الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمّد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين، وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أما بعدُ،
فاعلموا أن الذي يطلب العلم على الوجه الشرعي، بأن يطلبه من أهل المعرفة الثقات، اعلموا أن هذا السير الذي هو عليه هو نِعم السير، وليس على طريقة كثير من الناس اليوم وهي الطريقة التي فيها خلل، فالعلم يؤخذ بالسماع من فم العالم أو يَقرأ عليه، الطريق النافع أن يسمع الطالب من فم العالم أو يسمع العالم الطالب وهو يقرأ عليه الكتاب فيقره العالم. الحافظ أبو سعيدٍ العلائي خليل بن كَلْكَيْدي هو أحد مشايخ الحافظ زين الدين العراقي تلقى الحديث عن ستمائة عالم سماعا أي يقرأ العالم المحدث عليه ثم هو يسمع، الطريق الأفضل في تلقي العلم هو السماع من لفظ العالم مع تفهُّم المعاني ولا سيما الحديثَ و القرآن. القرءان إذا سمع الطالب من لفظ المقرئ هذا أفضل والطريق الثاني أن يقرأ الطالب والمقرئ يسمعه فيقره، الحمد لله الذي وفقنا إلى هذا المنهج الصحيح الذي كان عليه العلماء الماضون من السلف والخلف.
ومن فساد طريق التلقي اليوم عند أكثر الناس كثر التحريف والافتراء على الدين والفساد وإدخال أشياء في الدين مما ليس فيه، هؤلاء عملهم كعمل من يقول: أنا أعطيتك هذه الأوراق أو هذه الكراريس فافهمها ثم تَعرِضُ علي فأكتب لك صحَّ أم لم يصح هذا غش هذا خلاف النصيحة، ثم عند أولئك اليوم في كثير من البلاد سبب ءاخر للغَش وهو الجشع في حب المال مع الفقر الذي أصابهم. قال أحد المشايخ في الأزهر منذ ثلاث سنوات: صار في كثير من الأحيان الآن الدكتوراة والماجستير تُحصل بالمال، من هنا كثر التحريف للدين، كثير من المشاهير اليوم تخرجوا من كليات مشهورة باسم أنها تعلم الدين وهم لا يعرفون شيئًا عن الدين، وكذلك أناس تخرجوا من كليات أخرى أيضًا هم على هذا الحال، الكسل ينافي تحصيلَ العلم، تحصيلُ العلم لا يتفق مع الكسل، المحدثون لا يعتبرون محدثًا من لم يتلقَ من أفواه المحدثين، كذلك الفقه لا يكون الشخص فقيهًا إن لم يتلق العلم من أفواه الفقهاء. هذا الحافظ الخطيب البغدادي قال: الذي لا يأخذ العلم من أفواه العلماء لا يسمى عالما ولا يسمى الذي يقرأ من المصحف من غير سماع من القارئ قارئًا، إنما يسمى مصحفيا لا يسمى قارئًا هذا من ضعف الهمة، من كان قوي الهمة لا يعتمد على مطالعة نفسه إلا على التلقي من أهل المعرفة.
انظروا أيها الأحبة جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة إلى مصر لأنه بلغه أن صحابيًا اسمه عبد الله بن أُنَيس كان مقيمًا بمصر روى حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لم يسمعه سافر ليسمع منه فلقيه فقال له: أنت سمعت كذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأقره ذلك الصحابي أنه سمعه من رسول الله، هكذا كانوا يهتمون لتلقي العلم، هو جابر أحد علماء الصحابة لكنّ هذا الحديث ما سمعه من الرسول إنما بلغه أن فلانا سمعه من رسول الله.
