www.sunnaonline.org

الموت وحسن الختام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين. أما بعد، فقد قال تعالى (كُلُّ نَفسٍ ذَائقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُمْ يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) ءال عمران / 185. ويقول عز وجل (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) سورة ءال عمران / 102. وقال سبحانه (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) سورة الحجر / 99، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بخواتيمها". فالآية الأولى فيها بيان لنا أننا لا شك صائرون إلى الموت والثانية أمر بالوفاة على الإسلام والثالثة أمر بالعبادة حتى الموت والحديث يبيّن أن الأعمال بخواتيمها فهنيئا لمن خُتِمَ له بالإيمان والسعادة والخسران لمن خُتِمَ له بالكفر والشقاوة.

 

فمن وفّق في أول عمره وازداد توفيقًا حتى لاقى ربه على حال حسن فهو من أهل العناية ومن كان في شبابه على خير ثم انقلب قبل الموت إلى سوء وضلال ثم مات على ذلك فهذا من أهل الحرمان. وأما من سَبَق له أن كان في أول عمره في فسق وكفر وفجور فأدركته العناية واستقام ومات على الإسلام بعد ذلك فهذا موفق وناج يوم العرض والحساب من غضب ربِ العباد، فالعبرة بالخواتيم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" رواه البخاري ومسلم.

 

اعلموا إخوة الإيمان أن من الناس من يعاقبهم الله تعالى بسوء الخاتمة بسبب شؤم المعاصي. يروى أن أحد العلماء المحدثين واسمه الفضيل بن عياض كان له تلميذ وكان هذا التلميذ يحتضر على فراش الموت فوقف الفضيل عنده وصار يلقنه الشهادتين عند الاحتضار يقول له "قل لا إله إلا الله" فلا يستطيع هذا التلميذ أن ينطق بها. "قل لا إله إلا الله" فلا ينطق حتى قال هذا التلميذ "إني بريء منها" ومات على الكفر والعياذ بالله. الفضيل بن عياض خاف وارتعب وصار يبكي من خشية الله، ثم رأى هذا التلميذ في المنام وإذا به يجر إلى جهنم فقال له الفضيل "ويلك ماذا فعلت؟" قال له "يا أستاذي أنا كنت أستغيب إخواني وكنت أحسدهم فوصلت إلى هذه المرحلة ومت على الكفر".

 

ومما يروى: كان أحد المشايخ قوي الحجة سريع البديهة لكن لم يكن صادق النية فأرسل لمناظرة الرهبان (كفار) في بلاد الروم فكسرهم بالحجة والبرهان فخشوا منه أن يسلم الناس على يده فطلبوا من ملكهم أن يزيّن له ابنته ويغريه بها فتضعف نفسه فيطلب الزواج منها فلا يُعطى طلبه حتى يخرج عن دينه، وحصل ذلك فافتتن بها وخرج عن دينه لكن سرعان ما ابتلاه الله بمرض سئم منه أولئك الكفرة الفجرة ورَمَت به تلك المرأة خارج قصرها واشتد المرض ومرت الأيام وما زال يقاسي ما يقاسي حتى مرَّ رجُل من بغداد بقربه فقال له "وكأني رأيتك قبل ذلك أأنت العالم الفلاني الذي كان يدرس في بغداد؟" فقال "أنا هو" فقال له "ما حصل لك" فقص عليه قصته ثم بعد ذلك قال له ذلك الرجل "ما يمنعك أن تعود للإسلام" فسكت، فقال "أما زلت تحفظ شيئا من كتاب الله؟" فقال "ءاية واحدة" فقال له "ما هي" فأجاب المرتد (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَروا لَو كَانُواْ مُسلِمِينَ) سورة الحجر / 2. ثم مات.

 

واعلموا أنّ بعض من كَتَبَ الوحي قد ارتد عن دين الله ومنهم من عاد للإسلام ومنهم من مات على الكفر وقد قال الحبيبُ المُصطفى عليهِ الصلاةُ والسلام "بادروا بالأعمال الصالحة فستكونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ الليلِ المُظلِمِ يُصبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا ويُمسي مؤمنًا ويُصبِحُ كافرًا يًبيعُ دينه بعرضٍ من الدنيا" رواه مسلم. فالحمدُ للهِ على نِعَمَةَ الإسلامِ وعلى بِعثَةِ مُحَمدٍ خيرِ الأنام عليهِ الصلاةُ والسلام.

 

اللَّهُمَّ اجعلنا من المقبلين على الخيراتِ المبادرينَ إلى الطاعاتِ والمبَّرات. اللَّهُمَّ اجعلنا من عبادك الطاهرينَ المتقينَ المتآخينَ المتحابينَ المتوادّينَ. رَبَّنا لا تُزِغ قُلُوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لَدُنكَ رَحمَةً إنك أنت الوهاب. اللَّهُمَّ لا تجعل مصيبتنا في ديننا وثبتنا على الإسلام.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : الخــطب والـــدروس
الزيارات : 7273
التاريخ : 24/12/2013