الرد على من يحرم كشف المرأة وجهها
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.ا
أما بعد فقد قال ابن حجر الهيتمي في "حاشية الإيضاح" في مسئلة كشف المرأة منكبها "أما لو فعلته فوق ثيابها أو لَم تجد ما تستر به كل بدنها وجوزنا طوافها عارية أو كانت أمة فلا حرمة عليها.ا وإن قلنا الأمة كالحرة في النظر أخذًا من قولهم يجوز للحرة كشف وجهها وإن قلنا بحرمة النظر إليه وعلى الرجال غض البصر" اهـ. وقال في موضع "ولا ينافيه الإجماع على أنها تؤمر بستره لأنه لا يلزم من أمرها بذلك للمصلحة العامة وجوبه. وبحث الأذرعي أن طواف المحرمة مغطية الوجه لغير عذر يجري فيه وجه ببطلان طوافها نظير الصلاة في حرير" اهـ.ا
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في "شرح الروض": "يجوز كشف وجهها إجماعًا وعلى الرجل غض البصر"اهـ.ا
والدليل على ذلك أن الرسول ما أمر المرأة الشابة الوضيئة التي وقفت تسأله وكان الفضل مع الرسول جعل ينظر إليها وجعلت تنظر إليه، وكان الفضل أبيض جميلاً وهي جميلة فحوَّل الرسول وجهه إلى الجهة الأخرى فقال العباس: لِم حوَّلت وجه ابن عمك؟ فقال "رأيت شابًا وشابة فخفت عليهما من الشيطان". فلم يقل للمرأة غطي وجهك ولا قال لها اسدلي على وجهك شيئًا مجافيًا لا يقع على وجهك لأجل الإحرام. وهذا في حجة الوداع وكان مع النبي خلق كثير. ا
ويدل على هذا أيضًا ما رواه ابن حبان وصححه أن امرأة حسناء من أحسن الناس كانت تصلي خلف رسول الله في المسجد وكان بعض الصحابة يتقدمون إلى الصف الأول حتى لا ينظروا إليها وبعض يتأخرون ثم ينظرون إليها من تحت ءاباطهم فأنزل الله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} والدليل في هذا أن الرسول عليه السلام لَم يقل لتلك المرأة الحسناء بعد نزول الآية وعلمه بحال الفريقين من الصحابة "أنت لا تأتي إلى هنا" ولا قال لها "غطي وجهك فإن الناس ينفتنون بك".ا
فمن هنا أخذ العلماء الإجماع على جواز كشف المرأة وجهها في الطرقات مع قوله صلى الله عليه وسلم "وكل عين زانية" أي كل عين تشتهي النظر إلى النساء بشهوة، هذا في زمانه وما قبله وما بعده الناس ينظرون إلى النساء بشهوة إلا من كان نبيًا أو بعض الأولياء.ا
فإيجاب ستر المرأة وجهها كما قال بعض الحنفية في زماننا "إنه يجب دفعًا للفتنة" لا معنى له لأن الفتنة كانت موجودة في زمن الرسول وقبله بدليل قوله "وكل عين زانية" والحديث صحيح رواه الترمذي والحافظ ابن القطان في "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر". ولم يكن هذا التشديد عند متقدمي الحنفية بل قال أبو يوسف رحمه الله "يجوز للمرأة أن تكشف ساعدها" وفي رواية "نصف الساعد" وإنما هذا القول الشاذ ذكره صاحب الدر المختار ونحوه من متأخري الحنفية وليس فيهم أحد من أصحاب الوجوه في المذهب ولا أحد من أصحاب الترجيح.ا
وقال الشوبري في مسئلة جواز كشف الوجه للمرأة "لو كان ستر الوجه واجبًا ما حرم ستره في الإحرام" اهـ. وهذا دليل واضح أنه يجب عليها كشفه في الإحرام، ولو كان ستره واجبًا لكان في الحج أولى أن تستر وجهها، وهذا دليل مفحم لا جواب عنه. فإن قيل أليس أزواج الرسول فرض عليهن ستر الوجه بعد نزول ءاية الحجاب؟ فالجواب: أن هذا الحكم مختص بهن كما قال أبو داود في سننه عند ذكر حديث "أفعمياوان أنتما" على أن هذا الحديث قال الحافظ ابن حجر في صحته نظر.ا
وقال الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن القطان الفاسي المتوفى سنة 628 هـ في كتاب "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر" في الصحيفة 382: "مسألة: ما عدا وجهها هل يجوز نظرهم إليه أم لا ؟ منهم من قال: يجوز مع النظر إلى الوجه النظر إلى الكفين وهو قول مالك وأصحابه، ومنهم من زاد القدمين ومنهم من زاد نصف الذراع. والأصح عندي: ألا يجوز إلا ما كان جائز النظر إليه بغير ضرورة وأن لا يجب إلا ما كان اضطرنا إليه مِمّا لا يتم الواجب إلا به أما ـ تفتيش الشهود ـ عن غير ذلك فلا يحل أصلاً إنما هو الوجه والكفان".اهـ.ا