الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين أما بعد، لو كان الرجل يجوز عليه الحمل والولادة لما خص الله تعالى في القرءان الأنثى بأنها تحمل وهذا أقوى دليل لمن ءامن بالله وما أنزل في كتابه (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ) ومعناه ما تخرج الأنثى من رحمها من الأولاد وأشياء أخرى، والآية في سورة الرعد، فانظر قوله عز وجل (اللهُ يَعلَمُ ما تَحمِلُ كُلُّ أُنثَى) ولم يقل كلّ أُنثى وذكَر، فدلّ على أن الحَمل للإناث فقط. وهو إجماعٌ، حتى سائر الملل لا يقولونَ إنّ الرّجل يحمِل ويلِد. فأيّ حضيض نزل فيه هؤلاء.
ومعلوم أن الحَملَ يكونُ في الرّحِم والرّجُل لا رحِمَ له، وقد جاء في الحديث الصّحيح عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق "إن أحدكم يُجمَعُ خلقه في بطن أمه أربعينَ يومًا نُطفَة ثم يكون علقَةً مثلَ ذلك ثم يكونُ مُضغَةً مثلَ ذلك ثم يُرسَلُ إليه الملَك فيَنفُخ فيه الرّوح ويؤمَرُ بأربع كلمات : بكَتْب رِزقِه وأجَلِه وعمَلِه وشقيّ أو سعيد فو الله الذي لا إله غيرُه إنّ أحدَكُم ليَعمَلُ بعمل أهلِ الجنّة حتى ما يكونُ بينَه وبينها إلا ذِراع فيسبِق عليه الكتابُ فيَعملُ بعمل أهلِ النار فيدخلُها وإنّ أحدَكُم ليَعمَلُ بعملِ أهلِ النار حتى ما يكونُ بينَه وبينَها إلا ذراعٌ فيَسبق عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهلِ الجنّة فيدخلُها" رواه البخاري ومسلم. فانظروا قوله عليه السلام "إنّ أحدَكم يُجمَع خَلقُه في بطن أمّه" ولم يقل في بطن أبيه أو في بطن أمه أو أبيه، وهو دليل قاطع على أنّ الرّجُل لا يحمِل.
قال القرطبي في تفسيره: الله يعلم ما تحمل كل أنثى (أي ما تحملُه مِن ذكر وأُنثى صَبِيح وقبِيح صالح وطالح. وقال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن جرير عن الضحاك - رضي الله عنه - الله يَعلَم ما تحمِلُ كلّ أُنثى قال: يعلم أذَكَر هو أو أنثى. وقال أبو السعود في تفسيره: الله يعلم ما تحمل كل أنثى أي تحمِله، فما موصولة أريد بها ما في بطنها من حين العلُوق إلى زمن الولادة لا بعد تكامل الخَلق فقط، والعلم متعد إلى واحد، أو أي شىء تحمل وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردة عليه طَورًا فطورًا. وقال الراغب في المفردات: وما تغيض الأرحام، أي تفسده الأرحام، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض. وقال الثوري في تفسيره: عن مجاهد وما تغيض الأرحام قال خروج الدم.
قال الطبري في تفسيره: عن ابن عباس قوله (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام)، يعني السِقْط (وما تزداد)، يقول: ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تمامًا. وذلك أن مِن النساء مَن تحمِل عشرة أشهر، ومنهن مَن تحمِل تسعةَ أشهر، ومنهن مَن تزيد في الحمل، ومنهن من تَنقص. فذلك الغَيض والزيادة التي ذكَر الله، وكلّ ذلك بعِلمه.اهـ
وعن سعيد بن جبير، في قوله (وما تغيض الأرحام)، قال: هي المرأة ترى الدم في حملها . وعن مجاهد، في قوله (وما تغيض الأرحام وما تزداد)، قال: الغيض، الحامل ترى الدم في حملها، وهو "الغيض" وهو نقصان من الولد. فما زادت على التسعة الأشهر فهي الزيادة، وهو تمامٌ للولادة. اهـ
قال الرازي في تفسيره: قوله (مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الارْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) إما أن تكون موصولة وإما أن تكون مصدرية، فإن كانت موصولة، فالمعنى أنه يعلم ما تحمِله مِن الولد أنه مِن أيّ الأقسام أهُوَ ذكَر أم أنثى وتام أو ناقص وحسن أو قبيح وطويل أو قصير وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة فيه. وقال الماوردي في تفسيره: وما تغيض الأرحام (بالسقط الناقص) وما تزداد (بالولد التام، قاله ابن عباس والحسن).
قال النسفي في تفسيره: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الارْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) [الرعد : 8] ما في هذه المواضع الثلاثة موصولة أي يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغيره ذلك، وما تغيضه الأرحام أي ويعلم ما تنقصه، يقال غاض الماء وغضته أنا وما تزداده والمراد عدد الولد فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثة وأربعة أو جسد الولد فإنه يكون تاماً ومخدجاً، أو مدة الولادة فإنها تكون أقل مِن تسعة أشهر وأزيدَ عليها إلى سنتين عندنا وإلى أربع عند الشافعي وإلى خمس عند مالك، أو مصدرية أي يعلم حمل كل أثنى ويعلم غيض الأرحام وازديادها. اهـ
قال ابن الجوزي في تفسيره: ثم إن الله تعالى أخبرهم عن قدرته ردا على منكري البعث فقال (الله يعلَم ما تحمل كلّ أنثى) أي مِن علَقة أو مُضغة أو زائد أو ناقص أو ذكر أو أنثى أو واحد أو اثنين أو أكثر (وما تغيض الأرحام) أي وما تَنقص وما تزداد وفيه أربعة أقوال أحدها ما تغيض بالوضع لأقل من تسعة أشهر (وما تزداد) بالوضع لأكثر من تسعة أشهر رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والضحاك ومقاتل وابن قتيبة والزجاج والثاني وما تغيض بالسقط الناقص وما تزداد بالولد التام رواه العوفي عن ابن عباس وعن الحسن كالقولين والثالث وما تغيض بإراقة الدم في الحمل حتى يتضاءل الولد وما تزداد إذا أمسكت الدم فيَعظم الولد قاله مجاهد والرابع ما تغيض الأرحام من ولدته من قبل وما تزداد من تلده من بعد روي عن قتادة والسدي ثم الاستقراء من ءادم إلى وقتنا دليل زائد، قال في الإبهاج شرح المنهاج للسبكي أن الاستقراء التام إثبات الحكم في جزئيّ لثبُوته في الكُلّي،وهذا هو القِياس المنطقي وهو يفيد القَطع اهـ.
فالثابت بالاستقراء أن الحَمل للأنثى لا لثابتِ الذّكورة، والاستِقراء تتبّع المسئلة لا تتَخلّف، تكون مرارًا كثيرةً لا تتَخرّم ولو في مرّة واحدة،فالحَمل لم يحصل مِن ثابت الذّكُورية لأنّ الرجل لا رحِم له، ومَن قال إن لثابت الذكورة رحمًا فيحمِلُ ويلد فإن في عقله شيئًا وفي دينِه أشياء منكرات مهلكات والعياذُ بالله تعالى.
نسأل الله العصمة من الفتن إنه على ما يشاء قدير وبعباده لطيف خبير.
رابط ذو صله : | |
القسم : | مقالات وردود شرعية |
الزيارات : | 3440 |
التاريخ : | 21/12/2013 |
|