نسأل الله العافية ـ كما قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) [الحج: 11] يعني على طرف (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ) يعني إنْ لَمْ يُواجه أحداً يُـشكِّكه في الدين، ولم يواجه إلا صُلَحاء يُعِينونه (اطْمَأَنَّ بِه) أي رَكَن إليه، (وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِـتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) [الحج: 11]، إن أصابته فتنة في بدنِه، أو مالِه، أو أهْلِه، انقلب على وجهه واعترض على الله الخالق الرازق فإنه أهْلَكَ نفـسه والعـياذ بـالله (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ). فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وفي هذا حَث عظيم على حُسن الخُلُـق مع الله، وحُسن الخُلُق مع الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم "خَيركم خيركم لأهله، وأنا خَيركم لأهلي" هذا خير الناس صلى الله عليه وسلم وهو خير العالمين هو خيرهم لأهله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان فيك خير فاجعله عند أقرب الناس لك وليكن أول المستفيدين من هذا الخير. وهذا عكس مـا يفعله بعض الناس اليوم، تجده سيئ الخُلُق مـع أهله، حَسن الخلُق مع غيرهم، وهذا خطأ عظيم، أهلك أحق بإحسان الخُلُق أحْسِن الخُلُق معهم لأنهم هُـمُ الذين معك ليلاً ونهاراً، سِراً وعلانيَّـة، إن أصابك شىء أصيبوا معك، وإن سررتَ سُرُّوا معك، وإن حَـزنت حَـزنوا معك، فلتكن معاملتك معهم خيراً وكـذلك عامل الناس بالخير والاحسان لهم، فخير الناس خيرهم لأهله. اسأل الله أن يكمل لي وللمسلمين الإيمان، وأن يجعلنا من خير عباده في أهلنا ومن لهم حَقّ عـلينا.
واخـتم مقالي بنصيحة للنساء بشكل خاص وللناس بشكل عام فأقـول وبـالله التوفـيـق: أن من الواجب على المرأة المسلمة أن تـتلقى كلَّ تـعاليم الإسلام بانشراح صدر، وطِيب قلب، وحُسن تطبيق وعمل، لتحيى حياة هنيئة، وتفوز برضا ربّها وسعادة الـدنيا والآخرة، ومن الواجب على أوليـاء أمـور النساء حُسنُ رعايتهن وتـأديبهن بـآداب الإسلام، وحفظُ حقوقهن، وإكرامهُن والإحسانُ إليهن طـاعةً لله سبحانه، وطلباً لثوابـه، وتحقيقاً لتقواه، والله وحده المُستعان لا ربَّ سواه، ولا حول ولا قوَّة إلاّ به، (ربنا هَب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماماً)، والحمد لله أولاً وأخيراً والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلّمَ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبّع سنّته.
بقلم: الشيخ زيدان عابد – امام مسجد الصديق - الناصرة / فلسطين
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | مقالات مختارة |
الزيارات : | 4717 |
التاريخ : | 4/2/2014 |
|