من فضائح كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب
الشيخ سليمان بن عبد الوهاب النجدي ذكر عن أخيه محمد بأنه ليس أهلاً للاجتهاد بل ولم يصل عشرَ الأهلية، ولنبرهن على ذلك فسنأخذ مثالاً من كتاب من كتب الشيخ محمد، فإن لسان المرء مقياس عقله؛ وما يكتبه هو حصيلة فكره، والكتاب هو المسمى (كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذا الكتاب له تقديس خاصٌ عند الحشوية؛ يقدسونه ويوزعونه بالمجان، وهو كُتيب إذا قرأته فلن تجد فيه تجديداً يستأهل هذا الاهتمام، بل لا أظنك تتصور أنَّ كتاباً هذا عنوانه قد يحوي أحاديث ضعيفة، لأنه كتاب عقيدة؛ وكتب العقيدة يجب أن تنـزَّه عن الأحاديث الضعيفة؛ فأقول لك هوِّن عليك يا أخي فالشيخ القدوة المجدد!! لا يستدل بالأحاديث الضعيفة فحسب بل وبالموضوعة كذلك في أمور العقيدة، ويهِم فيه أوهاماً كثيرة؛ فيزيد في الأحاديث من عنده؛ وينسب الحديث إلى غير مصادره وإليك الأمثلة:
1. في باب {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما} أورد في تفسير هذه الآية قصة تقدح في عصمة أبينا آدم عليه السلام وترميه وأمنا حواء بالشرك؛ وهي قصة واهية، ذكر أنه رواها ابن أبي حاتم عن ابن عباس، يعلم بطلانها صغار الطلبة النافرين للتفقه في الدين؛ فقال (لما تغشاها آدم حمَلَت، فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلنَّ له قرنيَ أيِّل، فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلن ولأفعلن - يخوفهما - سمِياه عبدالحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت، فأتاهما، فقال مثل قوله: فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت، فأتاهما، فذكر لهما، فأدركهما حبُّ الولد، فسمياه عبد الحارث فذلك قوله تعالى {جعلا له شركاء فيما آتاهما}).
وأبلغ ردٍّ على شيخ الوهابية يأتي من ألسنة أهل تقديسهم من العلماء؛ فهذا ابن كثير يقول في تفسيره [1] (هذه الآثار متلقاة عن أهل الكتاب)!! وهذا ابن حزم يقول في (الفِصَل في الملل والأهواء والنحل) "وهذا الذي نسبوه إلى آدم من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة… ولم يصح سندها قط، وإنما نزلت الآية في المشركين على ظاهرها".
ونحن نعلم أن ابن عبد الوهاب مغرور يظن نفسه عالما وقد نفخ فيه ذلك طبعه أولا، وأساتذته المستشرقون ثانياً؛ حيث أرادوا منه أن يكون حربة يشوهون بها الإسلام، وشاغلاً للمسلمين عن جهاد اليهود والنصارى بفقهه الهزيل الأعوج، وفقه قومه خوارج نجد – فيشتغل المسلمون بأنفسهم ويستبدلون ذروة سنام الإسلام بدعوى الشرك وعبادة القبور ومحاربتها رغم أن الرسول الكريم قد نص بأن الشيطان أيس أن يعبده المسلمون – وإلا فإن الشرك لا يجوز اعتقاده في الأنبياء عليهم السلام ولا يقع منهم على أي حال، فهم مبرأون منه باتفاق الأمة، والقصة قد ردّها علماء الأمة، وهي كما قال عنها الإمام القرطبي في تفسيره (لا يعوِّل عليها من كان له قلب) [2] ولكن لا أظن أن ابن عبد الوهاب وجد الوقت ليقرأ هذا! فكيف لكُتَيِّب كهذا يحمل مثل هذا الخطأ الفاحش أن يسمى بكتاب التوحيد؟.
