www.sunnaonline.org

8- عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب - بصوت الشيخ جيل صادق الأشعري

 

 

 

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

 

الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حِفْظُ إِسْلامِهِ وَصَوْنُهُ عَمَّا يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ وَيَقْطَعُهُ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ.

 

الشَّرْحُ أَنَّ الرِّدَّةَ أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُذْهِبُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ وَتَبْقَى السَّيِّئَاتُ. وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ بَعْدَ ذَلِكَ لا تَرْجِعُ لَهُ الْحَسَنَاتُ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا وَتَبْقَى السَّيِّئَاتُ فَإِنْ تَابَ مِنْهَا ذَهَبَتْ. وَلَيْسَ مَعْنَى «الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ» أَنَّ كُلَّ أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ لِأَنَّ كُفْرَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ كُفْرِ الْمُرْتِّدِ فَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ الْمَذْكُورِ أَنَّ الرِّدَّةَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ كُفْرًا إِنَّمَا مُرَادُهُ شِدَّةُ قُبْحِهَا فِي أَنَّهَا خُرُوجٌ مِنَ الإِسْلامِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ. وَإِنَّمَا أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ التَّعْطِيلُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُلْحِدِ «لا إِلَهَ وَالْحَيَاةُ مَادَّةٌ» وَقَوْلُ أَهْلِ الْوَحْدَةِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ جُمْلَةُ الْعَالَمِ وَعَقِيدَةُ الْحُلُولِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي غَيْرِهِ كَالْيَشْرُطِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يَدْخُلُ فِي كُلِّ شَخْصٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ فِي بَعْضِ الأَشْخَاصِ أَنْتَ اللَّهُ وَهَذَا الْجِدَارُ اللَّهُ وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّاذِلِيَّةِ انْحَرَفُوا عَنْ أُصُولِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ عَقِيدَةُ كُلِّ مَشَايِخِ أَهْلِ اللَّهِ الَّذِينَ عَمِلُوا الطُّرُقَ كَالسَّيِّدِ أَحْمَدَ الرِّفَاعِيِّ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجَيْلانِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ شُعَيْبِ بنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ التَّسَاهُلُ فِي الْكَلامِ حَتَّى إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَلْفَاظٌ تُخْرِجُهُمْ عَنِ الإِسْلامِ وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ ذَنْبًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كُفْرًا وَذَلِكَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بِأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» أَيْ مَسَافَةَ سَبْعِينَ عَامًا فِي النُّزُولِ وَذَلِكَ مُنْتَهَى جَهَنَّمَ وَهُوَ خَاصٌ بِالْكُفَّارِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

 

الشَّرْحُ فِي هَذَا الزَّمَانِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكَلامِ الْفَاسِدِ الْمُخْرِجِ مِنَ الإِسْلامِ وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنَ الإِسْلامِ وَهَذَا الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» أَيْ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ لا يَرَاهَا ضَارَّةً لَهُ وَلا يَعْتَبِرُهَا مَعْصِيَةً يَسْتَوْجِبُ بِهَا النُّزُولَ إِلَى قَعْرِ جَهَنَّمَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ لا يَصِلُ إِلَى قَعْرِ جَهَنَّمَ الَّذِي هُوَ مَسَافَةُ سَبْعِينَ عَامًا فِي النُّزُولِ عُصَاةُ الْمُسْلِمِينَ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

الشَّرْحُ الْحَدِيثُ هُوَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ مُفَسِّرٌ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ وَلا انْشِرَاحُ الصَّدْرِ وَلا اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ كَمَا يَقُولُ كِتَابُ «فِقْهِ السُّنَّةِ». وَكَذَلِكَ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ عَدَمُ الْغَضَبِ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ قَالَ «لَوْ غَضِبَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلامِهِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَسْتَ مُسْلِمًا فَقَالَ لا مُتَعَمِّدًا كَفَرَ» وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ حَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ.

 

