التوسل بالأولياء والصالحين
قالَ الْحَافِظُ الْخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ في تَارِيخِ بَغْدَادَ (1/120) مَا نَصُّهُ [عَنْ أَحْمَدَ القَطْيعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ أَبَا عَلِيٍّ الْخَلاَّلَ يَقُولُ: مَا هَمَّنِي أَمْرٌ فَقَصَدْتُ قَبْرَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَتَوَسَّلْتُ بِهِ إِلا سَهَّلَ اللهُ تَعَالى لي مَا أُحِبُّ] اهـ.
وقد قالَ ابن تيميةَ في كتابِهِ الكَلِمُ الطيّب [فَصلٌ فيما يقول مَنْ خَدِرَت رِجلُهُ: قال: خَدِرَت رِجْلُ ابنِ عُمَرَ فقالَ له بعضُ الناسِ اذكر أحبَّ الناسِ إليك فقالَ يا مَحمّد فاستقامَتْ رِجلُهُ] ا.هـ. فاستحسَنَ ابنُ تيميةَ في هذا الكتاب الاستغاثَةَ بالرَّسولِ (وهذا حقٌّ) وقد ذَكَرَ إبراهيمُ الحربِيّ الذي كانَ حافِظًا كبيرًا يُشبَّهُ بأحمدَ بنِ حنبل وكانَ مِنْ أصحابِ أحمد هذهِ القِصَّةَ وذَكَرَ أنهُ جاءَ في روايةٍ أنه قيلَ لابنِ عُمَرَ (ادعُ أحبَّ الناسِ إليك) وذَكَرَ هذهِ القِصَّةَ المحدِّثُ الحافِظُ ابنُ السُّنِيّ في كتابِهِ عَمَلُ اليومِ واللّيلة وذَكَرَها الحافِظُ النوويّ والحافظُ ابنُ الجزريّ وقد خالَفَ مشبّهةُ العصر ابنَ تيمية في هذا فقالوا الاستغاثَةُ بالرسولِ بعدَ موتِهِ أو في حياتِهِ بغَيرِ حَضرتِهِ شِرك ووافَقوهُ في هذهِ لأنَّ ابنَ تيميةَ قالَ في كتابهِ التوسلُ والوسيلة: لا يجوزُ التّوسُّلُ بغيرِ الحيِّ الحاضر، بذلك كَفَّرَت مشبّهةُ العصر المسلمينَ المتوسلين بأيِّ صيغةٍ كأغثني يا رسولَ الله أو المدَدَ يا رسولَ الله أو أتَوسّلُ بِجَاهِ مُحمَّد، وهذا الكتابُ الكَلِمُ الطيب ثَبَتَ أنه مِنْ تآليفِ ابن تيمية فقد ذَكَرَ الذينَ ترجَموا ابنَ تيميةَ في النُّسخِ الخطّية أنه من تآليفِهِ. .
وقد روى الحافظ الحاكم في كتابه المستدرك وصححه [أنّ آدمَ حينَ اقتَرفَ الخطِيئةَ أي المعصِيةَ الصّغيرةَ لأَكْلِه مِنَ الشّجَرة التي نهِيَ عنها قال: ياربّ أَسأَلُكَ بحقِّ محمَّدٍ إلا ماغفَرتَ لي قال: كيفَ عَرفْتَ محمّدًا ولم أخلُقْهُ بَعدُ قالَ: إنّكَ لما خَلَقْتَني رَفَعتُ رَأسِي فرَأَيتُ على قَائمةٍ مِن قَوائِم العَرشِ لا إلهَ إلا اللهُ محمّدٌ رَسُولُ اللهِ فعَرفتُ أنَّكَ لم تُضِفْ إلى اسمِكَ إلا أَحَبَّ الخَلْقِ إلَيكَ]. والحاكم حافظٌ له حقُّ التّصحيح والتّضعيف وليسَ ذلك لغَير الحافظِ من هؤلاء المتطَفِّلينَ فلو كان سؤال الله بحقِّ أحَدٍ مِن خَلقِه شِركًا هل يحصُل مِن نبي؟!..
وكذلك ما رواه الحافظ الطّبراني في معجَميه الكبيرِ والصغير وفِيه أنّ الرسول علّمَ الأعمى أن يقولَ: اللهُمّ إني أسألك وأتوَجَّهُ إليكَ بنَبِيِّكَ محمّد ...الحديثَ إلى آخره قال الحافظ الطبراني عقِبَ رِوايتهِ له وروايةِ أنّ عثمانَ ابنَ حُنَيف الصحابي رَاويَ الحديث علَّم هذا الدعاءَ الذي فيه التّوسُّلُ لرجلٍ بعدَ وفاةِ الرسول وكانَ صاحبَ حاجةٍ مِن عثمانَ بنِ عفّان فقضَى له حاجتَه قالَ الطّبراني عقِبَ الحديثينِ المرفوع والموقوفِ والحديثُ صَحيحٌ. فليسَ للمُعتَرضِ أن يقولَ كيفَ تَطلُب مِن غَير اللهِ أو تَسألُ غيرَ اللهِ إنْ كانَ نَبِيّا أو ولِيّا بعدَ مَوتِه فيُقالُ له أنتَ لستَ أفهَمَ مِنَ الرّسولِ الذي علّمَ التّوسُّلَ وهذَا الأمرُ ما كانَ عليه المسلمونَ حتى جاءَ ابنُ تيمية وحرَّم ذلكَ وجعَلَه شِركًا ثم تَبِعَه محمدُ بنُ عبد الوهاب وعلى هذا أدعياءُ السَّلفِية في هذا العصرالذين هم الوهابية وليسَ لهم حجّةٌ في قول الله تعالى {ادعُوني استَجِبْ لَكُم} فإن هذه الآيةَ معناها: أطِيعُوني أُثِبكُم، وليسَ في التّوسل بالأنبياءِ والأولياءِ معَارضةٌ للآيةِ.
ثم يقولُ هؤلاء المانِعُون إنّ النّبي أو الوليَّ قد ماتَ وهوَ لا ينفَعُ بل الحقُّ أنْ يقالَ إنّه يَنفَعُ بإذنِ الله أليسَ موسَى نفَع أُمّةَ محمد حينَ قالَ لمحمّدٍ ليلةَ المعراجِ سَل رَبَّكَ التّخفِيفَ وأليسَ ثبتَ بالإسنادِ الصّحيحِ المتّصِلِ فيما رواه البيهقيُّ أنّ بلالَ بنَ الحارثِ المزَني الصحَابي جاءَ إلى قَبر النّبي في عام الرّمادة وقال يارسولَ الله استَسقِ لأمّتِكَ فإنهم قَد هَلَكُوا، فَسُقُوا ببركةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.