لا ينكر المختلف فيه إنما ينكر المجمع عليه
لا ينكرُ المُختلفُ فيه، إنما يُنكر المُجمعُ عليه إلا أن يكونَ صاحبُه يعتقد أنه معصية، هذه القاعدة متفقٌ عليها بين علماء المذاهب الأربعة وغيرها. ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر وذكرها مَن لا يُحصى. ومَن شاء فلينظر في بطون الكتب الفقهية وغيرها.
والدليل على ذلك أنَّ الصحابة اختلفوا في الفروع، فما كان يعيب بعضُهم بعضاً على ذلك. فما اتفق الائمةُ المجتهدون على تحريمه ينكر على فاعله كائناً من كان. ومَن أنكر ما اختلف فيه المجتهدون فذهب بعضُهم إلى التحليل وذهب بعضُهم إلى التحريم فلا ينكر إلا على من اعتقد التحريم ثم فعل. والمسائل المختلف فيها كثيرةٌ منها نجاسةُ الكلب ومنها ترك البسملة أول الفاتحة في الصلاة فالمالكية عندهم غير مشروعةٍ قراءةُ البسملة والشافعيةُ عندهم فرضٌ لا تصح الصلاة بدونها، وكذلك جواز كشف الفَخِذِ للرجُل هو أحد قولَي مالك وأحد قولَي أحمد. روى مُهنَّا (أحد أشهر تلاميذ أحمد) عن أحمد ذلك أنَّ عورة الرجل السوأتان. وأفتى ابن حَجَر الهيتمي الشافعي لمَن سأله عن عاملٍ يعمل عمله وهو كاشفٌ فخذه فقال لا ينكر عليه. وابن حجر شافعيٌ ومذهبه تحريم ذلك، قال ذلك لأنه أحد قولَي مالك وأحمد.
وابن عبد السلام المالكي سُئلَ عمَّن يكون في الحمّام كاشفاً فخذه غير أنه ساترٌ سوأتيه قال لا ينكر عليه لاختلاف العلماء أي المجتهدين في ذلك، لِيَسعنَا ما وسعَ أولئك، فبالعمل بهذه القاعدة تأليفٌ بين القلوب. وممَّا يؤكد ذلك أنَّ عمر بن عبد العزيز كان خليفةً راشداً مجتهداً في العلم كالأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين عُرِضَ عليه أن يجمع النّاس على مذهبٍ واحدٍ فلم يفعل ورأى أن يترك النّاس على حسب اختلاف المجتهدين.
فإذا كان هو مع كونه إماماً أمير المؤمنين، ومجتهداً من المجتهدين في العلم لم يفعل ذلك، فكيف ينبغي للمقلدين الذين هُم بعيدون عن مرتبة الاجتهاد أن ينكروا على مَن يخالف ما قُرر في المذهب الذي يقلدونه، ولا يدخل في هذا اختلاف سائر النَّاس ممَّن ليسوا مجتهدين ولا ءاخذين من قواعد المجتهدين.
هذا في الأحكام أما في العقيدة فيجب الانكار على مَن خالف عقيدة أهل السنة وهم الأشاعرة والماتريدية. وأئمة الاجتهاد كُلُهم في العقيدة متفقون، فَهُم من الفرقة الواحدة التي قال فيها الرسول "كلهم في النار إلا واحدة وهي الجماعة". وفي رواية "إلا السواد الأعظم". وفي رواية "ما أنا عليه وأصحابي".