www.sunnaonline.org

6- عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب - بصوت الشيخ جيل صادق الأشعري

 

 

 

 

وَالإِيْمَانُ بِالْجَنَّةِ وَهِيَ دَارُ السَّلامِ أَيْ دَارُ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ الدَّائِمِ وَالنَّعِيمُ فِيهَا قِسْمَانِ نَعِيمٌ لا يَنَالُهُ إِلَّا الأَتْقِيَاءُ وَنَعِيمٌ يَنَالُهُ كُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْ هَذَا النَّعِيمِ الْعَامِّ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ كُلَّهُمْ شَبَابٌ لا يَهْرَمُونَ أَبَدًا وَكُلَّهُمْ أَصِحَّاءُ لا يَسْقَمُونَ أَيْ لا يَمْرَضُونَ أَبَدًا وَكُلَّهُمْ فِي سُرُورٍ لا يُصِيبُهُمْ هَمٌّ وَحَزَنٌ وَنَكَدٌ وَكَرْبٌ وَكُلَّهُمْ يَبْقَوْنَ أَحْيَاءً فِي نَعِيمٍ دَائِمٍ لا يَمُوتُونَ أَبَدًا.

 

وَالإِيْمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْعَيْنِ فِي الآخِرَةِ بِأَنَّهَا حَقٌّ وَهَذَا خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِلا كَيْفٍ وَلا تَشْبِيهٍ وَلا جِهَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى لا يَكُونُ فِي جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ إِنَّمَا هُمْ فِي مَكَانِهِمْ فِي الْجَنَّةِ يَرَوْنَهُ رُؤْيَةً لا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِيهَا اشْتِبَاهٌ لا يَشُكُّونَ هَلِ الَّذِي رَأَوْهُ هُوَ اللَّهُ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا لا يَشُكُّ مُبْصِرُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ أَنَّ الَّذِي رَءَاهُ هُوَ الْقَمَرُ فَفِي ذَلِكَ قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْ لا تَتَزَاحَمُونَ فِي رُؤْيَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ «لا تُضَامُون» أَيْ لا يَلْحَقُكُمْ ضَرَرٌ، شَبَّهَ رُؤْيَتَنَا لَهُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الشَّكِّ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَمْ يُشَبِّهِ اللَّهَ تَعَالَى بِالْقَمَرِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الجُهَّالِ فَإِنَّ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّمِ التَّوْحِيدَ إِذَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ يُشْبِهُ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْعَوَامِّ بِذَلِكَ.

 

وَالإِيْمَانُ بِالْخُلُودِ فِيهِمَا فَيَجِبُ الإِيْمَانُ بِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَخْلُدُونَ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ يَخْلُدُونَ فِيهَا وَأَنَّهُ لا مَوْتَ بَعْدَ ذَلِكَ.

 

وَالإِيْمَانُ بِمَلائِكَةِ اللَّهِ أَيْ بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَهُمْ أَجْسَامٌ نُورَانِيَّةٌ لَطِيفَةٌ أَلْطَفُ مِنَ الْهَوَاءِ ذَوُو أَرْوَاحٍ مُشَرَّفَةٍ لَيْسُوا ذُكُورًا وَلا إِنَاثًا لا يَأْكُلُونَ وَلا يَشْرَبُونَ وَلا يَنَامُونَ وَلا يَتَوَالَدُونَ مُكَلَّفُونَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.

 

وَالإِيْمَانُ بِرُسُلِهِ أَيْ أَنْبِيَائِهِ مَنْ كَانَ رَسُولًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا فَالنَّبِيُّ غَيْرُ الرَّسُولِ هُوَ إِنْسَانٌ أُوحِيَ إِلَيْهِ لا بِشَرْعٍ جَدِيدٍ بَلْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِاتِّبَاعِ شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَنْ يُبَلِّغَ ذَلِكَ وَالنَّبِيُّ الرَّسُولُ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ. وَمِنَ الْغَلَطِ الشَّنِيعِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ وَهَذَا كَلامٌ شَنِيعٌ كَيْفَ يُنبَّأُ ثُمَّ لا يُؤْمَرُ بِالتَّبْلِيغِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُنَبَّأَ النَّبِيُّ لِنَفْسِهِ فَقَطْ فَمَا أَشْنَعَ هَذِهِ الْغَلْطَةَ وَهَذِهِ الْغَلْطَةُ مَوْجُودَةٌ فِي تَفْسِيرِ الْجَلالَيْنِ وَفِي كُتُبٍ عَدِيدَةٍ. وَأَوَّلُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَى الْكُفَّارِ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ بَعْدَ حُدُوثِ الْكُفْرِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ نَبِيٌّ وَلا رَسُولٌ بَلْ كَانَ ءَادَمُ نَبِيًّا رَسُولًا كَمَا يَشْهَدُ لِنُبُوَّتِهِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ ءَادَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَعُرِفَ هَذَا الأَمْرُ بَيْنَهُمْ بِالضَّرُورَةِ فَمَنْ نَفَى نُبُوَّتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِالإِجْمَاعِ كَمَا فِي مَرَاتِبِ الإِجْمَاعِ، فَالَّذِي يَشُكُّ فِي نُبُوَّةِ ءَادَمَ أَوْ فِي كُفْرِ الشَّاكِّ فِيهَا كَافِرٌ وَالَّذِي يَشُكُّ فِي رِسَالَتِهِ أَيْضًا كَافِرٌ.

 

وَالإيِمَانُ بِالْكُتُبِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ لَكِنْ أَشْهَرُهَا هَؤُلاءِ الأَرْبَعُ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ أَيِ الْقُرْءَانُ. قَالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ قَرَأْتُ سَبْعِينَ كِتَابًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ.

 

وَالإِيْمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَالْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِيْمَانِ السِّتَّةِ هُوَ الرِّضَا بِقَدَرِ اللَّهِ أَيْ تَقْدِيرِهِ وَأَمَّا الْمَقْدُورُ فَيَجِبُ الإِيْمَانُ بِأَنَّ كُلَّ الْمَقْدُورَاتِ أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَحْصُلُ مَا كَانَ خَيْرًا وَمَا كَانَ شَرًّا فَمَا كَانَ مِنَ الْمَقْدُورِ خَيْرًا يَجِبُ الرِّضَا بِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ شَرًّا يَجِبُ كَرَاهِيَتُهُ كَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ هُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ الأَزَلِيِّ فَالْخَيْرُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَالشَّرُّ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ لا بِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ لَفْظُ «وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ «وَالْقَدَرِ كُلِّهِ» وَيَتَضَمَّنُ الإِيْمَانُ بِرِسَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيْمَانَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لأِنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ وَلَدِ ءَادَمَ أَجْمَعِينَ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ حَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ ءَادَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ» أَيْ لا أَقُولُ ذَلِكَ افْتِخَارًا إِنَّمَا أَقُولُ ذَلِكَ تَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَفِي ذَلِكَ جَوَازُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ سَيِّدُ الْبَشَرِ.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب
الزيارات : 3011
التاريخ : 22/12/2013