www.sunnaonline.org

3- عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب - بصوت الشيخ جيل صادق الأشعري

 

 

 

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الَّذِي لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ الْمَوْصُوفُ بِكُلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بِهِ الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ فِي حَقِّهِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

 

الشَّرْحُ مَعْنَى لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ وَلا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبَزَّارُ. وَاللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِكُلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بِهِ وَإِنَّمَا قُيِّدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِلَفْظِ يَلِيقُ بِهِ لِأَنَّ الْكَمَالَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَمَالًا فِي حَقِّ اللَّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالْعِلْمِ أَوْ لا كَالْوَصْفِ بِالْجَبَّارِ مَدْحٌ فِي حَقِّ اللَّهِ وَذَمٌّ فِي حَقِّ الإِنْسَانِ لِأَنَّ الْجَبَّارَ فِي حَقِّ اللَّهِ مَعْنَاهُ الْمُصْلِحُ لِأُمُورِ خَلْقِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ وَكَالْوَصْفِ بِرَجَاحَةِ الْعَقْلِ هُوَ مَدْحٌ فِي حَقِّ الإِنْسَانِ وَلا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِذَلِكَ فَكَمَا أَنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِكُلِّ كَمَالٍ فِي حَقِّهِ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ أَيْ مَا لا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى كَالْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَاللَّوْنِ وَالْحَدِّ وَالتَّحَيُّزِ فِي الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الْمُتَوَفَّى فِي أَوَّلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ «لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ» وَذَلِكَ فِي عَقِيدَتِهِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا بَيَانُ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَقِيدَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي وَمُحَمَّدِ بنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَبَكَ عِبَارَتَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى أُسْلُوبِ هَؤُلاءِ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ لا لِأَنَّ مَا يَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ هَؤُلاءِ الأَئِمَّةُ الثَّلاثَةُ وَمَعْنَى مَا قَالَهُ لا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ أَنَّ يَكُونَ مَحْدُودًا وَالْمَحْدُودُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَا لَهُ حَجْمٌ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا كَثِيفًا كَالإِنْسَانِ وَالشَّجَرِ أَوْ لَطِيفًا كَالنُّورِ وَالظَّلامِ فَإِذًا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالْجُلُوسِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا وَالْمَحْدُودُ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ حَدَّهُ بِذَلِكَ الْحَدِّ وَلا يَجُوزُ أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ بِحَدٍّ يَكُونُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ الشَّىْءَ لا يَخْلُقُ نَفْسَهُ. أَمَّا الآيَةُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى/11] فَهِيَ أَصْرَحُ ءَايَةٍ فِي الْقُرْءَانِ فِي تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى التَّنْزِيهَ الْكُلِّيَّ وَتَفْسِيرُهَا أَنَّ اللَّهَ لا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالْكَافُ فِي ﴿كَمِثْلِهِ﴾ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ فَفِي الآيَةِ نَفْيُ مَا لا يَلِيقُ بِاللَّهِ عَنِ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فَفِيهِ إِثْبَاتُ مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ، السَّمْعُ صِفَةٌ لائِقَةٌ بِاللَّهِ وَالْبَصَرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ التَّنْزِيهَ حَتَّى لا يُتَوَهَّمَ أَنَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ كَسَمْعِ وَبَصَرِ غَيْرِهِ فَاللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ مِنَ اللَّطَائِفِ كَالنُّورِ وَالرُّوحِ وَالْهَوَاءِ وَمِنَ الْكَثَائِفِ كَالشَّجَرِ وَالإِنْسَانِ. وَالْجِسْمُ اللَّطِيفُ مَا لا يُضْبَطُ بِالْيَدِ وَالْجِسْمُ الْكَثِيفُ مَا يُضْبَطُ بِالْيَدِ أَيْ مَا يُجَسُّ بِالْيَدِ وَهُوَ تَعَالَى لا يُشْبِهُ الْعُلْوِيَّاتِ [أَيْ مَا كَانَ فِي السَّمَوَاتِ] وَلا السُّفْلِيَّاتِ [أَيْ مَا كَانَ فِي الأَرْضِ].

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَهُوَ الْقَديِمُ وَمَا سِوَاهُ حَادِثٌ وَهُوَ الْخَالِقُ وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ.