ماتت الهمم اليوم، صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه كان يحفظ القرءان وكتاب التنبيه في الفقه الشافعي وكتاب الحماسة وكان يحضر مجالس الحديث ويسمع من المحدث وكان يأمر بقراءة العقيدة الأشعرية على المآذن قبل الفجر حتى يسمع جيرانُ المساجد لأن العقيدة أهم علم الدين لذلك كان يفعل هذا، فالوهابية لما علموا أنه كان بهذه الحال قالوا إنه ضال، لماذا قالوا ذلك؟ لأنه منـزه ينـزه الله عن كل صفات المخلوقين، ينـزهه عن المكان والحيز والجسمية و سائر صفات المخلوقين، وينـزه الله عن أن يكون متكلمًا بالحرف والصوت كما يتكلم المخلوقون لذلك حكموا عليه بأنه ضال وهم الضالون الذين ما عرفوا الله تعالى، الوهابية يعبدون جسمًا لا وجود له هم تخيلوه، بعض منهم قال: الله حجم مماس للعرش، وبعض منهم قالوا: واقف فوق العرش في الفراغ بدون مماسة، الفريق الأول وهم الأكثرون شبهوه بالإنسان والجن والملائكة والبهائم والفريق الثاني شبهوا الله بالشمس والقمر والنجوم هؤلاء الثلاثة مكانهم الفراغ في الفضاء، كلا الفريقين شبهوا الله تعالى بخلقه فكذبوا قوله عز وجل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) [سورة الشورى/11] على حسب اعتقادهم هذه الآية تعني أن الله جسم له أعضاء لكن يفترق في بعض الصفات عن الإنسان والجن والملائكة هذا غاية ما عندهم، والرد عليهم والحمد لله بين أحبتنا صار وافرًا، أما الرد على الذين يحرفون قول الله تعالى (َمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [سورة المائدة/44] فنحن نقول كفرٌ دون كفر أي الكفر الأصغر المعصية الكبيرة لأن هذا التفسير ثبت عن ابن عبّاس رضي الله عنه، ويدل لصحة ما ذهب إليه من التفسير أحاديث، كحديث "اتّقوا الرياء فإنه الشركُ الأصغر" فالرياء فيه شَبه للكفر الأكبر أي عبادة غير الله من جهة أن المرائيَ يريد أن يمدحه الناس، قصد بعبادته غير الله فصار يشبه المشرك الذي يعبد غير الله كالصنم والشمس ونحو ذلك.
فبين المسلم الذي يرائي بعمله وبين المشرك الذي يعبد الصنم شَبه قوي من أجل هذا الشبه الرسول صلى الله عليه وسلم قال "اتّقوا الرياء فإنه الشركُ الأصغر" أي شرك لا يخرج من الإسلام بل الشرك الأصغر، قال عبد الله بن عباس: ليس بالذي يذهبون إليه، الكفر الذي ينقل عن الملة، كفر دون كفر، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [سورة المائدة/44]، فهذا التفسير صحيح ثابت إسنادًا عن عبد الله بن عباس رواه الحاكم وصححه ووافقه غيره من الحفاظ. والحديث الآخر "اتّقوا الرياء فإنه الشركُ الأصغر" رواه الحاكم وصححه، ثم أيضا حديث البخاري "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، ليس معناه أن المسلم إذا زنا كفر، لا، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام الحد على بعض من زنا، ثم صلى عليه الصحابة، لو كان المسلم يخرج من الإسلام بالزنا ما كان الرسول تركهم يصلون عليه. ثم أيضا حديث رواه البخاري وغيره "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" فقوله صلى الله عليه وسلم "وقتاله كفر" معناه يشبه الكفر، ليس معناه كَفر كفرًا يخرج من الملة. وهذا القدر كاف لإبطال قول هؤلاء الذين يقولون:كل حاكم من المسلمين حكم بغير الشرع فهو كافر مطلقًا، حتى إنهم كفّروا مَن عاش في ظلِّ هذا الحاكم وهو لا يعتقد أن هذا أحسنُ من الدين أحسنُ من الشرع أحسنُ من القرءان.
وسبحان الله وبحمده والحمد لله رب العالمين.
رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
القسم : | الأدبيات والفوائد والنصائح |
الزيارات : | 5995 |
التاريخ : | 23/3/2012 |
|