تبرئة نبي الله يوسف الصديق عليه السلام
كثيراً ما يدور الحديث في قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وبالتحديد موقفهُ ونزاهتُه أمام المرأة التى نشأ في بيتها، والمؤسفُ أنَّ الكثير من الناس يحملون القصة على غير حقيقتها بل إن منهم من يصلُ الأمر به إلى رمي سيدنا يوسف عليه السلام الصديق الطاهر بتهم تنُقصٌ من قدرهِ ويصوره البعض بالرجل الزاني والعياذ بالله. ومن المعلوم عند عامة المسلمين أنَّ من أصول العقيدة في الإسلام تعظيم الأنبياء جميعاً ووصفهم بالعصمة من الكفر والفواحش، إذ أنّ الأنبياء بشر لكنّ الله تعالى عصمهم عن أمور لا تليق بهم فلا يتصور منهم فعلها، ومن المقرر أيضاً أن من رمى نبياً من الأنبياء برذيلةٍ فقد سَبَ النبي وسبُ النبي كفرٌ والعياذُ بالله تعالى. لذلك أردت التوضيح لجانب من قصةِ يوسف عليه السلام وليس المراد سرد القصة بكاملها. والنقطة التي أريد هي تبرئةُ يوسف عليه السلام من ظنٍ وتفسير يورده البعض في قضيته مع إمراءة العزيز التى ذكرها الله في القران قال الله تعالى {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون}. لقد كان يوسف عليه السلام ذا جمال شديد، بل قد جاء في الصحيح أنه أوتي شطر الجمال، فلم تتمالك امرأة العزيز نفسها لما رأت فيه ذلك الجمال حتى راودته عن نفسه، فأبى عليها وامتنع أشدَ الإمتناع ولم يكن ليخونَ أو يقعَ فيما برءَ اللهُ منه الأنبياء، وقد حفظه الله تعالى وصرف عنه السوء والفحشاء كما قال سبحانه {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه * كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} قد يفهم من ظاهر هذه الآية أن يوسف الصديق عليه السلام هم بأن يفعل بتلك المرأة من السوء والفحشاء مثلما همت هي أن تفعل وهذا ما يذكر في بعض التفاسير وهو إما من قبيل الدس والإفتراء المتعمد وإما من الغلط الشنيع ولكن من أوضح ما قيل في تفسير هذه الآية أن يقال الهمُ من أمراءة العزيز كانت همت بالفاحشة لما وقع في قلبها من جمال يوسف عليه السلام، والهمُ من يوسف كان هم الدفع والضرب لإبعادها عنه وزجرها عما تريد من الأمر الذي لا يريده والبرهان المذكور هو أن الله ألهمَ يوسف أن لا يدفعها باللمس والدفع أو الضرب حتى لا يكون حجة وافتراء عند قومها فتقول ضربني ودفعني ليعتدي عليّ فيكون أقرب لتصديقها فلذلك استبقَ الباب قال تعالى {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر والفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم}، والقرآن العظيم بين لنا خمس شهداء على براءة يوسف عليه السلام من ذلك وهم: يوسف الصديق نفسه وامرأة العزيز نفسها وزوجها والنسوة اللاتي قطعن أيديهن والشاهد من أهلها.
أما يوسف الصديق نفسه فقد جزم ببراءة نفسه وثبت على نقائه وطهارته فقال ما أخبر الله عنه في القراءن {هي راودتني عن نفسي}. وقال لما هددته امرأة العزيز بالسجن إن لم يستجب لها {رب السجن أحب إليّ} وأما امرأة العزيز فاعترفت وأقرت ببراءة يوسف فقالت ولقد {راودته عن نفسه فاستعصم}. وقالت في موقف أخر أمام الملك {الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} أما النسوة اللاتي قطعن أيديهن فقلن عن يوسف {حاشا لله ما علمنا عليه من سوء}. وأما زوج المرأة فقال مخاطباً امرأته {إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم / يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}. فبين بكلامه هذا براءة يوسف وأنّ اللوث والتهمة والكيد والخطيئة في امرأته وأنها هي التي دعته وتهيئات له وحرصت أشد الحرص ولكن هيهات هيهات فأن يوسف الذي وصفه ربه بالصديق وأنه من عباده المخلصين أعلى قدر اً وأرفع من أن يتلوث في الرذائل أو أن يخونَ عرض من جعله في بيته!! وهذا مما يربأ عنه أهل الفضل والمرؤة من عامة البشر فكيف بالنبي الصديق!؟ سبحانك هذابهتان عظيم...وأما الشاهد من أهلها فقال {إن كان قميصه قُدَ من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُدَ من دبر فكذبت وهو من الصادقين}. فوجدوا قميص يوسف قُدَ من دُبرٍ أي شُق من خلفه وذلك أنهما لما استبقا الباب يوسف وامرأة العزيز، يوسف يفر بنفسه من السوء والفحشاء وامرأة العزيز مصممة على السوء والفحشاء أمسكت بقميصه من خلفه فشقته فوجدوا قميص يوسف شق من دبر فكان ذلك من الأدلة على براءته عليه السلام، وبعد هذا ينبغي أن يحذر كل الحذر من القصص المفتراة على يوسف ومن أقاويل السفهاء الذين يرمون هذا النبي الشريف العفيف الطاهر بالزنى يوسف ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن نبي الله إبراهيم عليهم السلام، روى الإمام أحمد والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال [الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم]. فالحذر الحذر من الإفتراء على الأنبياء الشرفاء المطهرون ومن الكتب التى تروى القصص المكذوبة التي لاأصل لها على أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.