صحة إسناد أثر ابن عمر وفيه أنه لما خدرت رجله قال: يا محمد
روى الإمام البخاري في كتابه "الأدب المفرد" تحت باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله: قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد. انتهى
وكلمة "يا محمد" ثابتة في مخطوط الأدب المفرد للبخاري كما أنها ثابتة في عدة نسخ مطبوعة للأدب المفرد. وهذا الحافظ شمس الدين السخاوي من أهل القرن التاسع الهجري أثبت في كتابه "القول البديع في الصلاة على النبي الشفيع" أنه في كتاب الأدب المفرد للبخاري لفظ "يا محمد"، فقال ما نصه: وللبخاري في الأدب المفرد من طريق عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد" اهـ
وإسناد البخاري هذا صحيح لا علة فيه فأبو نعيم هو الفضل بن دكين، ثقة إمام ثبت في الحديث، وأما سفيان فهو سفيان الثوري شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، الإمام المجتهد، وأما أبو إسحاق فهو السبيعي ثقة من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. ولما كبر تغير حفظه تغير السن، ولكن رواية الثوري عنه كانت قبل ذلك. وأما عبد الرحمن بن سعد فقد وثقه النسائي وذكره ابن حبان في كتاب الثقات.
وأما قول بعض المتعالمين "الرواية ليست صحيحة فهي معلولة بتدليس واختلاط السبيعي" فهو تمويه منه وخيانة وتدليس فلا ينطبق هذا على رواية البخاري له في الأدب المفرد بدليل أن الإمام المجتهد سفيان الثوري روى عنه ذلك لأن سفيان هو من أوائل من سمع من أبي إسحاق السبيعي أي قبل أن يتغير حفظه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر فى تهذيب التهذيب: أن الثوري أثبت الناس في السبيعي. ومثل هذا في تهذيب الكمال للحافظ المزي.
وسنزيدك بشىء وهو أن أثر ابن عمر هذا رواه الإمام السلفي الحافظ الحجة إبراهيم الحربي الذي كان يشبه بالإمام أحمد بن حنبل في العلم والورع في كتابه "غريب الحديث" فقال: حدثنا عفان – هو عفان بن مسلم، ثقة، ثبت، إمام حافظ – قال حدثنا شعبة – هو شعبة بن الحجاج، الإمام، الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث - عن أبى إسحاق عمن سمع ابن عمر قال خدرت رجله فقيل: اذكر أحب الناس. قال: يا محمد.
ثم بين الإمام الحربي أن الذي سمع من ابن عمر هو عبد الرحمن بن سعد الثقة. فقال أي الحربي: حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير عن أبى إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد: جئت ابن عمر فخدرت رجله. فقلت: ما لرجلك؟ قال : اجتمع عصبها قلت: ادع أحب الناس إليك قال : يا محمد، فبسطها. فهذا الأثر بهذا الإسناد بحمد الله هو حجة، فقد رواه عن السبيعي الإمام شعبة وهذا ينفي عنه ما يزعمه من اختلاطه لأن شعبة من أوائل الذين سمعوا منه، أي قبل أن يشيخ وينسى.
وينفي ما يزعمه من تدليسه لأن شعبة قال "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبي إسحاق وقتادة" اهـ نقله عنه الحاكم والبيهقي والحافظ ابن حجر وابن طاهر المقدسي وغيرهم، هذا وقد قال الإمام يحيى بن معين: إنما أصحاب أبى إسحق سفيان وشعبة. اهـ
وقد روى هذه القصة أيضا جمع كبير من الحفاظ وأثبتوا فيها لفظ "يا" محمد، بإثبات يا النداء كالحافظ ابن السني الذي أوردها في كتابه "عمل اليوم والليلة " تحت باب ما يقول إذا خدرت رجله، من عدة طرق وبغير إسناد البخاري.
الأول من طريق أبي بكر بن عَيَّاش قال حدثنا أبو إسحاق عن أبي سعيد قال: كنت أمشي مع ابن عمر فخدرت رجله فجلس فقال له رجل اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمداه، فقام فمشى. والثاني من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال : يا محمد، فقام فكأنما نشط من عقال. والثالث من طريق زهير عن إبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال:كنت عند عبد الله بن عمر، فخدرت رجله ، فقلت له : يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك ؟ قال : اجتمع عصبها من ههنا . قلت : ادع أحب الناس إليك ، فقال : يا محمد ، فانبسطت.
