صلة الأرحام خصلة خير وإحسان
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا ونبيّنا وقرة أعيننا محمد النبيّ الأميّ وعلى ءاله الطيبين وصحابته الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.ا
روى الإمام البيهقي في كتاب الآدب الذي ألَّفه في بيان مكارم الأخلاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقبة بن عامر لما سأله: ما النجاة يا رسول الله، قال "تَصِلُ مَن قَطَعَك وتعطي مَن حَرَمك وتعفو عمّن ظلمك".ا
فإن هذه الخصال العظيمة كانت من أوصاف الرسول وأخلاقه. أما قوله صلى الله عليه وسلم "تَصِلُ من قَطَعَك" أي أن للرحم حق الصلة،ا والرَّحِم هم الأقارب من جهة الأم والأب كالخالات والعمات وأولادهن والأخوال والأعمام وأولادهم. فلا يجوز للمرء أن يقطع من تجب عليه صلته من الأقارب بحيث يشعر بالجفاء.ا قال تعالى {والذين يصلون ما أمر الله به أن يُوصَل} [سورة الرعد/21] وقال تعالى {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [سورة النساء/1] أي اتقوا الله واتقوا الأرحام أي صلوهم ولا تقطعوهم، والصلة الكاملة للرحم هو أن يصل المرء من قطعه من الرحم كما يصل من وصله فلا يقول "هذا رَحِمي لا يزورني فلا أزوره"، إذ لا يجوز أن يقابل القطيعة بالقطيعة، بل يجب عليه أن يقابل القطيعة بالصلة والإحسان. وإلى هذا أشار النبيّ صلى الله عليه وسلم حينما قال "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من وصل رحمه إذا قطعت". رواه مسلم.ا
فيُعلم من هذا أن زيارة المسلم لأقاربه الذين قطعوه ليست مَهَانةً ومذلَّة، بل خصلة خير وعمل طاعة يحبه الله، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فقال صلى الله عليه وسلم "تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم".ا
في هذا الحديث الشريف بيان أهمية صله الأرحام ومرتبتها في الدين، لأن ذلك من حُسْن الخُلُق الذي حضَّ عليه الشرع حضاً بالغاً. وممّا ورد في الحثّ على صلة الرحم أيضاً ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الرحم مُعَلَّقةٌ بالعرش تقول من وَصَلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله". رواه البخاري ومسلم.ا
ولا يخفى أن من أسباب التفكك والتشرذم في بعض المجتمعات قطع الأرحام بحيث ينقطع الكثيرون عن صلة الرحم ويعللون ذلك بقلوبهم: إن لم يَزُرَني فكيف أزوره؟!ا
وكم نصادف أُناساً تركوا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخُلُق الحسن وتشبَّهوا بغير المسلمين، وظنوا أن الأدب الحسن ما هم عليه من الاقتفاء والاقتداء بأهل المدنيَّة المزيفة الذين يُحَسِّنون القبيح للناس ويزينون لهم المفاسد ويعيبون على غيرهم الخصال الحميدة التي ينبغي على المسلم أن يحافظ عليها، فترى البعض إذا ما أمرته بصلة الرحم والإحسان إلى الناس، قال: من هو عمي حتى أتنازل لزيارته؟ا
إن هؤلاء الذين اغتروا ببريق بعض العادات الغربية لم يفطنوا إلى فساد تلك الخصلة الذميمة التي بيّنها الله تعالى في قوله عزّ وجلّ {فهل عسيتُم إن تولَّيتم أن تفسدوا فى الأرض وتُقَطَّعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم} [سورة محمد/22-23] ويقول النبيّ صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة قاطع" رواه البخاري، أي لا يدخلها مع الأولين إن مات بدون توبة من تلك المعصية، بل يستحق العذاب قبل دخول الجنة، هذا إن لم يعفُ الله عنه ويُسامحه.ا
أما قوله صلى الله عليه وسلم "وتعفو عمن ظلمك". فإن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم {خُذِ العفوَ وأمُرْ بالمعروفِ وأعرِضْ عنِ الجاهلين}ا [سورة الأعراف/199].ا إن تحمل أذى الغير ومعاملتهم بالخلق الحسن هو إحدى وسائل الترقي ونيل الدرجات العُلى، فلنقتف ءاثار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه خالقه عزّ وجلّ في محكم التنـزيل {وإنك لعلى خُلُق عظيم} [سورة القلم/4] فلا أدب أحسن من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم.ا
اللهم إنَّا نسألك أن تُحسِنَ أخلاقنا كما حسنت خَلْقَنا واجعلنا ممن يصلون أرحامهم يا أرحم الراحمين.ا