الشَّرْحُ هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ دِينًا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعُونَ التَّصَوُّفَ وَهُمْ يَتَخَبَّطُونَ فِي الْكُفْرِ أَيْ أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي يَتَلَفَّظُ بِالْكُفْرِ الصَّرِيحِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ أَمْ لَمْ يَعْرِفْ إِنَّمَا الشَّرْطُ مَعْرِفَةُ مَعْنَى اللَّفْظِ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِإِرَادَةٍ وَهُوَ يَفْهَمُ الْمَعْنَى كَفَرَ وَخَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ. وَقَدْ شَذَّ سَيِّدُ سَابِقٍ فَإِنَّ لَهُ كِتَابًا سَمَّاهُ «فِقْهَ السُّنَّةِ» يَقُولُ فِيهِ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لا يُعْتَبَرُ خَارِجًا عَنَ الإِسْلامِ وَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إِلَّا إِذَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ وَاطْمَأَنَ قَلْبُهُ وَدَخَلَ فِي دِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ بِالْفِعْلِ اهـ. وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُمَا ءَانِفًا وَمَوْضِعُ الشَّاهِدِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يَرَى بِهَا بَأْسًا» أَيْ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنَ الْكَلامِ مَا يُخْرِجُ الإِنْسَانَ مِنَ الإِسْلامِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْشَرِحَ الْبَالِ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُنْشَرِحِ الْبَالِ لِذَلِكَ الْقَوْلِ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيْمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيْمَانِ وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ [سُورَةَ النَّحْل/106] دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ سَيِّدُ سَابِقٍ لِأَنَّ هَذَا وَرَدَ فِي الْمُكْرَهِ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ إِنْ كَانَ نُطْقُهُ بِالْكُفْرِ بِدُونِ انْشِرَاحِ صَدْرٍ لِذَلِكَ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا يَكْفُرُ هَذَا الْمُكْرَهُ إِنِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ حَالَةَ النُّطْقِ بِالْكُفْرِ لِمَا قَالَهُ مِنَ الْكُفْرِ كَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ «هَلْ كُنْتَ شَارِحًا صَدْرَكَ حِينَ قُلْتَ مَا قُلْتَ أَمْ لا» فَقَالَ لا رَوَاهُ الإِمَامُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الإِشْرَافِ فَحَرَّفَ هَذَا الرَّجُلُ سَيِّدُ سَابِقٍ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ قَطُّ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالرِّدَّةُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا قَسَّمَهَا النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ شَافِعِيَّةٍ وَحَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ اعْتِقَادَاتٌ وَأَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ وَكُلٌّ يَتَشَعَّبُ شُعَبًا كَثِيرَةً.

 

الشَّرْحُ الرِّدَّةُ هِيَ قَطْعُ الإِسْلامِ وَتَحْصُلُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ وَتَارَةً بِالِاعْتِقَادِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ بِالْقُرْءَانِ الْكَريْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ [سُورَةَ التَّوْبَة/74]. فَإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ قَوْلِيٌّ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [سُورَةَ الْحُجُرَات/15] أَيْ لَمْ يَشُكُّوا وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ اعْتِقَادِيٌّ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ أَيِ الشَّكَّ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمِنْ ءَايَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ﴾ [سُورَةَ فُصِّلَتْ/37]. يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ فِعْلِيٌّ وَهَذَا التَّقْسِيمُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ بَلْ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ مَا إِذَا طَرَأَ لِلإِنْسَانِ يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلامِ فَمِنْ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ اعْتِقَادُ أَنَّ الْعَالَمَ أَزَلِيٌّ بِنَوْعِهِ وَتَرْكِيبِهِ أَوْ بِنَوْعِهِ فَقَطْ أَوِ اعْتِقَادُ مَا يُوجِبُ الْحُدُوثَ فِي اللَّهِ تَعَالَى كَاعْتِقَادِ أَنَّ مَشِيئَتَهُ حَادِثَةٌ تَحْدُثُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ تَحْدُثُ لَهُ مَشِيئَةُ شَىْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَائِيًا لَهُ أَوْ أَنَّ عِلْمَهُ حَادِثٌ أَوْ أَنَّهُ يَحْدُثُ لَهُ عِلْمُ شَىْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ لِأَنَّ حُدُوثَ الصِّفَةِ فِي اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ ذَاتِهِ وَالْحُدُوثُ يُنَافِي الأُلُوهِيَّةَ. وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُ اللَّوْنِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فِي اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاكِنًا لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ لا تُحْصَى وَلَوْ كَانَ مُتَحَرِّكًا لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ لا تُحْصَى وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى]. وَلْيُعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ مِنَ الأَفْعَالِ مَا يُخْرِجُ الإِنْسَانَ مِنَ الإِسْلامِ وَمِنْ ذَلِكَ إِلْقَاءُ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَالسُّجُودُ لِصَنَمٍ وَهُوَ مَا يَعْبُدُهُ الْكُفَّارُ مِنْ حَجَرٍ كَانَ أَوْ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالسُّجُودُ لَهُ كُفْرٌ وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ مَازِحًا وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ مَنْ سَجَدَ لَهَا يَكْفُرُ وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ سَجَدَ لإِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُ. وَمِنَ الأَفْعَالِ الْكُفْرِيَّةِ أَيْضًا كِتَابَةُ الْقُرْءَانِ بِالْبَوْلِ وَالدَّوْسُ عَمْدًا عَلَى الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا كُتُبُ شَرْعٍ. وَأَمَّا الأَقْوَالُ الَّتِي تُخْرِجُ صَاحِبَهَا مِنَ الإِسْلامِ فَهِيَ أَكْثَرُ وَأَكْثَرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ ءَادَمَ مِنْ لِسَانِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ. وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلامِ بِمُفْرَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ قِسْمٌ ءَاخَرُ أَيْ أَنَّ الأَقْوَالَ الْكُفْرِيَّةَ تُخْرِجُ مِنَ الإِسْلامِ مِنْ دُونِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا اعْتِقَادٌ أَوْ فِعْلٌ، هَذَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَلا الْتِفَاتَ إِلَى مَا خَالَفَ ذَلِكَ.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب
الزيارات : 3810
التاريخ : 25/12/2013