www.sunnaonline.org

فضائل المدينة المنورة

أما بعد، فإن مدينة رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم، طيبة الطيّبة مهبط الوحي ومتنزل جبريل الأمين على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهي مأرز الإيمان وملتقى المهاجرين والأنصار وموطن الذين تبوأوا الدار والإيمان وهي العاصمة الأولى للمسلمين فيها عقدت الألوية في سبيل الله فانطلقت كتائب الحق لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومنها شعّ النور فأشرقت الأرض بنور الهداية وهي دار هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إليها هاجر وفيها عاش ءاخر حياته وبها مات وفيها دفن ومنها يبعث صلى الله عليه وسلم، وقبره أول القبور انشقاقا عن صاحبه، وهذه المدينة المباركة شرفها الله وفضلها وجعلها خير البقاع بعد مكة. ويدل لتفضيل مكة على المدينة قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما أخرجه الكفار منها واتجه إلى المدينة مهاجرا قال مخاطبا مكة «وَالله إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ الله وَأَحَبُّ أَرْضِ الله إِلَى الله وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح. وأما الحديث الذي ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا وقال "اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إلي -يعني مكة- فأسكني في أحب البلاد إليك -يعني المدينة-" فهو حديث موضوع ومعناه غير مستقيم أنه يدل على أن الأحب إلى الله غير الأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم غير الأحب إلى الله ومن المعلوم أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله ليس الأحب إلى الله غير الأحب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن فضائل المدينة المباركة أن الله تعالى جعلها حرما ءامنا كما جعل مكة حرما ءامنا وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ»، رواه مسلم. والمقصود من هذا التحريم المضاف إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى ابراهيم عليه السلام هو اظهار التحريم وإلا فإن التحريم من الله وهو الذي جعل هذا حرما وجعل هذا حرما واختص الله هاتين البلدتين بهذه الصفة التي هي الحرمة دون سائر البلاد ولم يأت دليل ثابت يدل على تحريم شىء غير مكة والمدينة، وما شاع على لسان كثير من الناس من أن المسجد الأقصى ثالث الحرمين هو من الخطأ الشائع، لأنه ليس هناك للحرمين ثالث، ولكن التعبير الصحيح أن يقال ثالث المسجدين، أي المشرفين المعظمين، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على فضل هذه المساجد الثلاثة وعلى قصدها للصلاة فيها، حيث قال صلى الله عليه وسلم «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى». رواه البخاري ومسلم. ثم إن المقصود بالحرم في مكة والمدينة ما تحيط به الحدود لكل منهما هذا هو الحرم وما شاع من إطلاق الحرم على المسجد النبوي فقط فهو من الخطأ الشائع، لأنه ليس هو الحرم وحده بل المدينة كلها حرم ما بين عير إلى ثور وما بين لابتيها وقد قال صلى الله عليه وسلم «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ» رواه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم «إِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنِ لَابَتَيِ المَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا». رواه مسلم. والعضاه من شجر الشوك كالطلح والعوسج. ومن المعلوم أن المدينة قد اتسعت في هذا الزمان حتى خرج جزء منها عن الحرم ولهذا لا يقال إن كل المباني الموجودة في المدينة من الحرم ولكن ما كان داخل في حدود الحرم منها فهو في الحرم وما كان خارج حدود الحرم فإنه يطلق عليه أنه من المدينة ولكن لا يقال إنه من الحرم، وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بيان حدود حرم المدينة أن الحرم ما بين اللابتين أو ما بين الحرتين أو ما بين الجبلين أو ما بين عير إلى ثور ولا تنافي ولا اضطراب بين هذه الألفاظ فإن الأصغر داخل في الأكبر فما بين اللابتين حرم وما بين الحرتين حرم وما بين عير إلى ثور حرم ثم إن من الفضائل التي جاءت في شأن هذه المدينة المباركة أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها طيبة وطابة بل إنه ثبت في صحيح مسلم أن الله سماها طابة قال النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الله سَمَّى المَدِينَةَ طَابَةَ»، وهذان اللفظان مشتقان من الطيب ويدلان على الطيب فهما لفظان طيبان أطلقا على بقعة طيبة.