وكذلك رواها ابن سعد في الطبقات والحافظ ابن الجعد في مسنده من طريق زهير عن إبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: كنت عند عبد الله بن عمر، فخدرت رجله، فقلت له: يا عبد الرحمن ما لرجلك؟ قال: اجتمع عصبها من ههنا. قلت: ادع أحب الناس إليك، فقال : يا محمد، فانبسطت.
والحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق والحافظ المزي في تهذيب الكمال الذي تمدح بروايته عاليًا، كلُّ بسند ابن الجعد عن عبد الرحمن بن سعد. والحافظ ابن الجزري في كتابه عدة الحصن الحصين والحافظ النووي في الأذكار النووية بسند ابن السني عن الهيثم بن حنش.
وهذا الحافظ السخاوي الذي هو من أهل التصحيح والتضعيف ما ضعف أثر ابن عمر عندما خدرت رجله فقال: يا محمد، بل أيده بإيراده من طريقين ءاخرين الأول للحافظ ابن بشكوال من طريق أبي سعيد:كنا عند ابن عمر فخدرت رجله فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد صلى الله عليك وسلم فكأنما نشط من عقال. والطريق الثاني للبخاري في الأدب المفرد، فلا معنى بعد ذلك لقول الألباني الوهابي إن إسناده ضعيف. لأن الألباني ليس من أهل الحفظ باعترافه بل هو بعيد من الحفظ بعد الأرض من السماء.
كل هؤلاء وغيرهم كثير أوردوا هذا الأثر مستحسنين له بل ومرغبين الناس بالعمل به عندما يصيب الرجل الخدر. وقد أورد هذا الأثر أيضا الشوكاني وهو غير مطعون فيه عند نفاة التوسل في كتابه "تحفة الذاكرين" وذكره ابن تيمية في كتابه "الكلم الطيب" فقال: فصل في الرجل إذا خدرت: عن الهيثم بن حنش قال : كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك فقال : يا محمد، فكأنما نشط من عقال. اهـ. فهذا الأثر أورده ابن تيمية مستحسنا له ومرغبا في العمل به كما أورد سائر الأذكار ولم يعقب عليه ولم يعلق.
وهذا الكتاب ثابت أنه من كتب ابن تيمية، توجد منه نسخ خطية ومطبوعة، وقد اعتنى الوهابية بطبعه مع إثبات حرف النداء يا، طبع باعتناء ونشر وتوزيع ما يسمى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، وطبع باعتناء مدعي علم الحديث زورا ناصر الألباني الذي قال: ءاثرنا إثباته (حرف النداء يا) لموافقته لبعض الأصول المخطوطة " ولكنه في مقدمة الكتاب قال عن حديث المناداة بـ "يا محمد: "إنها منافية للتوحيد".
فإن قال أحدهم: إن ابن تيمية أورده بإسناد ضعيف أو من طريق راو مختلف فيه؟
يقال لهم : هذا لا يعكر علينا، لأن إيراد ابن تيمية له في كتابه دليل على أنه أجازه واستحسنه ورغب فيه ، سواء قيل هذا السند من هذا الطريق ضعيف أم لا.
وأثر ابن عمر هذا يؤيده حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه الصحيح والذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين، ويدعو بهذه الكلمات: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضى لي "ففعل الأعمى ذلك بعد أن خرج من مجلس الرسول ثم عاد ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق مجلسه لقول راوي الحديث عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر، أي ولم يقل: "يا محمد "في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان ممنوعا عليهم ذلك، لا يجوز نداؤه مشافهة في وجهه بـ"يا محمد" لقوله تعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}. فهذا الحديث صحيح بلا خلاف، صححه الحافظ الطبراني والحاكم، والبيهقي، والمنذري والهيثمي والمقدسي وغيرهم.
وهو يدل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الحالات وفي سائر الأوقات وليس خاصا بذلك الضرير أو بحالة دون حالة أو بوقت دون وقت. لأن الحفاظ أوردوه من غير تخصيص له ببعض الحالات بل معتبرينه من جملة الأذكار التي تقال عند عروض حاجة، وإرادة قضائها.