فهذا الخبر خرافة موضوعة مكذوبة في كتاب العقيدة هذا!والعجب من ذرية ابن عبد الوهاب ودفاعهم عن أبيهم بالباطل؛ فبعد أن اطلع عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ مؤلف الكتاب المسمى “فتح المجيد شرح كتاب التوحيد” على قول ابن كثير المذكور أعلاه وتعليله لضعف الرواية بثلاث علل، فقال عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ بعد كل هذا (وهذا بعيد جداً) [3] هكذا ومن غير دليل!! فيرضى برمي الأنبياء بالشرك، ويرد أقوال العلماء من غير دليل حتى يسلم جدّه من الخطأ!! هذا ويجب أن يُعلم أن ما أخرجه الترمذي (3077) وأحمد (5/11) والحاكم (2/545) والطبري (15513) والديلمي 5308) عن الحسن عن سمرة مرفوعاً هي رواية ضعيفة أنكرها الذهبي في الميزان، فالحسن أحد رواة الحديث مدلس عنعن روايته، وهو لم يسمع من قتادة إلا حديث العقيقة وهو ما عليه الجمهور، وقد صحّ عنه غير هذا في تفسير الآية وفيها عمر بن إبراهيم البصري قال عنه ابن عدي (يروي عن قتادة ما لا يوافق عليه) وقد روى هذا عن قتادة، وقال عنه أبو حاتم: (لا يحتج به) وقال عنه أحمد: (له مناكير)..
في هذا الكتاب المسمى “فتح المجيد شرح كتاب التوحيد” أيضاً إعجاب بفكر اليهود وعقيدتهم الفاسدة حين ذكر قول الحبر اليهودي (يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع..الخ) فقال الشيخ في المسألة الثانية "إن هذه العلوم باقية عند اليهود الذين في زمنه عليه السلام لم ينكروها ولم يتأولوها" فعلى زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرسول الكريم بعدم تكذيب اليهود أو تصديقهم! فانظر بين هذا المنطق العجيب.
2. فهل من الغرابة على من يلمز الأنبياء بالشرك أن يلمز بعد ذلك العلماء، كما فعل محمد بن عبدالوهاب في كُتيبه هذا مع الشيخ البوصيري في باب قول: ما شاء الله وشئت، وذلك لأنه قال في قصيدته العظيمة البردة مخاطباً الرسول الكريم:
يا سيد الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العممِ
ولو كان الشيخ فقيها لعلم أن هذا ليس بشرك إلا في فقه الخوارج الأعوج، فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن الناس يوم القيامة يتدافعون إلى الأنبياء عليهم السلام ليشفعوا لهم، فيتدافعها الأنبياء إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فيتقدم فيقال له (اشفع تشفَّع وسل تعطه) رواه أغلب أهل الحديث عن عدد من الصحابة، فهل يكون البوصيري الفقيه مشركاً بقوله إنه ليس له من يلوذ به يوم القيامة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا حكم باطل بالشرك على عالم مسلم في كتاب العقيدة هذا!ثم كيف لا يطلب الغوث والعون والنصر من النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي، مع أن إمامهم ابن تيمية يقول في التوسل والوسيلة ص 145 (وقد مضت السنة أن الحيّ يطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر ما يقدر عليه)! واستناد الشيخ إلى مثل هذه الروايات الباطلة هو دليله لاستحلال دماء الموحدين، وقد بوَّب باباً كاملاً في كتابه هذا بعنوان (ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان) ليكون ذلك مستنده في إباحة دماء المسلمين فليتنبّه!
هذا ولا بدّ أن نشير إلى أن بعض مؤلفات الشيخ المطبوعة مؤخراً تعرضتلكثير من عمليات التجميل؛ زيادة ونقصاناً من المحققين والمراجعين، وعسى أن يتمكن بعض المخلصين من إخراج ذلك في دراسة وافية.
وبالله عليكم أيها الوهابية هل تبنون عقيدتكم على أحاديث الكذَّابين والوضَّاعين، والضعفاء والمتروكين، والمجهولين، بل وروايات ليس لها أصل في كتب الحديث، وتتركون المحكم من كلام ربِّ العالمين والثابت الشهير من كلام سيِّد المرسلين!!
______________________________
[1] تفسير ابن كثير – المجلد الثاني – ص ٢٨٧
[2] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تفسير سورة الأعراف، آية ١٩٠.
[3] فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – ص ٤٥٤