ومن فضائلها أن الإيمان يأرز إليها كما قال صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا». رواه البخاري ومسلم، ومعنى ذلك أن الإيمان يتجه إليها ويكون فيها والمسلمون يأمّونها ويقصدونها يدفعهم إلى ذلك الإيمان ومحبة هذه البقعة المباركة التي حرمها الله عز وجل. ومن فضائلها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصفها بأنها قرية تأكل القرى، قال صلى الله عليه وسلم «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى» يعني أمر بالهجرة إلى هذه القرية التي تأكل القرى يقولون لها يثرب وهي المدينة، رواه البخاري ومسلم فقوله صلى الله عليه وسلم تأكل القرى فُسرت بأنها تنتصر عليها وتكون الغلبة لها على غيرها من القرى وهذا قد حصل فتغلب هذه المدينة على غيرها من المدن قد تم بأن انطلق منها الهداة المصلحون والفاتحون وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، فدخل الناس في دين الله عز وجل وكل خير حصل لأهل الأرض فإنما خرج من هذه المدينة المباركة، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فكونها تأكل القرى يصدق على كون الانتصار لها على غيرها من المدن كما حصل ذلك في الصدر الأول ومع الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين. ومن فضائلها أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصبر على لأوائها وجهدها وقال «المَدِينَة ُخَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»، قال ذلك في حق الذين فكروا في الانتقال من المدينة إلى الأماكن التي فيها الرخاء وسعة الرزق وكثر المال فالنبي صلى الله عليه وسلم قال «المَدِينَة ُخَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ الله فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه مسلم. وهذا يدلنا على فضل هذه المدينة وفضل الصبر على الشدة واللأوى والضنك إذا حصل لأحد فلا يكون ذلك دافعا له إلى أن ينتقل منها إلى غيرها يبحث عن الرخاء وعن سعة الرزق بل يصبر على ما يحصل له فيها وقد وُعد بهذا الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى.

ومن فضائلها أن النبي صلى الله عليه وسلم بين عظم شأنها وخطورة الإحداث فيها عندما بين حرمتها قال «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ ءَاوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». رواه البخاري ومسلم.

ومن فضائلها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء لها بالبركة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا». رواه مسلم. ومن فضائلها أنها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. قال النبي صلى الله عليه وسلم «عَلَى أَنْقَاضِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ». رواه البخاري ومسلم. والأحاديث في فضل المدينة كثيرة وما ذكر هو مما في الصحيحين أو في أحدهما.


مما اشتملت عليه المدينة المنورة مسجدان عظيمان هما مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء. أما مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد جاء في فضله أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» رواه البخاري. ففي هذه المدينة أحد المساجد الثلاثة التي بناها أنبياء وهي التي لا تشد الرحال للصلاة إلا إليها بمعنى لا مزية بمضاعفة الثواب في الصلاة في المساجد إلا في هذه الثلاثة وأيضا جاء ما يدل على فضل الصلاة فيه وأنها خير من ألف صلاة قال صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ» رواه البخاري ومسلم. فهذا فضل عظيم وموسم من مواسم الآخرة الأرباح فيه مضاعفة، ليست بالعشرات ولا بالمئات ولكن بأكثر من الألف. ومن المعلوم أن أصحاب التجارات الدنيوية إذا عرفوا أن سلعهم تروج في مكان ما في وقت من الأوقات فإنهم يستعدون ويتهيؤون لذلك الموسم ولو كان الربح النصف أو الضعف، ولكن كيف وهنا الربح في الآخرة ليس عشرة أضعاف ولا مائة ضعف ولا خمسمائة ولا ستمائة بل أكثر من ألف. ومما ينبه عليه حول هذا المسجد المبارك أمور، الأول: أن التضعيف لأجل الصلاة فيه بأكثر من ألف ليس مقيدا بالفرض دون النفل بلا بالنفل دون الفرض بل لهما جميع لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ»، فالفريضة بألف فريضة والنافلة بألف نافلة. الثاني: في المسجد بقعة وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها روضة من رياض الجنة وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ». رواه البخاري وسلم. وتخصيصها بهذا الوصف دون غيرها من المسجد يدل على فضلها وتميزها.