 

الشَّرْحُ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثُ الْجِنْسِ وَالأَفْرَادِ وَخَالَفَتِ الْفَلاسِفَةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قِسْمٌ مِنْهُمْ «الْعَالَمُ الْعُلْوِيُّ أَزَلِيٌّ بِمَادَّتِهِ وَأَفْرَادِهِ» وَمِنْ هَؤُلاءِ إِرَسْطُو وَتَبِعَهُ ابْنُ سِينَا وَالْفَارَابِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ «الْعَالَمُ قَديِمُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ حَادِثُ الأَفْرَادِ» وَهَؤُلاءِ مُتَأَخِّرُو الْفَلاسِفَةِ وَتَبِعَهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ تَيْمِيَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْسُبَ نَفْسَهُ إِلَى اتِّبَاعِهِمْ بَلْ نَسَبَ ذَلِكَ زُورًا وَبُهْتَانًا إِلَى أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. قَالَ الإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْفَرِيقَيْنِ فِي «تَشْنِيفِ الْمَسَامِعِ» «وَضَلَّلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَكَفَّرُوهُمْ» مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ كُفَّارٌ بِالإِجْمَاعِ. وَذَكَرَ تِلْكَ الْعَقِيدَةَ الْفَاسِدَةَ أَيْ أَنَّ الْعَالَمَ أَزَلِيٌّ بِنَوْعِهِ حَادِثٌ بِأَفْرَادِهِ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي سَبْعَةٍ مِنْ كُتُبِهِ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَمُوَافَقَةِ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَكِتَابِ شَرْحِ حَدِيثِ النُّزُولِ وَكِتَابِ شَرْحِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وَكِتَابِ نَقْدِ مَرَاتِبِ الإِجْمَاعِ وَكِتَابِ الْفَتَاوَى وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الأَعْلَى. قَالَ شَيْخُنَا الْعَبْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ بِعَيْنِي فِيهَا اهـ. وَالْقَوْلُ بِأَزَلِيَّةِ الْعَالَمِ كَالْقَوْلِ بِنَفْيِ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمَا مِنْ أَكْفَرِ الْكُفْرِ فَإِنَّ الأَوَّلَ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَزَلِيَّةِ الْعَالَمِ نَفْيٌ لِخَالِقِيَّةِ اللَّهِ وَالْقَوْلُ بِنَفْيِ وُجُودِ ذَاتِ اللَّهِ أَشَدُّ وَهُوَ تَعْطِيلٌ لِلشَّرَائِعِ كُلِّهَا لِأَنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا جَاءَتْ بِإِثْبَاتِ ذَاتِ اللَّهِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَكُلُّ حَادِثٍ دَخَلَ فِي الْوُجُودِ مِنَ الأَعْيَانِ وَالأَعْمَالِ مِنَ الذَّرَّةِ إِلَى الْعَرْشِ وَمِنْ كُلِّ حَرَكَةٍ لِلْعِبَادِ وَسُكُونٍ [وَالنِّيَّاتِ] وَالْخَوَاطِرِ فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ لَمْ يَخْلُقْهُ أَحَدٌ سِوَى اللَّهِ.

 

الشَّرْحُ الأَعْيَانُ هِيَ الأَشْيَاءُ الَّتِي لَهَا حَجْمٌ إِنَّ كَانَتْ صَغِيرَةً كَالذَّرَّةِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهَا أَوْ كَبِيرَةً كَالْعَرْشِ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ الْمَخْلُوقَاتِ حَجْمًا وَأَوْسَعُهَا مِسَاحَةً. وَالذَّرَّةُ هِيَ أَصْغَرُ الأَجْرَامِ الَّتِي تَرَاهَا الْعَيْنُ وَتُسَمَّى أَيْضًا الْهَبَاءَ وَيُوجَدُ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْهَبَاءِ مِمَّا لا تَرَاهُ الْعُيُونُ وَلَهُ حَجْمٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَصْغَرُ حَجْمٍ خَلَقَهُ اللَّهُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ عُلَمَاءُ التَّوْحِيدِ «الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ» وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لا يَتَجَزَّأُ، هَذَا وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَوْجَدَهُ وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَرَكَاتُهُمْ وَسَكَنَاتُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ وَعُلُومُهُمْ وَخَوَاطِرُهُمُ الَّتِي تَطْرَأُ عَلَيْهِمْ بِدُونِ إِرَادَتِهِمْ وَنَظَرُهُمْ بِقَصْدٍ إِلَى شَىْءٍ وَطَرْفُ أَعْيُنِهِمْ بِقَصْدٍ وَبِغَيْرِ قَصْدٍ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ خَلَقَهَا فِيهِمْ أَمَّا الْعِبَادُ فَلا يَخْلُقُونَ شَيْئًا.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا طَبِيعَةٌ وَلا عِلَّةٌ.

