فائدة مهمة: قال الشيخ الفقيه الأصولي الزركشي في كتابه تشنيف المسامع ما نصه [قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي أعاد الله هذا الدين بعدما ذهب يعني أكثره بأحمد بن حنبل وأبي الحسن الأشعري وأبي نعيم الإستراباذي، وقال أبو إسحاق المَرْوَزي: سمعت المحاملي يقول في أبي الحسن الأشعري: لو أتى الله بقُراب الأرض ذنوبًا رجوت أن يغفر الله له لدفعه عن دينه، وقال ابن العربي: كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجزهم في أقماع السماسم].ا.هـ.
ومثل هذا يقال في أبي منصور الماتريدي لأنه مثله قام بتقرير عقيدة السلف بالأدلة النقلية والعقلية بإيضاح واسع، فقد جمع هذان الإمامان الإثبات مع التنزيه فليسا على التشبيه ولا التعطيل ولعن الله من يسمي الأشعري أو الماتريدي معطلاً، فهل خالفا التنزيه الذي ذكره الله بقوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سورة الشورى/11] فإنهما نفيا عن الله الجسمية وما ينبني عليها، وهذا ذنبهما عند المشبهة كالوهابية ومن سبقهم من المشبهة. فإن المشبهة قاست الخالق بالمخلوق فنفت موجودًا ليس جسمًا، والإمامان ومن تبعهما وهم الأمة المحمدية قالوا إن الله لو كان جسمًا لكان له أمثال لا تحصى.
وهذا هو دين الله الذي كان عليه السلف الصالح وتلقاه عنهم الخلف الصالح، وطريقة الأشعري والماتريدي في أصول العقائد متحدة. فالمذهب الحق الذي كان عليه السلف الصالح هو ما عليه الأشعرية والماتريدية وهم مئات الملايين من المسلمين فكيف يكون هؤلاء السوادُ الأعظم على ضلال، وتكون شرذمة هي نحو ثلاثة ملايين على الحق، والصواب أن الرسول عليه السلام أخبر بأن جمهور أمته لا يضلون وذلك من خصائص هذه الأمة،ويدل على ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما [إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة] وعند ابن ماجه زيادة [فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم]، ويقوي هذا الحديث الحديث الموقوف على أبي مسعود البدري [وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة] قال الحافظ ابن حجر"وإسناده حسن"، والحديث الموقوف على عبد الله بن مسعود وهو أيضًا ثابت عنه [ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح]، قال الحافظ ابن حجر "هذا موقوف حسن".
ولا ينافي ما قررناه من أن الجمهور معصومون من الضلالة ما صح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله [لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة]. فإن هذا أريد به طائفة متمسكة من بينهم بالدين على الكمال ولا شك أن المتمسكين بالدين على الكمال هم أقل الأمة، وليس معنى ذلك أن أكثر المنتسبين إلى الإسلام يكونون ضالين من حيث العقيدة خارجين عن الإسلام كما صرحت بذلك الوهابية ووافقهم أبو الأعلى المودودي، فعندهم جمهور المنتسبين للإسلام ليسوا على الهدى بل على الشرك، وقد صح أن أهل الجنة مائة وعشرون صفًا ثمانون من هذه الأمة، فلا يمكن أن يكون هؤلاء الثمانون هذه الشرذمة الوهابية، وهل كانت الوهابية قبل قرنين، فإن معتقدها منبثق من محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة مائتين وألف وست للهجرة وبعض معتقداتها مأخوذ من أحمد بن تيمية المتوفى سنة سبعمائة وثمان وعشرين للهجرة وهو شذ عن ما كان عليه من قبله من أهل الحق بقوله: إن جنس العالم ليس حادثًا إنما الحادث الأفراد أي الأشخاص المعينة فكل شخص وفرد عنده حادث ولكن إلى ما لا نهاية له ولا ابتداء، فجعل العرش أزليًّا بنوعه وجنسه بمعنى أن العرش لم يزل مع الله ولكن عينه ليس دائمًا بل يتجدد كل ءان بعد عدم، وقد نقل ذلك عنه الإمام جلال الدين الدَّواني وهو من ثقات العلماء كما وثقه الحافظ السخاوي في البدر اللامع في تراجم أهل القرن التاسع، ونسب إلى ابن تيمية ذلك الحافظان الجليلان المعاصران له وهما الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي والحافظ أبو سعيد العلائي.
وفيما ذهب إليه ابن تيمية تكذيب لقول الله تعالى ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾ [سورة الحديد/3] لأن مراد الله تعالى بأوليته الأولية المطلقة ليست الأولية المقيدة النسبية، لأن ذلك ليس لله تعالى فيه خصوصية، إذ الماء والعرش لهما تلك الأولية النسبية، لأنهما أول ما خلق الله لم يخلق الله قبلهما شيئًا كما نطق بذلك الحديث الصحيح [كان الله ولم يكن شىء غيره]، فثبت أن ابن تيمية كذّب هذا الحديث الصحيح كما كذّب الآية المذكورة وكذّب الإجماع لأنه لم يقل قبله أحد من المسلمين إن نوع العالم لم يزل مع الله أزليًّا وإنما قال بذلك متأخرو الفلاسفة الذين هم على خلاف رأي إرسطو. ولم يخش ابن تيمية من الله حيث افترى على أئمة أهل السنة والحديث بنسبته ذلك إليهم ولا يعرف واحد منهم قال ذلك، لكن ابن تيمية يربأ بنفسه عن أن يُنسب إلى موافقة رأي المُحْدَثين من الفلاسفة الذين وافقهم برأيهم القائلين بمثل مقالته، وليست هذه المسألة من المسائل التي يدخلها الاجتهاد بل من أخطأ فيها كفر بالإجماع، قال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب [إعلم أن حكم الجواهر والأعراض كلها الحدوث فإذًا العالم كله حادث، وعلى هذا إجماع المسلمين بل كل الملل ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفة الإجماع القطعي] ا.هـ. ذكر ذلك المحدث الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين.
| تاريخ الإضافة : | 25/12/2010 |
| الزيارات : | 7506 |
| رابط ذو صله : | http://www.sunnaonline.org |
| الكاتب : | SunnaOnline | سنة اون لاين |
| القسم : | مختارات من دروس الهرري |
التعليقات على الماده