وأما مسجد قباء، فهو ثاني المسجدين الذين لهما فضل وشأن في هذه المدينة وقد أسسا على التقوى من أول يوم. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله ما يدل على فضل الصلاة في مسجد قباء. أما فعله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : «كان النبي يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا ويصلي فيه ركعتين» رواه البخاري ومسلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عن سهل بن حنيف أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً كَانَ لَهُ أَجْرُ عُمْرَةٍ» رواه بن ماجة وغيره.وقد قال بعض الشعراء في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

جاشت النفس بالهموم ولكن سكنت عندما نزلنا المدينة
كيف لا تسكن النفوس ارتياحا عند من أنزلت عليه السكينة

وقال بعض المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمدينته الزهراء:

ســلام الله يا بدر البـدور عليكم صاحب القدر الكبير
سلام الله يا هادي فــؤادي سـلام الله مــــن صب كسير
أقلب فوق شوق البعد قلبــا قليل الصبر عن وصل البشير
على نوق من الأشواق أحدو ألا يـــا نوق للمختار سيـــــري
وربع مدينة ضاءت وفــاحت بها الأطيـاب من أحلى العبير
نزور اليــوم خير الخلق طـرا فـــأرفع منه قــدرا لــــــن تـــزوري


واعلموا رحمكم الله أن هناك ءادابا متعلقة بسكنى المدينة المنورة، فإن من وفقه الله لسكنى هذه المدينة المباركة الطيبة عليه أن يستشعر أنه ظفر بنعمة عظيمة ومنّة جسيمة فيشكر الله على هذه النعمة ويحمده على هذا الفضل والإحسان وعليه أن يستشعر أن كثيرين من سكان المعمورة يشتد شوقهم إلى أن يظفروا بالوصول إلى مكة والمدينة والبقاء فيهما ولو فترة يسيرة، وفيهم من يجمع النقود القليلة بعضها إلى بعض سنوات طويلة لتتحقق له هذه الأمنية وإنّ لسكنى هذه المدينة آدابا منها :

أولا: أن يحب المسلم هذه المدينة لفضلها ولمحبة النبي صلى الله عليه وسلم إياها. روى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة حركها من حبها.

ثانيا: أن يحرص المسلم على أن يكون مستقيما على أمر الله ملتزما بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم شديد الحذر من أن يقع في المعاصي فإن الحسنات في هذه المدينة لها شأن عظيم والبدع والمعاصي فيها ذات خطر كبير.

ثالثا: أن يحرص المسلم في هذه المدينة على أن يكون له نصيب كبير من تجارة الآخرة التي تكون الأرباح فيها أضعافا مضاعفة وذلك بأن يصلي ما أمكن من الصلوات في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ليحصل الأجر العظيم الموعود به في قول «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ» رواه البخاري ومسلم.

رابعا: أن يكون المسلم في هذه المدينة المباركة قدوة حسنة في الخير لأنه يقيم في بلد شع منه النور وانطلق منه الهداة المصلحون إلى أنحاء المعمورة فيجد من يفد إلى هذه المدينة في ساكنيها القدوة الحسنة والاتصاف بالصفات الكريمة والأخلاق العظيمة فيعود إلى بلده متأثرا مستفيدا لما شاهده من الخير والمحافظة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما أن الوافد إلى هذه المدينة يستفيد خيرا وصلاحا بمشاهدة القدوة الحسنة في هذا البلد المبارك فإن الأمر يكون بالعكس عندما يشاهد في المدينة من هو على خلاف ذلك فبدلا من أن يكون مستفيدا حامدا يكون متضررا ذاما.