 

الشَّرْحُ الطَّبِيعَةُ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا الأَجْرَامَ وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا الْعَادَةُ فَهَذِهِ لا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ خَالِقَةً لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ لا إِرَادَةَ لَهَا وَلا مَشِيئَةَ وَلا اخْتِيَارَ. وَالسَّبَبُ هُوَ حَادِثٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى حَادِثٍ ءَاخَرَ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ مُسَبَّبُهُ عَنْهُ. أَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الِاصْطِلاحِ مَا يُوجَدُ الْمَعْلُولُ بِوُجُودِهِ وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهِ مِثْلُ حَرَكَةِ الإِصْبَعِ الَّذِي فِيهِ خَاتَمٌ فَحَرَكَةُ الإِصْبَعِ عِنْدَهُمْ عِلَّةٌ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ لِأَنَّ حَرَكَةَ الْخَاتَمِ تَتْبَعُ حَرَكَةَ الإِصْبَعِ فَتُوجَدُ بِوُجُودِهَا وَتُعْدَمُ بِعَدَمِهَا.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلْ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ بِتَقْدِيرِهِ وَعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾ [سُورَةَ الْفُرْقَان/2] أَيْ أَحْدَثَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ فَلا خَلْقَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [سُورَةَ فَاطِر/3].

 

الشَّرْحُ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ أَيْ وُجِدَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْدُومًا مِنَ الأَعْيَانِ أَيِ الأَجْسَامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَقُومُ بِذَاتِهِ وَمِنَ الأَعْرَاضِ الَّتِي تَقُومُ بِغَيْرِهَا كَالأَعْمَالِ مَا كَانَ مِنْهَا خَيْرًا وَمَا كَانَ مِنْهَا شَرًّا وَالنِّيَّاتِ وَالْخَوَاطِرِ الَّتِي لا نَمْلِكُ مَنْعَهَا مِنْ أَنْ تَرِدَ هُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَغَيْرُ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَخَالَفَتْ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ أَيْ فِي أَفْعَالِ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَقَالَتْ إِنَّ الْعَبْدَ هُوَ خَالِقُهَا فَكَفَّرَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ كَأَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ وَالإِمَامِ الْبُلْقِينِيِّ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ شِيثِ بنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَالِكِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَّبَتْ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾ وَقَوْلَهُ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الآيَاتِ. وَمَعْنَى الْخَلْقِ هُنَا الإِبْرَازُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَلَفْظَةُ شَىْءٍ فِي الآيَةِ الأُولَى شَامِلَةٌ لِكُلِّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ.

 

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ النَّسَفِيُّ فَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ زُجَاجًا بِحَجَرٍ فَكَسَرَهُ فَالضَّرْبُ وَالْكَسْرُ وَالِانْكِسَارُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ إِلَّا الْكَسْبُ وَأَمَّا الْخَلْقُ فَلَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَةِ/286].

 

الشَّرْحُ الضَّرْبُ هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ انْكِسَارٌ وَقَدْ لا يَحْصُلُ وَالْكَسْرُ هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الزُّجَاجِ بِوَاسِطَةِ الرَّمْيِ بِالْحَجَرِ وَأَمَّا الِانْكِسَارُ فَمَا يَحْصُلُ مِنَ الأَثَرِ فِي الزُّجَاجِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ عَمَلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ إِلَّا الْكَسْبُ أَيْ تَوْجِيهُ قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ نَحْوَ الْعَمَلِ الِاخْتِيَارِيِّ الَّذِي يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ أَيْ مِنَ الْخَيْرِ ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ أَيْ مِنَ الشَّرِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [سُورَةَ الأَنْفَالِ/17] فَأَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ لِنَفْسِهِ وَتَمَدَّحَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَىْءٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَأَثْبَتَ لِلْعَبْدِ الْكَسْبَ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ.



رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب
الزيارات : 2972
التاريخ : 22/12/2013