خامسا: أن يتذكر المسلم وهو في هذه المدينة أنه في أرض طيبة هي مهبط الوحي ومأرز الإيمان ومدرج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من المهاجرين والأنصار درجوا على هذه الأرض وتحركوا فيها على خير واستقامة والتزام بالحق والهدى فيحذر أن يتحرك عليها تحركا يخالف تحركهم بأن يكون تحركه فيها على وجه يسخط الله عز وجل ويعود عليه بالمضرة والعاقبة الوخيمة في الآخرة.

سادسا: أن يحذر من وفقه الله لسكنى المدينة أن يحدث فيها حدثا أو يؤوي محدثا فيتعرض للعن لأنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال«المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ ءَاوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». رواه ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه.

سابعا: أن لا يتعرض في المدينة لقطع شجر أو اصطياد صيد لما ورد في ذلك من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا». رواه مسلم. وروى مسلم أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا». وفي الصحيحين عن عاصم بن سليمان الأحول أنه قال: قلت لأنس: أحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟، قال نعم، ما بين كذا إلى كذا لا يقطع شجرها من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وفي الصحيحن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ»، والمراد بالشجر الذي يحرم قطعه هو الذي أنبته الله عز وجل، أما ما زرعه الناس وغرسوه فإن لهم قطعه.

ثامنا: أن يصبر المسلم على ما يحصل له فيها من ضيق عيش أو بلاء أو لأواء لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ المَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا»، رواه مسلم، وفي صحيح مسلم أيضا أن أبا سعيد مولى المهري جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة وشكى إليه أسعارها وكثرة عياله وأخبره أنه لا صبر له على جهد المدينة ولأواءها فقال له : ويحك لا ءامرك بذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ» إذا كان مسلما.

تاسعا: أن يحذر إيذاء أهلها فإن إيذاء المسلمين بلا حق في كل مكان حرام ولكنه في المدينة أشد فقد روى البخاري في صحيحه عن سعد أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «لَا يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ»، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ البَلْدَةِ بِسُوءِ -يعني المدينة- أَذَابَهُ الله كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِي المَاءِ».

عاشرا: أن لا يغتر ساكن لمدينة بكونه أنه من سكانها. فيقول أنا من سكان المدينة فأنا على خير. فإن مجرد السكنى إذا لم يكن معها عمل صالح واستقامة على طاعة الله ورسوله وبعد عن الذنوب والمعاصي لا يغنيه شيئا من عذاب الله وفي موطأ الإمام مالك أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله. وهو خبر مطابق للواقع وقد قال الله عز وجل ﴿إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ِ [سورة الزخرف/13]. ومن المعلوم أن المدينة في مختلف العصور فيها الأخيار وفيها الأشرار فالأخيار تنفعهم أعمالهم والأشرار لم تقدسهم المدينة ولم ترفع من شأنهم وهذا كالنسب فمجرد كون الإنسان نسيبا من دون عمل صالح فإن ذلك لا ينفعه عند الله لقوله صلى الله عليه وسلم «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». رواه مسلم في صحيحه. فمن أخره عمل عن دخول الجنة لم يكن نسبه هو الذي يسرع به إليها.

الحادي عشر: أن يستشعر المسلم وهو في هذه المدينة أنه في بلد شع منه النور وانتشر العلم النافع إلى أنحاء المعمورة، فيحرص على تحصيل العلم الشرعي الذي يسير به على بصيرة ويدعو إليه غيره على بصيرة لاسيما إذا كان طلب العلم في مسجد رسول صلى الله عليه وسلم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا يَتَعَلَّمُ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمُهُ كَانَ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله وَمَنْ دَخَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَالنَّاظِرِ لِمَا لَيْسَ لَهُ». رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما.

نسأل الله تعالى السكنى في مدينة الحبيب والحمد لله رب العالمين.


رابط ذو صله : http://www.sunnaonline.org
القسم : الخــطب والـــدروس
الزيارات : 11913
التاريخ : 15/2/2013